هل يكون حساب قيمة الزكاة على رأس المال أم على الدخل الناتج؟

اقرأ في هذا المقال


فرض الشرع الزكاة في الأموال النامية، التي تكون دائماً عرضة للزيادة والنماء، ويتم حسابها بنسب محددة، وتختلف مقاديرها حسب قيمة المال الذي يملكه الشخص، وتجب فيه الزكاة، لكن السؤال هنا يكون حول حساب قيمة الزكاة في المال، فهل تكون على رأس المال أم على الدخل الناتج من استثمار المال؟

حساب الزكاة في عهد النبوة والصحابة:

في عهد النبوة والصحابة كانت الزكاة تُحسب على رؤوس الأموال، التي كان يمتلكها الناس، لعدم القدرة على معرفة قيمة الدخل الذي يعود على صاحب المال، فزكاة الأنعام كانت تُحسب بالاعتماد على عدد الرؤوس التي يمتلكها صاحب المال، ومثلها عروض التجارة والنقود والأثمان.

أما بالنسبة لزكاة الزروع والثمار، فكانت زكاتها تُحسب على أساس الناتج الذي يتم تحصيله من الأرض، أي كانت تُحسب على الدخل وليس رأس المال، فلم يفرض الشرع الزكاة على الأرض نفسها، أو على ما يُستخدم في الأرض من مواد وأدوات زراعية، وإنما فرضها على الدخل الذي يجنيه صاحبه من زراعة الأرض والعمل فيها، فقال الله تعالى في سورة الأنعام آية 141: “كُلُواْ مِن ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُواْ حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ”.

من خلال الآية الكريمة يتبين لنا أن حساب قيمة زكاة الزروع والثمار على الدخل، أمر جاء الحكم فيه بشكل قطعي، ولا مجال للاجتهاد والتأويل فيه، أما الأموال الأخرى مما تجب فيه الزكاة فقد وضعت فيها الأحكام، عن طريق اجتهاد النبي _صلى الله عليه وسلم_، والصحابة _رضي الله عنهم_، وكانت هذه الاجتهادات تتوافق مع ظروف العصر الذي كانوا يعيشون فيه.

وللتأكيد على سلامة أحكام هذه الاجتهادات، أنّ ما جاء به النبي _عليه الصلاة والسلام_، قد ثبت بالقرآن الكريم أنه وحي من الله تعالى، ولا مجال للتشكيك به.

حساب الزكاة في الواقع المعاصر:

من المعروف أن الظروف والأحوال الاقتصادية متغيرة بتغير الزمن والمكان، لذلك يجب العمل على وضع أحكام وسياسات تتناسب مع ظروف كل عصر، فبالنسبة لحساب قيمة الزكاة يجب علينا دراسة الموضوع بتمهل واهتمام كبيرين، للضمان تحقيق الهدف الأساسي الذي فرض الله تعالى الزكاة لأجله، وهو الأخذ من الأغنياء وإعطاء الفقراء، لإعانتهم وتفريج كربهم.

من السهل في عصرنا الحديث أن يتم حساب قيمة الدخل الذي يعود على المال، وإنّ إخراج قيمة الزكاة على أساس رأس المال ليس من العدالة التي ينشدها الشرع من فرض الزكاة؛ أغلب الأموال التي يمتلكها الناس اليوم هي دخول وليس رؤوس أموال.

مع تغير الزمن وتطور الأحوال أصبح بالإمكان أن يحصل الشخص على مبالغ كبيرة كدخل شهري، أو سنوي، ومن خلال تقاضيه لراتباً مقابل وظيفة في جهة تجارية، أو ممارسته لمهنة مثل الطب والقضاء وغيرها، أو ناتج مشروعاً يعود بربح كبير، سواء كان في مجال الزراعة أم الصناعة. واقتصار حساب الزكاة على رؤوس الأموال في هذه الأحوال، لا يحقق العدالة، ويؤدي إلى توسيع الفجوة في الثروة بين الناس.

وكيف تفرض الزكاة على من يقوم بزراعة أرضه، والعمل فيها على مدار الموسم لتحصيل ناتج من الثمار، قد يكفيه لتغطية متطلباته، وتوفير قوته هو ومَن يُعيل من أسرته وقد لا يكفيه، وكيف لا توجب على مَن لا يملك أرضاً ليزرعها، لكن يعود عليه في كل شهر مبلغ كبير من المال، قد يكون أضعاف ما يُنتجه ذلك الفلاح صاحب الأرض، مقابل عمل يقوم به، أو ناتج عقارات أو مشروعات خاصة فيه.

وكيف تُفرض الزكاة على مَن لا يجد حد كفايته من المال، بسبب تملكه لبيت أو قطعة أرض، وفي بعض الأحيان قد يُعتبر من الأغنياء الذين تجب الزكاة في أموالهم، ولا تُفرض على مَن يجد الكثير من الفائض على حد كفايته، والسبب أنه لا يملك رأس مال، وقد يُعتبر حسب بعض معايير التفريق بين الأغنياء والفقراء، من الفقراء الذين يستحقون أموال الزكاة.

ولمحاكاة العقل والمنطق والعدالة في هذه الظروف، يجب على المسلم الذي يتقاضى راتباً، أن يقوم بخصم ما يحتاجه من الراتب لتغطية متطلبات حياته وجمع الباقي، في كل شهر حتى يحول الحول على هذه الأموال، وإخراج القيمة المفروضة فيها للزكاة، بعد أن يتأكد من بلوغها النصاب، حسب النسبة المفروضة للزكاة.

وعليه يكون حساب الزكاة في هذه الأيام، على الدخل من خلال جمعه، سواء كان الدخل من أي نشاط يعود بالدخل الذي يفوق حد الكفاية، ثم إخراج الزكاة بالنسب التي حددها الشرع.


شارك المقالة: