ما هي قصة حاطب بن أبي بلتعة؟

اقرأ في هذا المقال


قصة حاطب بن أبي بلتعة:

عندما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه إلى المدينة المنورة، كان أكثر المهاجرين فقراء بل أغلبهم، وكان الذي عنده أموال كان قد ترك أمواله فبعضهم سُلب ماله في مكة وحُجز فجاءوا فقراء وكان بعضهم لا يملك إلا الثياب التي يرتديها، فقام النبي صلى الله عليه وسلم بمؤاخاة المهاجرين والأنصار، فجاء كل مهاجر معه أنصاري وأسكنه معه في البيت، فوصل الحال بالأنصار أنهم قسموا بيوتهم إلى نصفين.

لقد صار الأنصار يقسمون طعامهم وإبلهم ومزارعهم بينهم وبين المهاجرين بالتساوي، حتى أن بعضهم وصل إلى درجة أنه إذا كان واحد من الأنصار عنده أكثر من زوجة يطلق واحده منهن حتى يتزوجها المهاجر.

وهناك فقيرًا من الفقراء جاء للنبي عليه الصلاة والسلام فلم يجد عنده ما يطعمه فبعثه إلى أحد الأنصار، فلما جاءه البيت، سأل زوجته؟ ألا يوجد في البيت طعام، فأجابته، لا يوجد سوى طعام الأولاد، فقال لها: علليهم ونوميهم، فلما ناموا، قال لها: إذا جئتي بالطعام فاطفئي السراج حتى يوهم الضيف بأنه يأكل معه، وإذ بالضيف يأكل الطعام حتى شبع وإذ هو يأكل كل الطعام الذي في البيت.

وفي اليوم التالي، سأل النبي صلى الله عليه وسلم أين الأنصاريّ الذي استضاف الرجل الفقير ليلة أمس، فأجاب الرجل: أنا يا رسول الله، فقد عجب الله تعالى من صنيعكما، أي أنكم فعلتم شيء لم يفعله أحد غيركم، فقال تعالى: “وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ۚ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ” الحشر:9. أي أنهم لو كانوا محتاجين فإنهم يؤثرون غيرهم على أنفسهم.

قبل فتح مكة النبي عليه الصلاة والسلام، أراد أن يفتحها سرًّا من غير أن يعلم أحد، فأحد الصحابة اسمه حاطب بن أبي بلتعة أرسل رسالة كتب فيها شيء وقال لأمرأة أعطيها لقريش، وهي أن محمد سيأتي إليكم، فأوحى الله تعالى إلى النبي عليه الصلاة والسلام أن حاطب فعل كذا وكذا، فأرسل النبي علي بن أبي طالب والزبير وطلحة وبعض الصحابة معهم، وقال لهم: ستجدون الضعين المسافرة في مكان يسمى “روضة خاخ” واطلبوا منها الرسالة وأجبروها على أن تخرها.

فجاء علي بن أبي طالب وطلب منها الرسالة، فوجدوا المسافرة في نفس المكان، فقالت: ليس معي شيء، فهددها علي بن أبي طالب وأخرجت الرسالة من شعرها وأخذوها إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا مكتوبٌ بها من حاطب بن أبي بلتعة إلى فلان وفلان فإن رسول الله قادم إليكم، فقال له النبي: ما الذي حملك على هذا يا حاطب ولماذا فعلت ذلك، فأجاب والله يا رسول الله ما كفرت منذ أسلمت وما أحببتهم بعد أن فارقتهم، وأنا لم أكره هذا الدين أبدًا ولم أرتد، ولكن ليس من المهاجرين أحدٌ إلا وله من عشيرته في مكة. وأنا غريب عنهم وأهلي بين أيديهم فخشيت على أهلي.

فقال بلتعة خطر ببالي أن أعمل فيهم جميل وأن أصنع يدًا والله ناصرٌ نبيه، فرسالتي لن تضرّ أحدًا فيهم ولكن ستحمي أهلي في قريش، فقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُم مِّنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ ۙ أَن تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِن كُنتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي ۚ تُسِرُّونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنتُمْ ۚ وَمَن يَفْعَلْهُ مِنكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ. الممتحنة:1.

فلما سمع عمر بن الخطاب بالقصة، قال: يا رسول الله دعني أضرب عنقه، فأجابه النبي لا يا عمر، فقد شهد بدرًا، أي أن الذي شهد بدر أول معركة، قال: وما يدريك يا عمر أن الله اطلع إلى أهل بدر، فقال: اعلموا ما شئتم فقد غفرت لكم، فشهود بدر يجعله مهما فعل من أخطاء دون الكفر فإن الله تعالى يعفو عنهم.

لقد كان عند بعض الصحابة قرابة، هم آمنوا وقرابتهم لم يؤمنوا، وكانوا شديدي العداوة لهم وكانوا يتأسون بإبراهيم عليه السلام أنهم كانوا يظهرون العداوة لهؤلاء الكفار، حتى وإن كانوا أبناء عم أو إخوة، فكان يقول إبراهيم عليه السلام للكفار: كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدا، حتى قال الله تعالى لهم: “عَسَى اللَّهُ أَن يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عَادَيْتُم مِّنْهُم مَّوَدَّةً ۚ وَاللَّهُ قَدِيرٌ ۚ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ” الممتحنة:7. أي أن الله قادر أن يهديهم وأن يجعل بينك وبينهم مودة وقربة، فصيح أنهم يبغضونهم لكفرهم ولكن الله يقدر على أن يبدل البغض والكره بالمحبة والرحمة والمودة فنحبهم.


شارك المقالة: