اقرأ في هذا المقال
قصة أصحاب الفيل:
في زمن من الأزمان قبل ولادة النبي محمد عليه الصلاة والسلام، كانت اليمن تتبع الحبشة في الحكم والمُلك وكان حاكم الحبشة يسمى النجاشي، وكان والي اليمن اسمه أبرهة وكان رجلاً ظالمًا ومتغطرسًا ومتكبرًا، فلما رأى العرب كلهم يحجّون إلى بيت الله الحرام في مكة أصابه الانزعاج، وحاول أن يصرف الناس عن سفرهم إلى مكة حتى يأتوا لليمن ولكنه لم يستطع.
قام أبرهة ببناء كنيسة عظيمة وكبيرة جدًا ومرتفعة وسماها “القُليس” لشدة ارتفاعها في السماء ارتفاعًا شاهقًا وذهب إلى النجاشي يبشره ويتزلف إليه، فقال له: بنيت لك كنيسة كبيرة وأسميتها القُليس وسأظلُ أدعو الناس إليها حتى أصرف العرب عن حجهم من مكة إلى حجهم إليها، أيّ أنني لن أسمح لهم بالذهاب للحج إلى مكة وسأجعل القُليس كعبةً للعرب، وليس الأمر كما يظنه وليس الواقع كما يتخيله أبرهة.
إن العرب الذين ورثوا دينهم عن إبراهيم وابنه إسماعيل عليهما السلام وعندهم هذا الإرث العظيم وإن حاولوا أن يدخلوا فيه من الشرك، إلا أنهم كانوا يفتخرون ويرعون سدانة هذه الكعبة التي بناها إبراهيم عليه السلام وما كانوا ليتركونها لأجل أبرهة وما قام ببنائه، فحاول ان يدعو الناس ولكن لم يستجب له أحد، ولكن هناك بعض من العرب كان متهورًا، فأحدهم لما رأى ما فعله أبرهة ودعوة الناس لحج الكنيسة أراد أن يُهين هذه الكنيسة.
يُروى أن أحد العرب مَرّ في ليلة من الليالي على هذه الكنيسة وقضى حاجته داخلها، فلما أصبح الصباح رأى الناس هذا الفعل وعلم الناس بما فعل ذلك العربي، ليس ذلك فحسب بل أحدهم أراد إحراقها وبدأ يحاول الهجوم عليها لكي يهدمها، فلما سمع أبرهة بذلك الأمر اشتد غضبه، فقد كان يملك جيشًا عظيمًا فأقسم أن يُسير الجيش بقيادة فيل اسمه “محمود”، أيّ أن يسير هذا الفيل أمامهم والجيش خلفهم ولا يقف إلّا عند الكعبة فيهدمها، فسمعت العرب بهذا ولكن العرب في ذلك الزمان لم تكن تملك شيئًا من القوات.
فقبل بعثة النبي عليه الصلاة والسلام في الجزيرة لم يكن لهم قيمة أبدًا فكانوا يتقاتلون على ناقة ولم يكن همهم سوى الرعي والأكل والشرب والنساء وغير ذلك، وسيّر أبرهة الجيش وأخرج الجنود وقواته ويقودهم الفيل، فلما دخلوا تصدى لهم رجل من أشراف اليمن اسمه “ذو نفر” نادى قومه وخرج بقبيلته وتدافعوا إلى السلاح وتواجهوا مع جيش أبرهة فسحقهم جيش أبرهة وأخذو ذو نفر أسيرًا عندهم.
وظلّ الجيش يتقدم وأكثر القرى لاذت بالفرار؛ لأنها خافت من جيش أبرهة، وقام لهم رجل آخر اسمه “نُفيل بن حبيب الخثعمي” وصار ينادى على القبائل وتجمعوا، وتواجه الجيشان فهزم جيش نُفيل بن حبيب وأخذه أبرهة أسيرًا حتى يدلهم على الطريق إلى مكة. وفي طريقهم وصلوا إلى الطائف قبل أن يذهبوا إلى مكة وأهل مكة سمعوا بالخبر بأن أبرهة جاء لِيدّك بيت الله الحرام.
وعندما وصل إلى الطائف قام إليه سادة الطائف أهل ثقيف ورجالهم وكبرائهم فخافوا أن يهدم بيتهم، كان عندهم بيت وهو صنم من الأصنام اسمه “اللآة” فقالوا له: إن مكة ليست هنا نحن ندلك عليها فمن شدة خبثهم فضلوا هدم الكعبة وأن لا يهدموا صنمهم، فأرسلوا مع أبرهة رجل اسمه “أبو رغال” يدلهم على الكعبة وفي الطريق مات وهلك أبو رُغال؛ لأن الله تعالى أرسل عليه لعنته ودفن وصار قبره مرجمًا ترجُمه العرب في ذلك الزمان.
أما جيش أبرهة فظلّ يتقدم باتجاه الكعبة ويقودهم الفيل العظيم وفي ظنه أنه سيهدمه، ولكن لم يكن يعلم أن تعالى سيحمي هذا البيت، وعندما وصل أبرهة إلى منطقة بين الطائف ومكة اسمها المغمس استراح فيها أبرهة هو وجيشه وما عنده من قوة السلام والقتاد وفيلهم الضخم وخيموا فيها؛ ليستدعوا للقتال في اليوم الثاني، فلم يكن أبرهة يريد أن يقاتل ولكن كان يريد هدم الكعبة فقط ويرجع.
