اقرأ في هذا المقال
هذه قصة رجل تعبد، فأراد المتسلطون في الأرض إفساده بإجباره على ارتكاب موبقة من الموبقات التي خيروه بينها، فاختار الخمر، ظانًا في نفسه أن شرب الخمر هو أهون شيء، لكنه لم يدرك أن شرب الخمر يذهب عقله ويجعله يفعل أمور عدة فيخسر في دنياه وآخرته.
الدليل من السنة على الذي ارتكب الموبقات بشربه للخمر
لقد روى النسائي عن عبد الرحمن بن الحارث عن أبيه، قال: سمعت عثمان رضي الله عنه يقول: “اجتنِبوا أمَّ الخبائثِ فإنَّه كان رجلٌ ممَّن كان قبلكم يتعبَّدُ ويعتزِلُ النَّاسَ فعلَقتْه امرأةٌ فأرسلت إليه خادمًا إنَّا ندعوك لشهادةٍ فدخل فطفَقت كلَّما يدخلُ بابًا أغلقته دونه حتَّى إذا أفضَى إلى امرأةٍ وضيئةٍ جالسةٍ وعندها غلامٌ وباطيَّةٌ فيها خمرٌ فقالت إنَّا لم ندعوك لشهادةٍ ولكن دعوْتُك لقتلِ هذا الغلامِ أو تقعُ عليَّ أو تشربُ كأسًا من الخمرِ فإن أبيتَ صِحتُ بك وفضحتُك قال فلمَّا رأَى أنَّه لا بدَّ له من ذلك قال اسقيني كأسًا من الخمرِ فسَقَته كأسًا من الخمرِ فقال زِيديني فلم تزَلْ حتَّى وقع عليها وقتل النَّفسَ فاجتنِبوا الخمرَ فإنَّه واللهِ لا يجتمعُ إيمانٌ وإدمانُ الخمرِ في صدرِ رجلٍ أبدًا وليوشِكنَّ أحدُهما يُخرِجُ صاحبَه” رواه النسائي.
لقد روى عن عبد الله بن عمرو أن أبا بكر الصديق وعمر بن الخطاب وبعضًا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم جلسوا بعد وفاة النبي فصاروا يذكرون أعظم الكبائر لكنهم لم يكن عندهم أي علم فيها ليستندوا إليه، فبعثوه إلى عبد الله بن عمرو بن العاص ليسأله عن ذلك، فأخبره بأن أعظم الكبائر هي شرب الخمر.
فرجع إليهم وأخبرهم، فأنكروا ذلك ووثبوا إليه جميعًا حتى قدموا إلى بيته، فأخبرهم أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: إنّ ملكًا من بني إسرائيل أخذ رجلًا وخيره بين أن يشرب الخمر أو يقتل ولدًا أو يزني أو يأكل لحم خنزير أو يقتلوه إن أبى، لكنه اختار أن يشرب الخمر، وأنه عندما شربها لم يمتنع من شيء أرادوه منه وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لنا في ذلك الوقت: ما من أحدٍ يشرب الخمر لا تقبل له صلاة لمدة أربعين ليلة ولا يموت وفي مثانته منها شيء إلا وحرمت عليه الجنة وإن مات قبل انتهاء الأربعين مات مية الجاهلية.
شرح حديث الذي ارتكب الموبقات بشربه للخمر
إن الذي يتأمل في هذه الأحاديث أنهما واقعة واحدة حدثت أيام الفساد الذي ساد عند بني إسرائيل، ويبدو أن هذا الرجل الذي تعبد كان رجلًا معروفًا، إما أن يكون وجيهًا أو من أعوان الملك أو من الذين لهم أتباع في المجتمع، فخاف الملك أن يؤثر تعبده فيمن حوله، ومن أمثال هذا الملك الفاسد يحرصون على إفساد أمثال هؤلاء الرجال.
ومن المحتمل أن هذا الملك طلب من تلك المرأة الغوية الفاسدة أن تقوم بهذه المهمة، فخيرته بأن يفعل أحد الموبقات التي عرضوها عليه، والواضح من الحديث أن مرادهم هو تحطيم معاني الإيمان في نفسه وتدنيسه بارتكابه للمعاصي والموبقات ولا يهمهم أن يفعل موبقة بعينها، المهم أن يفعل ما يبعده عن دينه ويقطع علاقته مع ربه.
فقد استدرجته تلك المرأة إلى منزلها بحيلةٍ عند صنعتها، فبعثت وراءه تدعوه للشهادة، فالأخيار لا يرفضون الاستجابة لتحمل الشهادة فينالون بها الأجر والثواب، فيبدو أن الرجل كان مغفل؛ لأنه لو كان ذكيًا لعمل احتياطه وأخذ معه شخص حتى يفسد مخطط تلك المرأة، فلما دخل عليها أغلقت الأبواب عليه وصار أسيرًا بين يديها.
وقد بيّن الحديث أن هذه المرأة كانت صاحبة مال وتعيش في ترف ولم يكن حالها مثل حال اللواتي يرتزقن بزناهن، فقد كانت من الطبقة الراقية والمقربة من الأسرة المالكة التي تحرص على أن تشاع الفاحشة، لذلك فقد كانت هذه المرأة تهدد به حتى يفعل الفاحشة، فصارت تخير به إما أن يفعل وإما أن يُقتل.
ونستنتج من هذه القصة أن المرأة لم تكن تحب هذا الرجل، ولم تدعهُ إليها لأنها تعشقه ومغرمة به لما طلبت منه موافقتها فحسب ولكنها طلبت منه فعل الفاحشة، وأعلنت له أنها ترضي منه بقتل الصبي أو أكل لحم الخنزير أو الزنى بها أو شرب الخمر، فكان كل همها أن تلوثه حتى يذهب عنه صفاؤه وإيمانه ويغرق في عمل الرذيلة.
فالرجل لو كان إيمانه قوي لرفض جميع هذه العروض واختار موت الصالحين على حياة الفاسقين، فالموت هو غاية لكل حي، واختيار الحياة الفاسدة لا تنجي من الموت، فقد اختار هذا الرجل ما هو أهون شيء في ظنه وأعظم الشرور وهو الخمر؛ فالخمر مفتاح الإثم، فلما شرب الخمر غاب عقله عنه وفقد السيطرة ولما فقد عقله قام بارتكاب جميع الموبقات التي عُرضت عليه، فقامبقتل الصبي وارتكب الزنا، وأكل لحم الخنزير.