نزول القرآن وفقاً لحكم ربانية

اقرأ في هذا المقال


أقسام آيات القرآن الكريم

يكون موضوعها على الأغلب يتكلم عن الأمم الغابرة وما نزل بها، أوتتكلم عن وصف النار والجنة، وأغلب مواضيع هذا النوع هي التشريع والأخلاق والأحكام .

الحكمة من ارتباط الآيات بأسباب النزول

من المعروف عند علماء هذا الفن أنّ المعظم من الآياتِ القرآنية المُرتبطةِ بأسْباب النُّزول كانت في تشريعِ الأخلاق والأحكام ، وكان الهدف منها هو التدرج في نقل وتحويل حياة الناس إلى الأفضل والأقوم، والابتعاد بهم عن كل ما هو قبيح وسيء في حياتهم الجاهلية.

ولذلك فإنّ آيات الأخلاق والأحكام لم تنزل من فراغ، ولها أسبابها وظرفها العملية، حتى لا تكون مجرَّد نظريات سطحية، والقرآن سلك طريقاً تربوياً مختلفاً مؤثراً عندما قدم للناس توجيهاته الأخلاقية وأحكامه المتَّصلة بالواقع والأحداث، أو جواباً لجميع الأسئلة التي تعرّض لها النبي صلى الله عليه وسلم في حل الإشكالات لكي تمتزج هذه الأحكام مع الأحداث والوقائع، ويتم غرس الأخلاق في تربية التطبيقات العملية عند نزولها، وهي أحد الأسباب التي تعين على حفظها وبيان قيمتها.

أمثلة لأسباب النزول

  • عن عبدالله بن مسعود قال: بيْنَما أَنا أَمْشِي مع النبيِّ ﷺ في حَرْثٍ، وَهو مُتَّكِئٌ على عَسِيبٍ، إذْ مَرَّ بنَفَرٍ مِنَ اليَهُودِ، فَقالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: سَلُوهُ عَنِ الرُّوحِ، فَقالوا: ما رابَكُمْ إلَيْهِ، لا يَسْتَقْبِلُكُمْ بشيءٍ تَكْرَهُونَهُ، فَقالوا: سَلُوهُ، فَقامَ إلَيْهِ بَعْضُهُمْ فَسَأَلَهُ عَنِ الرُّوحِ، قالَ: فأسْكَتَ النبيُّ ﷺ، فَلَمْ يَرُدَّ عليه شيئًا، فَعَلِمْتُ أنَّهُ يُوحى إلَيْهِ، قالَ: فَقُمْتُ مَكانِي، فَلَمّا نَزَلَ الوَحْيُ قالَ: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِن أَمْرِ رَبِّي وَما أُوتِيتُمْ مِنَ العِلْمِ إلّا قَلِيلًا}. وفي رواية: كُنْتُ أَمْشِي مع النبيِّ ﷺ في حَرْثٍ بالمَدِينَةِ، بنَحْوِ حَديثِ حَفْصٍ. غَيْرَ أنَّ في حَديثِ وَكِيعٍ: {وَما أُوتِيتُمْ مِنَ العِلْمِ إلّا قَلِيلًا} وفي حَديثِ عِيسى بنِ يُونُسَ: وَما أُوتُوا مِن رِوايَةِ ابْنِ خَشْرَمٍ. وفي رواية: كانَ النبيُّ ﷺ في نَخْلٍ يَتَوَكَّأُ على عَسِيبٍ…، ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوَ حَديثِهِمْ عَنِ الأعْمَشِ. وَقالَ في رِوايَتِهِ: {وَما أُوتِيتُمْ مِنَ العِلْمِ إلّا قَلِيلًا. صحيح مسلم ٢٧٩٤.
  • عن عائشة أم المؤمنين:] أُنزِلتْ {عَبَسَ وَتَوَلّى} [عبس: ١] في ابنِ أمِّ مكتومٍ الأعمى قالت: أتى النَّبيَّ ﷺ فجعَل يقولُ: يا نبيَّ اللهِ أرشِدْني قالت: وعندَ النَّبيِّ ﷺ رجُلٌ مِن عُظماءِ المشركينَ فجعَل النَّبيُّ ﷺ يُعرِضُ عنه ويُقبِلُ على الآخَرِ فقال النَّبيُّ ﷺ: يا فلانُ أترى بما أقولُ بأسًا فيقولُ: لا، فنزَلت: {عَبَسَ وَتَوَلّى} [عبس: ١] ابن حبان (٣٥٤ هـ) ، صحيح ابن حبان ٥٣٥ • أخرجه في صحيحه.

