ما هي الأحكام التي تترتب على الحائض؟

اقرأ في هذا المقال


الأحكام التي تترتب على المرأة الحائض:

الحيض: لا نستطيع أن نقول بأنّ لتعريف الحيض محلُ اتفاق بين أغلب الفقهاء؛ وذلك لاختلافهم في اشتراط بعض الأوصاف فيه، فكان يرى بعضهم يرى أن الحامل قد تحيض، وبعضهم لا يراه حيضاً، وبعضهم يرى أنّ الدم قبل تسع سنوات حيض، وبعضهم يراه دم فساد. ولكن قد يقول البعض بأنه: دم ينفضهُ رحم امرأة سليمة عن داءٍ وصغر.

ولقد كان رأي بعض المذاهب في تعريف الحيض هو كالآتي: أن ابن جزي من المذهب المالكية قال: بأنّهُ الدم الذي يخرج من فرج الأنثى، التي يمكن حملها عادةً من غير ولادة ولا مرض ولا زيادة على الأمد. وأما الشافعية قالوا: هو الخارج من فرج المرأة على سبيل الصحة، بدون سبب الولادة بأوقاتٍ معلومة. أمّا من الحنابلة، قال البهوتي: وهو عبارة عن دم طبيعةٍ وجبلة، يُرخيه الرحم، يعتاد الأنثى إذا بلغت، في أوقات معلومةٍ.

لقد قال ابن حزم: بأنّ بعض الفقهاء أجمعوا على أنّ صيام رمضان على شكله الصحيح للمًقيم العاقِل البالغُ الذي يعرفُ بأنّه شهر رمضان، وأنّه يتوجب عليه صيامه، وهو  وليس شخصاً حائضاً أو نفساء. وأما النووي فقال: إنّ هذا الحكم متفق عليه، وأنّ المسلمون أجمعوا على أن الحائض والنفساء ليس عليهما الصوم والصلاة في تلك الحالة. أما رأي الشوكاني في هذا هو: أنّ الحديث يدلُ على عدم وجوب الصوم والصلاة على الحائض حالَ حيضها وهذا إجماع. ويُحرم الصوم على الحائض أو النفساء سواء كان فرضاً أو نفلاً، و يتوجب عليها القضاء.

أحكام مترتبة على وجود الحيض:

إنّ للحيضِ أحكامٌُ كثيرة ومتعددة، وسنذكرُ هنا بعضاً منها، هي الصلاة والصوم والطواف بالبيت وسقوط طواف الوداع والمكوث في المسجد والجِماع. وسنبدأ بما يلي:

أولاً الصلاة: لا يجوز للمرأة التي تكون في فترة حيضها بأن تُصلي الفرض والنفل ولا يجوز لها، ولا تصحُ لها الصلاة أيضاً حتى تُدرك من وقتها مقدار ركعةٍ كاملة، ففي ذلك الوقت تجب عليها الصلاةِ، سواء أنها أدركت ذلك من أول الوقت أم من آخره، ومن المثال على ذلك،امرأة حاضت بعد غروب الشمس بمقدار ركعة فيجب عليها إذا طهرت قضاء صلاة المغرب لأنها أدركت من وقتها قدر ركعة قبل أن تحيض. ومثالٌ آخر وهو:  امرأة تطهرت من الحيض قبل طلوع الشمس بمقدار ركعة فيجب عليها إذا تطهرت قضاء صلاة الفجر، لأنها أدركت من وقتها جزءاً يتسع لركعة .

أمّا الحائضُ إذا لَحقت بشيء من الوقتِ لا يتسعُ لركعة كاملة، كأن تحيض في المثال الأول بعد الغروب بلحظة أو تطهر في المثال الثاني قبل طلوع الشمس بلحظة، فإن الصلاة في هذه الحالة لا تجب عليها؛ وذلك لقول النبي صلى الله عليه وسلم: “من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة” متفق عليه، والمقصود هنا أن من أدرك أقل من ركعة لم يكن مدركاً للصلاة .

ولكن ما يتعلقُ بالتسبيح والتحميد والتسمية وغيره، مثل قراءة الحديث والفقه والأدعية والتأمين عليه واستماع القرآن فلا يحرم عليها شيء من ذلك ، فقد ثبت في الصحيحين وغيرهما أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتكئ في حجر عائشة رضي الله عنها وهي حائض فيقرأ القرآن. فقد ورد في الصحيحين عن أم عطية رضي الله عنها أنّها سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: “يخرج العواتق وذوات الخدور والحيض يعني إلى صلاة العيدين وليشهدن الخير ودعوة المؤمنين ويعتزل الحيض المصلى”.

وأمّا ما يتعلق بالحائضِ من ناحية القراءة في القرآن بنفسها، فإذا كانت تنظر بالعين أو تتأمل بالقلب بدون نطق باللسان فلا بأس بذلك، مثل أن يوضع المصحف أو اللوح فتنظر إلى الآيات وتقرأها بقلبها، قال النووي أنهُ جائز بلا خلاف. أمّا إن كانت قراءتها نطقاً باللسان فجمهور العلماء على أنّه ممنوع وغير جائز .وقال بذلك البخاري وابن جرير وغيرهم “وهو جائز”. وذكر البخاري تعليقاً عن إبراهيم النخعي : لا بأس أن تقرأ الآية.

