السوق من أهم المواضع التي تجلب المنفعة للناس، وهي من أساسيات تلبية احتياجات الناس وحصولهم على خدماتهم ومصالحهم، ولا بُدّ من وضع قواعد تنظّم السوق وتخلّصها من القيود التقليدية الموضوعة، التي تصب في مصلحة البعض دون الآخر، ووضع الضوابط التي تحمي حقوق الناس وتحافظ على ممتلكاتهم.
القواعد الفقهية الحامية للسوق في الإسلام:
أوّلاً: قاعدة لا يحتكر إلّا خاطئ:
يُقصد بالاحتكار جمع السلع الغذائية ونحوها، واحتباسها لوقت غلائها وارتفاع أرسعارها، ومما كُتب في معنى الاحتكار تعريف الدكتور فتحي الدريني الوارد في كتابه” البحوث الفقهية في قضايا اقتصادية معاصرة”، والذي اعتُبر من أفضل التعاريف، وهو أنّ الاحتكار يتمثّل في حبس الأموال والمنافع والأعمال، وعدم بيعها حتى ترتفع أسعارها وتغلو غلاءً فاحشاً، على غير المعتاد بسبب حاجة الناس إليه في ذلك الوقت لقلة وجوده أو انعدامه.
والاحتكار من الأفعال المحرّمة حسب ما دلّت عليه أحاديث السنة النبوية الشريفة، والنصوص العامة التي تنهى عن الظلم تُدخل الاحتكار تحت مضمون ظلم العباد، كما أنه تم تحريم الاحتكار بناءً على القاعدة الفقهية التي تنص على ” لا ضرر ولا ضرار”، وأنّ الحتكار من أساليب الظلم التي تُضيّق على الناس في الحصول على أرزاقهم.
أساليب منع الاحتكار وحماية السوق من المحتكرين:
- فرض البيع على المحتكر.
- مقاطعة المحتكرين اقتصادياً من قبل الناس.
- فرض الضوابط والعقوبات الت تحمي السوق من المحتكرين.
وكثرت صور الاحتكار وأساليبه في الوقت المعاصر ، وأصبحت أكثر بشاعةً مما كانت عليه، وقد مارس الاحتكار كبار المضاربين في الأسواق، وتم اتباع ضوابط إسلامية تمنع حدوث أي من المخالفات، أو ممارسة أي من صور الاحتكار.
ثانياً: قاعدة النجش حرام:
النجش هو الزيادة في سعر السلعة من قِبل شخص لا يُريد الشراء لإغراء المشتري بها، ويدخل النجش في مفهوم الخداع والاحتيال، وتم تحريم النجش بالإجماع لأنّ الفقهاء اعتبروه غشاً واحتيالاً، واستدلوا بذلك من الأحاديث النبوية الشريفة التي دلّت دلالات واضحة على تحريم النجش.
وتعددت صور النجش المعاصرة والتي يمكن إيجادها في بيوع المزاد، والبورصة، والإعلانات التجارية التي تُعرض على التلفزيون، وفي المجلات والصحف اليومية وغيرها، ولمواجهة ذلك تم العمل على تقنين المعاملات في الأسواق الإسلامية، لمواجهة صور النجش والغداع، وحماية حقوق الناس.
ثالثاً: قاعدة وجوب التسعير على الإمام إذا لم تقم مصلحة الناس إلّا به:
تعتني هذه القاعدة أنّه إذا لم تتحقق مصلحة الناس في حالة عدم التسعير، وجب على ولي الأمر التسعير مع مراعاة العدل بين الناس، وعدم إلحاق الضرر بالتجار، أمّا إذا تحققت مصلحة الناس وتوفرت حاجاتهم، دون الحاجة للتسعير، فلا يجوز التسعير من قبل ولي الأمر.
ويعني التسعير أن يقوم ولي الأمر أو السلطات العليا في البلاد بعملية تحديد أسعار السلع الضرورية، والتي تزداد الحاجة إليها وإن كانت منفعة أو عيناً، وفرض بيعها بالسعر المحدد دون مخالفة، ويكون ذلك في حالات الغلاء وحدوث الفوضى في الأسواق، وانتشار الفساد والتلاعب والاحتكار.
رابعاً: قاعدة دعوا الناس يرزق الله بعضهم البعض:
تعتبر هذه القاعدة من الشعارات الكبيرة التي تدعو إلى حفظ الحقوق وحرية التعامل والتجارة، لأنها عبارة نبوية شريفة. وتكثر أساليب التلاعب بالسوق وخاصة من قِبل كبار التجار والمسؤولين في الأسواق، مما يُحدث الاضطرابات والتقلبات في الأسواق والأسعار، ويعود بالضرر على الناس وخاصة المستهلكين.
وهذه القاعدة مبنية على أحاديث النبي محمد _عليه الصلاة والسلام_ التي تدعو إلى محاربة هذه الأساليب والابتعاد عنها، وضبط الأعمال والمعاملات في الأسواق للحفاظ على حقوق الناس وتلبية احتياجاتهم من السسلع والخدمات دون استغلال كبار التجار.