أهمية معرفة أسباب النزول

إنَّ المتتبع لمعرفة أسباب النزول في توضيحها لمعاني الآيات، ومعرفة وجه الحكمة التي كانت السبب الرئيسي على تشريع الحكم، كما أن هناك الكثير من الأبحاث في علم أصول الفقه التي استندت على معرفة الأسباب التي نزلت فيها الآية، أو أفادت منها، مثل: (عموم اللفظ، وخصوص السبب) .

وقد نقل الإمام الواحدي رحمه الله تعالى مؤلف كتاب (أسباب النزول) إلى أنّ أول ما يجب الوقوف عليه وأول ما تُصرف العناية إليه، لامتناع معرفة تفسير الآية وقصد سبيلها دون الوقوف على قصتها وبيان نزولها (معرفة أسباب النزول للواحدي ص8 ).

وقال الشيخ ابن تيمية رحمه الله تعالى : معرفة سبب النزول يُعين على فهم الآية، فإن العلم بالسبب يُورث العلم بالمسبب، وسنذكر مثال لتوضيح هذه القاعدة وهو عند قوله تعالى ﴿۞ إِنَّ ٱلصَّفَا وَٱلۡمَرۡوَةَ مِن شَعَاۤىِٕرِ ٱللَّهِۖ فَمَنۡ حَجَّ ٱلۡبَیۡتَ أَوِ ٱعۡتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَیۡهِ أَن یَطَّوَّفَ بِهِمَاۚ وَمَن تَطَوَّعَ خَیۡرࣰا فَإِنَّ ٱللَّهَ شَاكِرٌ عَلِیمٌ﴾ [البقرة ١٥٨].

في ظاهر الآية تتكلم عن شعيرة من شعائر الحج، والظاهر من الآية أنّ الطواف بالصفاء والمروة جزء من شعائر الحج وكلمة (لا جُناح) في الآية الكريمة لا تفيد الوجوب، وقد ذكر أئمة التفسير عند هذه الآية أن سيدنا عروة بن الزبير قد أشكلت عليه الآية فافهمته السيدة عائشة ام المؤمنين رضي الله عنها، أن نفي الجُناح في هذه الآية ليست نفياً للفرضية، بل نفي لما وقر في أذهان بعض المسلمين- في مطلع عصر الإيمان- من أنَّ السعي بين المروة والصفاء كان من أعمال الجاهلية، وكان على الصَّفاء صنم اسمه (إساف) وكان على صنم يٌسمّى (نائلة) وقد كان المشركون يسعون بين المروة والصَّفا، وتمّ تحطيم الصَّنمان بعد فتح مكة، فتحرَّج المسلمون في الطواف بين الصَّفا والمروة فنزلت الآية . ( رواه البخاري ومسلم ).

طرق معرفة أسباب النزول

  • أولاً: النقل الصحيح ولا يجوز القول فيها إلَّا عن طريق الرواية والسَّماع ممَّن حضروا وشاهدوا التنزيل وعرفوا الأسباب.
  • ثانياً: إن رُويت أسباب النزول عن أحد من الصحابة فهي مقبولة، لأنَّ الصَّحابة كلهم عُدول ولا مجال للاجتهاد فيها ويكون حكمها حكم المرفوع .
  • ثالثاً: إن رويت عن تابعي فلا تقبل إلّا إذا اعتضدت بمرسل، وكان الرَّاوي من المكثرين والمعروفين في التفسير والذين أخذوا علمهم عن الصَّحابة أمثال عكرمة ومجاهد وسعيد بن جبير رحمهم الله تعالى .

شارك المقالة: