وصف الواقدي لغزوة حنين:
ولعله من المستحسن معرفة ما قاله إمام المغازی محمد بن عمر الواقدي، وهو يقوم بوصف تلك الساعات الدقيقة الحاسمة الحرجة المحرجة المجلة التي انهزم فيها جيش الإسلام و المسلمين، واللحظات الرائعة المشرفة الباسلة التي عادوا فيها وغسلوا عار الهزيمة المفاجئة في بداية المعركة، والتي كادت أن تكون مكة بأيدي جيش هوزان بدمائهم الشريفة الطاهرة، فسجلوا أعظم نصر سجله الإسلام على الوثنية في العهد النبوي.
قال الواقدي: “قال الصحابيأنس بن مالك: فلما تحدرنا في الوادي وهو وادي حنين، فبينما نحن في غلس الصبح، عند طلوع الفجر، إن شعرنا إلا بالكتائب قد خرجت علينا من مضيق الوادي وشعبه، فحملوا حملة واحدة، فانكشف أول الخيل من جيش هوزان (وهو خیل سليم)، فولوا، وتبعهم أهل مكة وتبعهم الناس منهزمين ورائهم، ما يلوون على شي”.
قال أنس: “فسمعت نبي الله صلى الله عليه وسلم، والتفت عن يمينه ويساره والناس منهزمون وهو يقول: يا أنصار الله وأنصار رسوله، أنا عبد الله ورسوله صابر، قال: ثم تقدم عن بحربته أمام الناس”.
وعن العباس ابن عبد المطلب عم النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم: “لما كان يوم حنين التقى جيشا المسلمون والمشركون، فولی المسلمون يومئذٍ، فلقد رأيت نبي الله صلى الله عليه وسلم الكريم وما معه إلا أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب، آخذ بثغر بغلة نبي الله، والرسول لا يألو مسرعاً نحو المشركين“.
قال العباس رضي الله عنه عم النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم: “كنت رجلاً صيتاً، فقال نبي صلى الله عليه وسلم حين رأى من الناس ما رأى لا يلوون على شيء، قال النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم: يا عباس اصرخ: يا معشر الأنصار يا أصحاب السمرة، فناديت: يا معشر الأنصار يا أصحاب السمرة، فأقبلوا كأنهم الإبل إذا حنت إلى أولادها يقولون: يا لبيك يا لبيك، فيذهب فيثني بعيره، فلا يقدر على ذلك، فيأخذ درعه فيقدمها في عنقه، ويأخذ ترسه وسيفه، ثم يقتحم عن بعيره فيخلى سبيله في الناس، ويؤم الصوت حتى ينتهي إلى نبي الله صلى الله عليه وسلم، حتى إذا ثاب إلينا الناس اجتمعوا، فكانت الدعوة أولاً، يا للأنصار، ثم نصرت الدعوة، فنادوا الرجل منهم يا للخزرج، قال: وكانوا صبراً عند اللقاء، صدقة عند الحرب، قال: فأشرف نبي الله صلى الله عليه وسلم الككريم الشريف كالمتطاول في ركابه، فنظر إلى قتالهم فقال: الان حمی الوطيس، ثم أخذ النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم بيده من الحصى فرماهم، ثم قال: انهزموا ورب الكعبة”.
قال الصحابي الجليل أنس بن مالك رضي الله عنه: “فوالله ما زلت أرى أمرهم مدير وحدهم کليلاً حتى هزمهم الله ، وكأني أنظر إلى نبي الله صلى الله عليه وسلم الكريم الشريف يركض خلفهم بغلته”.
ووصف شاهد عيان في يوم واقعة غزوة حنين عودة الأنصار المنهزمين إلى نبي الله محمد صلى الله عليه وسلم الكريم الشريف، فقال: “لقد عطف الأنصار نحو نبي الله الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، وهم يقولون الكرَة بعد الفرَة، فعطفوا عطفة البقر على أولادها، قد شرعوا الرماح حتى إني أخاف على نبي الله الكريم محمد صلى الله عليه وسلم الشريف من رماحهم أشد خوفي من رماح المشركين، يؤمون الصفوف ويقولون: يا لبيك يا لبيك فلما اختلطوا، واجتلدوا(ضرب بالسيف)، ونبي الله محمد صلى الله عليه وسلم الكريم قائم على بغلته في ركابه يقول: اللهم اني أسألك وعدك، لا ينبغي لهم أن يظهروا”.
ثمّ طلب النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم للعباس عم الرسول صلى الله عليه وسلم الكريم الشريف أن يعطيه حصيَات من الأرض، ثم قال:“شاهت الوجوه ورمى بها المشركون”، وقال: “انهزموا ورب الكعبة”.
وقد أجاب الله سبحانه وتعالى دعاء رسوله الشريف محمد صلى الله عليه وسلم، حينها انقلب موازين القوى في معركة حنين لصالح جيش الإسلام والمسلمين، حتى هُزم حينها جيش المشركين جيش هوازن شر هزيمة ساحقة ملحقة.
فهذا كان وصف واضح من الوقدي للمجريات المهمة التي حدثت لجيش الإسلام والمسلمين في غزوة حنين، ولبعض الأحداث التي جرت مع النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم في تلك الأوقات المهمة.