فأرسل رسولاً من عنده إلى سادات قريش ينذرهم إني لا أريد القتال معكم ولكن أريد هدم واعود إلى بلدي، فاستقبل الرسول الذي بعثه أبرهة هو عبد المطلب وسيد قريش وجد النبي محمد عليه الصلاة والسلام وبعض من أسياد قريش، ثم عاد الرسول إلى أبرهة، وقدمت الناس إلى عبد المطلب ليبحثوا بينهم ماذا سيفعلون وكيف سنواجههم فقال لهم عبد المطلب: احموا إبلكم ومتاعكم؛ واحتموا بالجبال فإني ذاهب إلى أبرهة.
هل منع عبد المطلب أبرهة من دخول الكعبة؟
خرج عبد المطلب من مكة وتوجه إلى المغمس حيث عسكر أبرهة يريد أن يكلمه ويتفاوض معه، فلما سمع أبرهة أن عبد المطلب جاءه استبشر خيرًا، فلما دخل عليه في خيمته ورأى أبرهة منظر عبد المطلب وهو جميل الهيبة وكان سيدًا في هيئته انزعج من جلوسه على الكرسي وعبد المطلب على الأرض ولم يرضى أن يُجلس عبد المطلب معه على الكرسي، فإذا بأبرهة ينزل إلى الأرض ويجلس مع عبد المطلب وجاء بالترجمان بينهما؛ لأنه لم يكن أحدًا يعرف لغة الآخر، فسأل أبرهة من أنت؟ فقال له: أنا عبد المطلب سيد قريش، وقال له: ماذا تريد، قال جئت أكلمك في مئتي من الإبل أخذتها مني وهي من أموالي وأريد أن تعيدها إلي.
فردّ أبرهة ماذا تقول؟ فقال: أريد منك أن تعيد لي مئتي بعير قد أخذتها مني، فقال أبرهة: أنت جئت تكلمني في مئتي بعير، والله إني لما نظرت إليك أعجبت بك ولكن عندما تكلمت زهدت فيك، أنت تكلمني في مئتي بعير هي لك وجئت أهدم بيتًا هو دينك ودين أباءك وأجدادك، فقال عبد المطلب: أنا ربّ الإبل وصاحب الإبل وللبيت ربّ سيمنعك من هدمه، فقال أبرهة بغضب: ما كان ليمتنع مني، فقال عبد المطلب: أنت وذاك حر ولكن أنا أريد إبلي.
فأعطاه أبرهة إبله وأسرع إلى قومه، فسألوه ما الخبر، قال: احموا أموالكم واحموا أنفسكم وقالوا: والبيت، فقال: “وللبيت رب يحميه” وذهب عبد المطلب إلى باب الكعبة وبعض سادة قريش معه وتعلقوا بأستار الكعبة وعند بابها يستغيثون الله جل على أن يحمي كعبتهم، ويحمي بيته ويتوسلون إليه أن يحميهم في هذا اليوم، ثم بعد أن توسلوا وشاهدوا الناس يصعدون الجبال النساء منهم والأطفال وكل واحد يأخذ أمواله وتركوا مكة خاوية على عروشها، أسرع بعدها المطلب وذهب إلى الجبال وأخذ يدعوا الله تعالى بالرغم من أنهم مشركين ولكنهم صاروا يدعون الله أن يحمي تلك الكعبة.
ماذا حدث لفيل أبرهة؟
خرج أبرهة من المغمس إلى مكة وفي الطريق توقف الفيل وأخذ يضربه ليتقدم لكنه أبى على أن يخطو خطوة واحدة، وعندما عكسوا جهته عن مكة للشام وإذ به يتقدم وحولوه إلى جهة اليمن فيتقدم لكل الجهات يسير ولكن لجهة الكعبة أبى أن يسير ويتقدم، فعلم أبرهة والناس بأن قدرة الله قد حانت، وإذ بالسماء تظلم عليهم فجأة، لم يكن غيم ولكنها أظلمت والشمس حجبت وأهل مكة يرون أن الدنيا قد اسودت؛ لأن الله تعالى سيحمي بيته الآن.
حماية الله تعالى للكعبة:
أرسل الله تعالى عليهم جمع غفير طيور من الطيور الأبابيل تحجب السماء كلها، فقال تعالى: “أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ- أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ- وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ- تَرْمِيهِم بِحِجَارَةٍ مِّن سِجِّيلٍ- فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَّأْكُولٍ” الفيل:1-5.
بدأ الجيش يخاف ويتزعزع وحلّ عليهم الخوف فهرب بعضهم وهربَ فيلهم وإذا بالطيور الكثيفة يحمل كل طيرٍ فيها ثلاثة أحجار حجر في منقاره وحجر في رجله اليمنى وحجر في رجله اليسرى، وهذا الحجر إذا ضُرب به أيّ أحدٍ فإنه يتمزق ويموت مباشرة.
وبدأت الناس تهرب والجيوش تفرّ والكل يبحث عن الملجأ والمنجى وعن الطريق، ولكن لم يجدو مفرًا حتى وصلت الحجارة إلى أبرهة بنفسه وعذبه الله تعالى وصار جسده يتمزق شيئًا فشيئا حتى صار عبرة في التاريخ. طير صغير هو جندي من جنود الله لكن دمرّ الله تعالى فيه أمة من الأمم وجيشًا عظيمًا من الجيوش ولم يبقِ منهم أحد وصاروا عِبرة لغيرهم من الأقوام فبيت الله آمن وسيبقى آمن إلى ما شاء الله.