أسباب النزول

اقرأ في هذا المقال


معرفة أسباب النزول، له أثر كبيرٌ في فهم معنى الآية الكريمة، ولهذا اعتنى كثيرٌ من العلماء بمعرفة أسباب النزول، حتى أفرد له جماعة من العلماء، كان من أقدمهم علي بن المديني شيخ البخاري رحمهما الله، ومن أشهر ما كتب في هذا الفن كتاب ( أسباب النزول) للواحدي، كما ألف فيه شيخ الإسلام ابن حجر العسقلاني رحمه الله تعالى، وألف فيه العلامة السيوطي كتاباً حافلاً عظيماً سماه ( لباب النقول في أسباب).


ولمعرفة أهمية هذا النوع من علوم القرآن، والتأكد من ضرورته لفهم معاني الآيات الكريمة نستطيع أن نقول: إنّ بعض الآيات لا يمكن فهمها أو معرفة أحكامها إلّا على ضوء سبب النزول، فمثلاً قول الله تعالى: ﴿وَلِلَّهِ ٱلۡمَشۡرِقُ وَٱلۡمَغۡرِبُۚ فَأَیۡنَمَا تُوَلُّوا۟ فَثَمَّ وَجۡهُ ٱللَّهِۚ إِنَّ ٱللَّهَ وَ ٰ⁠سِعٌ عَلِیمࣱ﴾ صدق الله العظيم [البقرة ١١٥] قد يُفهم منها جواز التوجه في الصلاة إلى غير القبلة، وهذا الفهم خاطىء، لأن استقبال القبلة شرط لصحة الصحة، وبمعرفة سبب النزول يتضح فهم الآية، فقد نزلت الآية الكريمة فيمن كان في سفر، وأضاع القبلة، فلم يعرف جهتها، فإنّه يجتهد ويتحرى، ثم يصلي، فإلى أي جهة صلى، تصح صلاته، ولا تجب الإعادة بعد الانتهاء خطأ توجهه، قال الطبري: نزلت هذه الآية على النبي صلى الله عليه وسلم، إذنا من الله عز وجل له أن يصلي التطوع حيث توجه وجهه من شرق أو غرب، في مسيره في سفره، وفي حال المسايفة، وفي شدة الخوف، والتقاء الزحوف في الفرائض. وأعلمه أنّه حيث وجّه وجهه فهو هنالك، بقوله: ﴿ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله﴾.

ومثال ذلك ما جاء في قوله تعالى: ﴿لَیۡسَ عَلَى ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ وَعَمِلُوا۟ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ جُنَاحࣱ فِیمَا طَعِمُوۤا۟ إِذَا مَا ٱتَّقَوا۟ وَّءَامَنُوا۟ وَعَمِلُوا۟ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ ثُمَّ ٱتَّقَوا۟ وَّءَامَنُوا۟ ثُمَّ ٱتَّقَوا۟ وَّأَحۡسَنُوا۟ۚ وَٱللَّهُ یُحِبُّ ٱلۡمُحۡسِنِینَ﴾ صدق الله العظيم [المائدة ٩٣] إنّما نزلت في الخمر، وقد يُفهم من هذا النص الكريم إباحة شرب الخمر، كما ظن بعض الجهلة حيث قالوا: الخمر مُباحة، واحتجوا بالآية الكريمة، ولو علموا سبب نزولها لم يفتروا بذلك.

ذكر شيخ المفسرين ابن جرير الطبري في سبب نزول هذه الآية قال: فقد روي عن أنس بن مالك قال: بينَا أنا أدير الكأس على أبي طلحة، وأبي عبيدة بن الجراح، ومعاذ بن جبل، وسهيل بن بيضاء، وأبي دجانة، حتى مالت رؤوسهم من خَليط بُسْرٍ وتمر.

 فسمعنا مناديًا ينادي: ألا إنّ الخمر قد حُرِّمت! قال: فما دخل علينا داخل ولا خرج منا خارج، حتى أهرقنا الشراب، وكسرنا القِلال، وتوضأ بعضنا، واغتسل بعضنا، فأصبْنَا من طِيب أمِّ سليم، ثم خرجنا إلى المسجد، وإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ:”يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون”، إلى قوله:”فهل أنتم منتهون”. فقال رجل: يا رسول الله، فما منزلةُ من مات منّا وهو يشربها؟ فأنزل الله تعالى ذكره:”ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا” الآية، فقال رجل لقتادة: سمعتَه من أنس بن مالك؟ قال: نعم.

فوائد معرفة أسباب النزول:

قد يظن بعض الناس أنه لا طائل تحت هذا الفن، وليس له أثر كبير لجريانه مجرى التاريخ والقصص، فإنّ أسباب النزول – على زعمهم – ليست ضرورية لمن أراد تفسير كتاب الله تعالى، وهذا زعم خاطىء وقول مردود، لا يصدر من عالم بالكتاب، مطلع على أقوال المفسرين، قال الواحدي:  لا يمكن معرفة تفسير الآية دون الوقوف على قصتها وبيان سبب نزولها. وقد قال محمد بن سيرين: سألت عبيدة عن آية من القرآن فقال اتق الله وقل سداداً ذهب الذين يعلمون فيم أنزل القرآن؟.، ولنذكر لبعض الفوائد:

  • معرفة وجه الحكمة الباعثة على تشريع الحكم.
  • دفع توهم الحصر فيما ظاهره الحصر.
  • تخصيص الحكم بالسبب ( عند من يرى أنّ العبرة لخصوص السبب) .
  • معرفة اسم من نزلت فيه الآية، وتعيين المبهم فيها.

أمثلة على معرفة أسباب النزول:

  • مثال قوله تعالى: ﴿۞ إِنَّ ٱلصَّفَا وَٱلۡمَرۡوَةَ مِن شَعَاۤىِٕرِ ٱللَّهِۖ فَمَنۡ حَجَّ ٱلۡبَیۡتَ أَوِ ٱعۡتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَیۡهِ أَن یَطَّوَّفَ بِهِمَاۚ وَمَن تَطَوَّعَ خَیۡرࣰا فَإِنَّ ٱللَّهَ شَاكِرٌ عَلِیمٌ﴾ صدق الله العظيم[البقرة ١٥٨] روى البخاري عن عاصم بن سليمان قال: سألت أنس بن مالك عن الصفا والمروة فقال: كنا نرى أنّهما من أمر الجاهلية، فلما كان الإسلام أمسكنا عنهما، فأنزل الله عز وجل: “إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما”.
  • كذلك قوله تعالى: ﴿لَا تَحۡسَبَنَّ ٱلَّذِینَ یَفۡرَحُونَ بِمَاۤ أَتَوا۟ وَّیُحِبُّونَ أَن یُحۡمَدُوا۟ بِمَا لَمