حكم قصر الصلاة للمسافر:
يجوز للمسافر الذي تتنطبقُ فيه الشروط الموضحة بيانها بأن يقصر الصلاة الرباعية وهي ما يلي: الظهر والعصر والعشاء، فيصلّيها ركعتين فقط، كما يجوز له أن يتم عند الشافعية، والحنابلة؛ أما المالكية، والحنفية فإنهم قالوا: بأن قصر الصلاة مطلوب من المسافر لا جائز، ولكنهم اختلفوا في حُكمه، فقال الحنفية: إنه واجب، والواجب عندهم يأتي بأقل من الفرض، ويتساوى مع السنة المؤكدة، وعلى هذا فيُكره للمسافر أن يتم الصلاة الرباعية، وإذا أتمها فإن صلاته تكون صحيحة إذا لم يترك الجلوس الأول، لأنه فرض في هذه الحالة، ولكنه يكون مسيئاً بترك الواجب، وهو وإن كان لا يعاقب على تركه بالنار، ولكنه يُحرم من شفاعة النبي صلى اللّه عليه وسلم يوم القيامة.
حكم قصر الصلاة عند المذاهب الأربعة:
إن حكم قصر الصلاة عند أصحاب المذاهب الأربعة يتضمن الحنفيه والمالكية والشافعية والحنابلة.
- حكم قصر الصلاة للمسافر عند الحنفية: إنّ رأي الحنفية في قصر الصلاة هو واجبٌ، فإنّ أكمل الصلاة فقد فعلَ مكروهاً بتركِ الواجب، على أن يكون في الإتمامِ أيضاً تأخراً للسلام الواجب عن محله؛ وذلك لأنه يجب على المصلي أن يُسلم بعد الفراغ من القعود الأخير، والقعود الأخير في صلاة المسافر هو ما كان في آخر الصلاة المطلوبة منه، وهي ركعتان، فإذا صلّى ركعتين ولم يجلس في الركعة الثانية فقد بطلت صلاته؛ لأنه هذا الجلوس فرض مثل الجلوس الأخير، وإذا لم يُسلم بعد القعود ونهض للركعة الثالثة فقد فعل مكروهاً؛ لأنه بذلك يكون قد أخر السلام المطلوب منه عن محله.
- حكم قصر الصلاة للمسافر عند المالكية: لقد قال المالكية بالنسبة لقصر الصلاة؛ بأنها سنةٌ مؤكدة، فمن تركه وأتم الصلاة، فإنهُ يُحرم من ثواب هذه السّنة، وإذا لم يجد المسافر مسافراً مثله ليقتدي به صلّى منفرداً صلاة قصرٍ، ويُكره له أن يقتدي بإمامٍ مقيم؛ لأنه لو اقتدى بإمام مقيم فقد يلزمه أن يتم الصلاة معه فتفوته سنة القصر المؤكدة.
- حكم قصر الصلاة للمسافر عند الشافعية: لقد كان رأي الشافعية بأن قالوا: أنه يجوز للمسافر مسافة قصرٍ أن يقصُر الصلاة، كما ويحقُ له أيضاً الإتمام، دون خلافٍ، ولكن القصر هو أفضل من الإتمام، بشرط أن تبلغ مسافة سفره ثلاثة مراحل، وإلا لم يكن القصر أفضل، وذلك لأن أقل مسافة القصر عندهم مرحلتين، فإذا كانت مسافة سفره مرحلتين فقط، فإنه يجوز له أن يقصر، كما يجوز له أن يتم، أما إذا كانت ثلاث مراحل واكثر فإن القصر يكون أفضل، وإنما يكون القصر في هذه الحالة أفضل إذا لم يكن المسافر ملاحاً، والملاح: هو الذي يقوم بتسيير السفينة ومساعدوه، ويطلق عليهم اسم: البحارة، فإذا كان هؤلاء مسافرين فإن إتمام الصلاة أفضل لهم، وإن كانت مسافة سفرهم تزيد على ثلاث مراحل. هذا، وإذا أخر المسافر الصلاة إلى آخر وقتها بحيث لم يبق من الوقت إلا ما يسع صلاة ركعتين فقط، فإنه يجب عليه في هذه الحالة أن يصلي قصراً، ولا يجوز له الإتمام بحال، لأنه في هذه الحالة يمكنه أن يوقع الصلاة كلها في الوقت، كما تقدم في المسح على الخف، فإنه إذا ضاق الوقت كانت المسح فرضاً لإدراك الصلاة في وقتها.
- حكم قصر الصلاة للمسافر عند الحنابلة: لقد قالوا الحنابلةُ: بأنّ حكم قصر الصلاة جائز، وأنهُ أفضل من الإتمام، فيجوز للمسافر مسافة قصر بأن يُتم الصلاة الرباعية وأن يقصرها دون كراهة، ولو أنّ الإتمام له هو الأفضل. ويستثنى من ذلك بعض أمورٍ سنتطرق لها في شروط، القصر ومنها أن يكون المسافر ملاحاً أو بحاراً؛ فإنه إذا كان معه أهله في السفينة فإنه في هذه الحالة لا يجوز له قصرُ الصلاة؛ لكونه في حكم المقيم، وقد عرفت حكم هذا عند الشافعية، وهو أن إتمام الصلاة أفضل في حقهم فقط، أما الحنفية، والمالكية فلم يفرقوا بين الملاح وغيره في الحكم الذي تقدم بيانه عندهم.
ما هو دليل حكم قصر الصلاة:
لقد ثبت قصر الصلاة في القرآن والسنة والإجماع. فقال تعالى: “وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا” النساء:101. فهذه الآية قد دلت على أن قصر الصلاة مشروع حال الخوف، وهي وإن لم تدل على أنه مشروع حال الأمن، ولكن الأحاديث الصحيحة والإجماع قد دلت على ذلك، فمن ذلك ما رواه يعلى بن أمية، قلت لعمر: ما لنا نقصر وقد أمنا؟ فقال: سألت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقال: “صدقة تصدق اللّه بها عليكم فاقبلوا صدقته”، رواه مسلم. وقال ابن عمر رضي اللّه عنه: صحبت النبي صلى اللّه عليه وسلم، فكان لا يزيد في السفر على ركعتين، وأبو بكر، وعمر، وعثمان كذلك؛ متفق عليه، وقد ثبت أنه صلى اللّه عليه وسلم صلى إماماً بأهل مكة بعد الهجرة صلاة رباعية، فسلم على رأس ركعتين ثم التفت إلى القوم فقال: “أتموا صلاتكم فإنا قوم سفر”.