اقرأ في هذا المقال
مريم عليها السلام من ذرية إبراهيم عليه السلام:
قال الله تعالى: “وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ ۚ كُلًّا هَدَيْنَا ۚ وَنُوحًا هَدَيْنَا مِن قَبْلُ ۖ وَمِن ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَىٰ وَهَارُونَ ۚ وَكَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ” الأنعام:84.
حينما نسمعُ قول الله تعالى: “ووهبنا” فإننا نعرف أن العطاء لم يأت بالأسباب، وإنما جاء بلا أسباب، فإذا عملت عملاً وأخذت أجراً عليه، فهذا ليس هبةً، فالله تعالى قد جعلَ التكاثر البشري هبةً من عنده، فالذريةِ هي هبة من الله لخلقهِ، ومجرد الزواج الذي هو التقاء الرجلِ بالمرأة لا يأتي بالذرية، ولكنها هبةً من الله لخلقهِ، ومجرد الزواج الذي هو التقاء الرجل بالمرأة لا يأتي بالذرية، ولكنها هبةً من الله؛ لأنها ليس فيها مشقةً العمل، وهكذا تخرج من منطق الأجر إلى منطق الهبة، وكذلك فإن العقم الذي يُبتلى به أيّ من الزوجين وهو أيضاً هبةً؛ لأنك إذا استقبلت العقم بالحمد ولم تنظر إلى أبناء الغير بالحقد والحسد، يجعلُ الله كل من تراه ابناً لك؛ وهذا يخدمك، وهذه هي هبة العقم. أما هبة الإناث فإنك لو رضيت بها، تجدُ أن الله يبعثُ إليك رجلاً يتزوجون بناتك، ويًصبح هؤلاء الرجال أفضلُ لك وأكثر طاعةً من أبنائك.
إنّ إبراهيم عليه السلام لم يكونا يُنجبان، وتزوج إبراهيم هاجر وأنجب منها إسماعيل عليهما السلام، ربما كان ذلك أخذاً بالأسباب؛ لأنّ إبراهيم عليه السلام لم يكن في هذا الوقت قد أصبح شيخاً، ولكن عندما كبر إبراهيم وكانت زوجتهُ سارة عقيماً لا تلدُ فقد وهبهُ الله إسحاق عليهما السلام؛ من أجل أن تكون هذه الهبة مع عجز الأسباب دليلاً على طلاقةِ القدرة، وأما إسحاق عليه السلام فقد تزوج وأنجب يعقوب عليه السلام.
فالكلُ يعلم أن واقع هذا الكون راجعٌ للموت، وعندما يكبرُ الإنسان يُريد أن يكون له ابن حتى يرثَ اسمهُ في الحياة، فإذا جاءهُ ولد، فكأنهُ ضمن استمرار حياته جيلاً، فإذا جاء له حفيد ضمن استمرار حياته جيلينِ، فإن كان الولدُ كان تقياً صالحاً كان ذلك قرةَ عين الأب، ولذلك فعلينا أن نطلب دائماً النسل الصالح اقتداء بالأنبياء؛ فهذا النبي زكريا عليه السلام حينما دعا ربه وقال: “وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِن وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا –يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ ۖ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا“. مريم:5-6.
أي يجب علينا ألّا نطلب الولد فقط، ولكننا نطلب الولد الصالح الذي يحملُ بالخير للناس، ونلاحظ أن قوله تعالى: “وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ ۚ كُلًّا هَدَيْنَا ۚ وَنُوحًا هَدَيْنَا مِن قَبْلُ ۖ وَمِن ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَىٰ وَهَارُونَ ۚ وَكَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ” الأنعام:84. هما هبة من الله تعالى، وهي أيضاً مكافأةً لخليل الرحمن عليه السلام.
بماذا كافأ الله إبراهيم عليه السلام عندما ابتلاه الله؟
إذن فإنّ مكافأة إبراهيم عليه السلام على طاعتهِ لله سبحانه لما ابتلاه بكلماتٍ فأتمهن، فقد جاءت هدية صالحةً، فلم يُعطَ الولد والحفيد فقط، ولكنه أعطاه مهديين نبيين، ونِعم الهبةُ هي الولد الصالح، ولم تكن هبة اللّه لإبراهيم مقصورة على ذلك، بل جعلَ في ذريةِ إبراهيم الأنبياء: داود وسليمان وأيوب ويُوسف وموسى وهارون وزكريا، ويحيى وعيسى وإلياس وكذلك إسماعيل ونبينا محمداً صلوات الله عليهم وسلامهُ.
فحينما نلتفت إلى أسماءٍ الأنبياء التي ذكرت في هذه الآيات، نجد بأن القرآن الكريم قد بين لنا هبة الله لإبراهيم لم تقتصر على هؤلاء، بل قال تعالى: “وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَىٰ وَعِيسَىٰ وَإِلْيَاسَ ۖ كُلٌّ مِّنَ الصَّالِحِينَ – وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطًا ۚ وَكُلًّا فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ – وَمِنْ آبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ ۖ وَاجْتَبَيْنَاهُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ” الأنعام:85-86.
إنّ الذين ذكروا في هذه الآيات من الرسل ثمانية عشر، وهناك سبعة من الأنبياء لم يذكروا في هذه آياتٍ أخرى من القرآن الكريم، وهم ، إدريس وهود وشُعيب وصالح وذو الكفل، وآدم، ثم خاتم الأنبياء محمد رسول الله صلّى الله عليه وسلم، وأطول آية قسمَ فيها الرسل هي هذه الآية من سورة الأنعام.
إنّ الله أعطى سليمان وداود عليه السلام سعةً المُلك والسلطان، فماذا أُعطي أيوب عليه السلام، ابتلاهُ وأعطاهُ الصبر على البلاء، وموسى وهارون وعيسى عليهم السلام أعطاهم شُهرةً الاتباع؛ ولذلك لا نكاد نعرف شيئاً من الأديان اليهودية والمسيحيةِ، وزكريا ويحيى وإلياس عليهم السلام أعطاهم الزهد، فهؤلاء أخذوا ملكة الزهد، وإسماعيل واليسع ويونس ولوط عليهم السلام أعطاهم زهرة الحياة؛ ولذلك لا نعرف لهم أتباعاً، ونأتي بعد ذلك إلى نبينا محمداً عليه الصلاة والسلام، فقد أعطاهُ الله تعالى الهدى الذي يُقتدى به خلق الله كلهم فهم بِهُداهُ مهتدون.