أمّا رأي ابن تيمية: ليس في منعها من القرآن سنة أصلاً، فإنّ قوله عليه الصلاة والسلام: “لا تقرأ الحائض ولا الجنب شيئاً من القرآن” رواه الترمذي. وهو حديث ضعيف. فقد كان النساء يحضنّ في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، فلو كانت القراءة محرمة عليهنّ مثل الصلاة، لكان هذا ممّا أوضحهُ النبي صلى الله عليه وسلم لأمته وتعلمه أمهات المؤمنين وكان ذلك ممّا ينقلونه في الناسِ، فلما لم ينقل أحد عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك نهياً لم يجز أن تجعل حراماً، مع العلم أنّه لم ينه عن ذلك، وإذا لم ينه عنه مع كثرة الحيض في زمنه علم أنّه ليس بمحرم.

ومن الأرجح أن نقول للمرأة الحائض أنّ لا تقرأ القرآن ناطقةً به بلسانها إلا حين الضرورةِ لذلك، مثلاً كأن تكون مُعلمةً وتحتاج إلى أن تُلقن المتعلمات، أو في حال امتحان وتحتاج المتعلمة إلى القراءة لاختبارها أو ما شابه ذلك.

ثانياً: الصيام: ولا يصحُ أيضاً للمرأة الحائض بأن تُصلي الفرض أو النفل، ولكن يتوجب عليها بأن تقضي الفرض، بدليل عائشة رضي الله عنها: “كان يصيبنا ذلك تعني الحيض فنؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة” متفق عليه. فإذا حاضت وهي صائمة فقد فسد صيامها، وحتى وإن كان قبل الغروب بفترةٍ وجيزة، فيتوجب عليها قضاء ذلك اليوم إن كان فرضاً .

أمّا إن جاءها شعورٌ بأنّها ستحيضُ قبل الغروب ولم تَحض، وبعد الغروب جاءها الحيض؛ فيُعتبر صومها صحيحاً وتام ولم يُبطل على القول الأرجح؛ لأنّ الدم الذي يكون في داخل الجوف فلا حكم عليه؛ ولأنّ النبي صلى الله عليه وسلم لما سُئل عن المرأة ترى في منامها ما يرى الرجل هل عليها من غسل؟ قال: “نعم إذا هي رأت الماء”. فعلق الحكم برؤية المني لا بانتقاله، فكذلك الحيض لا تثبت أحكامه إلا برؤيته خارجاً لا بانتقاله. وإذا طلع الفجر وهي حائضٌ فلا يجوز منها صيام ذلك اليوم ولو طهرت بعد الفجر بلحظةٍ.

أمّا إذا تطهرت قُبيل الفجرِ وصامت، فقد صحّ صومها، وحتى وإن لم تغتسل إلّا بعد الفجر، مثل الجنب حينما ينوي الصيام وهو على جنابةٍ ولم يغتسل إلا بعد طلوع الفجرِ فصومه جائز وصحيح؛ بدليل حديث عائشة رضي الله عنها قالت: “كان النبي صلى الله عليه وسلم يصبح جنباً من جماع غير احتلام ثم يصوم في رمضان” متفق عليه.

ثالثاً: الطواف بالبيت: وأيضاً يُحرم على المرأةُ الحائضَ أن تطوف ببيت الله الحرام، لا فرضاً ولا نفلاً، ولا يصح منها ذلك؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة لما حاضت: “افعلي ما يفعل الحاج، غير ألّا تطوفي بالبيت حتى تطهري”. وأما سائرُ الأفعال مثل السعي بين الصفا والمروة والوقوف بعرفة والمبيت بمزدلفة ومنى ورمي الجمار وغيرها من مناسك الحج والعمرة فليست حراماً عليها، وعلى هذا فلو طافت الأنثى وهي طاهر ثم خرج الحيض بعد الطواف مباشرة، أو في أثناء السعي فلا حرج في ذلك.

رابعاً: سقوط طواف الوداع عن المرأة الحائض: إذا انتهت المرأة من تأدية مناسك الحج والعمرة، ثم حاضت قبل أن تخرج إلى بلدها، وبقي الحيض حتى خروجها، فلا يصح لها أن تطوف الوداع؛ وذلك بدليل حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: “أمر الناس أن يكون آخرُ عهدهم بالبيت، إلا أنهُ خفف عن المرأة الحائض” متفق عليه. وأمّا طواف الحج والعمرة فلا يسقط عنها بل تطوف إذا طهرت .

خامساً: المكوث في المسجد للحائض: لا يصحُ للمرأة الحائض أن تمكث، حتى مصلّى العيد، فإنّه يُحرم عليها؛ ذلك لحديث أم عطية رضي الله عنها : أنّها سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: “يخرج العواتق وذوات الخدور والحيض” وفيه: “يعتزل الحيض المصلى” متفق عليه.

سادساً: الجِماع: ويُحرم على الزوج أنّ يأتي زوجتهِ حتى تَطهر من حيضها؛ وذلك لقول الله تعالى: “وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذىً فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ”. والمقصود بالمحيض زمان الحيض ومكانه وهو الفرج. ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: “اصنعوا كل شيء إلا النكاح” أيّ الجماع . رواه مسلم . ولأنّ المسلمين أجمعوا على تحريم وطئ الحائض في فرجها.

فقد أباح الله تعالى له أشياءً كثيرةً تُطفئ شهوته دون أن يأتي زوجته مباشرة، فالأولى أن لا يباشرها فيما بين السرةِ والركبة إلا من وراء حائلٍ؛ لقول عائشة رضي الله عنها: كان النبي صلى الله عليه وسلم، “يأمرني فأتزر فيباشرني وأنا حائض” . متفق عليه .


شارك المقالة: