هل للعصر سنة راتبة أم لا:
لقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله بأنهُ هل للعصر سنةٌ راتبةٌ أم لا؟ إنّ الإجابة عن هذا السؤال هو أن الذي ثبت في الصحيحين، عن النبي عليه الصلاة والسلام أنهُ كان يُصلّي مع المكتوبات عشرُ ركعات، أو اثنتي عشرة ركعة؛ ركعتين قبل الظهر، أو أربعاً، وبعدها المغرب ركعتين، وبعد العشاء ركعتين وقبل الفجر ركعتين، وكذلك ثبت في الصحيح، أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: “من صلّى في يومٍ وليلة اثنتي عشرة ركعة، تطوعاً غير فريضةٍ بنى الله له بيتاً في الجنة” ورويت السنن أن هناك أيضاً أربعاً قبل الظهر وركعتين بعدها وركعتين بعد المغرب، وركعتين بعد العِشاء، وركعتين قبل الفجر.
وأما قبل صلاة العصر فلم يقل أحد أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يصلي قبل العصر إلا وفيه ضعف بل خطأ، مثل حديث يُروى عن علي أنهُ كان يُصلي نحو ست عشرة ركعةً، ومنها قبل العصر، وهو مطعون فيه، فإن الذين اعتنوا بنقل تطوعاته مثل عائشة وابن عمر بينوا ما كان يُصليه، وكذلك الصلاة قبل المغرب، وقبل المغرب، وقبل العِشاء، لم يكن يُصليها، لكن كان أصحابه يُصلون قبل المغرب بين الآذان والإقامة، وهو يُراهم فلا يُنكر ذلك عليهم، وثبت عنه في الصحيح أنه قال: “بين كل أذانينِ صلاة، بين كل أذانين صلاة”. ثم قال في الثالثة: “لمن شاء” كراهيةَ أن يتخذها الناس سنة، فهذا يُبين أنّ الصلاة قبل العصر، والمغرب، والعشاء على هذا الوجه حسنة، وليست بسنة، فمن أحب أن يصلي قبل العصر كما يصلي قبل المغرب والعشاء على هذا الوجه فحسن، وأما أن يعتقدُ أن ذلك سنةً راتبة، كان يُصليها النبي عليه الصلاة والسلام، كما يُصلي قبل الظهر وبعدها وبعد المغرب فهذا خطأ.
الصلاة المكتوبة:
إن الصلاة مع المكتوبةِ هي ثلاث درجاتٍ وهي:
الأولى: سنة الفجر، الوتر فهؤلاء أمر بهما النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يأمر بغيرهما، وهما سنةٌ باتفاق الأئمةِ، وكان النبي عليه الصلاة والسلام يُصليهما في السفر والحضر ولم يجعل مالك سنة راتبة غيرهما.
الثانية: هي ما كان يصليها مع المكتوبة في الحضر، وهي عشرُ ركعاتٍ، وثلاث عشرة ركعةٍ، وقد أثبت أبو حنيفة والشافعي وأحمد مع المكتوبات سنة مقدرةٌ بخلاف مالك.
الثالثة: وهي التطوع الجائز في هذا الوقت، من غير أن يجعل سنةً، لكون النبي عليه الصلاة والسلام لم يُداوم عليه، ولا قدر فيه عدداً، والصلاة قبل العصر والمغرب والعشاء من هذا الباب، وقريباً من ذلك صلاة الضحى. ولم أقف على حديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام أنه كان يُصلي قبل العصر، أو أنه يحثُ على الصلاة قبل العصر، إلا وفيه مقال، وكان ذلك بيانها.
هل يجوز التطوع في الصلوات؟
لا بأس بالتطوع بعد الصبح والعصر، أما النهي الوارد إنما قُصد به الذي يتحرى طلوع الشمس وغروبها. ويتلخص هذا الكلام في المرفوعات والآثار.
أولاً: المرفوعات وهي تتضمن ما يلي:
-عن عائشة رضي الله عنها قالت: “لا تحروا طلوع الشمس ولا غروبها، فتصلوا عند ذلك” رواه مسلم. وقد كان تحرير المرفوعات وأدلتها حين قالت عائشة: أنه لم يدع رسول الله صلى الله عليه وسلم الركعتين بعد العصر، قال: فقالت عائشة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لا تحروا طلوع الشمس، ولا غروبها، فتصلوا عند ذلك”.
-عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: “لا يتحرى أحدكم فيُصلي عند طلوع الشمس ولا عند غروبها” متفق عليه.
-عن علي رضي الله عنه قال: “لا يُصلى بعد العصر إلى أن تكون الشمس بيضاء نقية مرتفعةً”.
-عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لا تصلوا عند طلوع الشمس، ولا عند غروبها، فإنها تطلع وتغرب على قرنِ شيطان، وصلوا بين ذلك ما شئتم” صحيح الشواهد إلا لفظه.
ثانياً: الآثار وتتضمن ما يلي:
فالآثار قد صح عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وعن ابن عمر رضي الله عنه، وعن عائشة رضي الله عنهما، وعن ابن عباس رضي الله عنهما، وقد روي عن جماعةٍ ولا يصحُ ومنهم: ابن مسعود رضي الله عنه وطاووس.
-فما صح عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه كان يقول: “لا تحروا بصلاتكم طلوع الشمس، ولا غروبها، فإن الشيطان يطلعُ قرناه مع طلوع الشمس ويغربان مع غروبها، وكان يضرب الناس على تلك الصلاة” حديث صحيح: أخرجه عبد الرزاق.
-أما عن عائشة رضي الله عنها: أن ناساً طافوا بالبيتِ بعد صلاة الصبح، ثم قعدوا إلى المذكر حتى إذا طلعت الشمس قاموا يصلون، فقالت عائشة رضي الله عنها: “اقعدوا حتى إذا كانت الساعةُ التي تُكره فيها الصلاة، وقاموا يصلون” أخرجه البخاري.
-وعن ابن عباس رضي الله عنه قال: “لا تصلّ عند طلوع الشمس، ولا حين تغرب، فإنها تطلعُ وتغرب في قرني شيطان، ولكن إذا صفت وعلت” أخرجه أبو بكر.