الأخبار عن الماضي بالأنباء الصادقة
- كان النبي صلى الله عليه وسلم أميّاً لم يطّلع على أقاصيص الأولين، وكتبهم وسيرهم فتحدث القرآن الكريم عن، آدم كيف خُلق، وعن نوح وعناد قومه وما كان بينه وبين ابنه الكافر، وعن الطوفان الذي حلّ بالناس وتحدث عن إبراهيم، ودعوته قومه، وعن رميه في النار وتحدث عن سليمان، وعلمه بمنطق الطير، وعن يوسف وقصته مع أبيه وقومه وكيد إخوته له، وقصّة سيدنا موسى مع فرعون في ثلاثين موضعاً، وقصّة سيدنا عيسى من مولده إلى أن رفعه الله تعالى إليه…. فعلمه هذا أنّ ما ورد من هذه الأخبار كان عن طريق الوحي وهو جانب من جوانب الإعجاز ﴿تِلۡكَ مِنۡ أَنۢبَاۤءِ ٱلۡغَیۡبِ نُوحِیهَاۤ إِلَیۡكَۖ مَا كُنتَ تَعۡلَمُهَاۤ أَنتَ وَلَا قَوۡمُكَ مِن قَبۡلِ هَـٰذَاۖ فَٱصۡبِرۡۖ إِنَّ ٱلۡعَـٰقِبَةَ لِلۡمُتَّقِینَ﴾ [هود ٤٩]
النظم والأسلوب والبلاغة :
وصل القرآن الكريم قمّة البلاغة في أسلوبه وبديع نظمه وتناسق كلماته ووجوه إيجازه فألفاظه فصيحة، وجمله وتراكيبه قد أحكمت إحكاما لا يستطيعه أحد من العالمين فوق ما نجده من حسن انتقاء الألفاظ ودقَّة الاختيار وفواصل القرآن وارتباط الفاصلة بالنّص القرآني .
والقرآن الحكيم يعرض الحادثة الواحدة بطرق متنوعة وفي كل طريقة معنى غير المعنى للحادثة الأخرى فلا يستطيع المتأمل في القرآن أن يجمع نصين يتكرران ما لم يزد أحدهما معنى أكثر من المعنى الذي تضمّنه النّص الآخر على كثرة النصوص المتشابهة التي يسوقها القرآن، ذلك أنّ السياق القرآني يعرضها كلّ مرّة عرضاً جديداً مشيراً إلى تفصيلات لا نجدها في الآخر.
وهذا ما نجده في القرآن الكريم بكثرة كالآيات التي تتحدث في يوم القيامة وصور النعيم والعذاب، في الدّار الآخرة والمشاهد الكونية وقصص الأنبياء .
وقد يكون التنويع في الآيات الكريمة بكلمة واحدة أو بزيادة حرف واحد وكمثال على هذا ما جاء في قوله تعالى ﴿وَإِذۡ نَجَّیۡنَـٰكُم مِّنۡ ءَالِ فِرۡعَوۡنَ یَسُومُونَكُمۡ سُوۤءَ ٱلۡعَذَابِ یُذَبِّحُونَ أَبۡنَاۤءَكُمۡ وَیَسۡتَحۡیُونَ نِسَاۤءَكُمۡۚ وَفِی ذَ ٰلِكُم بَلَاۤءࣱ مِّن رَّبِّكُمۡ عَظِیمࣱ﴾ [البقرة ٤٩] وقوله ﴿ یَسُومُونَكُمۡ سُوۤءَ ٱلۡعَذَابِ وَیُذَبِّحُونَ أَبۡنَاۤءَكُمۡ وَیَسۡتَحۡیُونَ نِسَاۤءَكُمۡۚ وَفِی ذَ ٰلِكُم بَلَاۤءࣱ مِّن رَّبِّكُمۡ عَظِیمࣱ﴾ [إبراهيم ٦] وهاتان الآيتان تتحدثان في موضوع واحد يتعلَّق بما أنعمه الله على بني إسرائيل إذ نجّاهم من آل فرعون الذين كانوا يسومونهم سوء العذاب، وأمَّا الآية الثانية تتحدّث عن الموضوع نفسه لكنّها تأتي بمعناً آخر بزيادة الواو في قوله (وَیُذَبِّحُونَ) فما المعنى الذي أضافته ؟؟
أمّا الآية في سورة البقرة فقد حدَّدت حقيقة العذاب: وهو تذبيح الأبناء واستحياء النساء وأمّا آية سورة إبراهيم فأشارت إلى أنَّ العذاب كان أنواعا كثيرة لم تقتصر على تذبيح الأبناء واستحياء النساء بل هو فوق ذلك، أنواع كثيرة من العذاب وهكذا اختلفت أنواع أخرى من العذاب .
وهكذا يعرض القران الحكيم الموضوع كلّ مرّة بشكل مختلف يشبه الشكل الذي سبقه لكنّه يضيف معنى آخر، وهذا بلا ريب لون من ألوان إعجاز القرآن فسبحان من هذا كلامه.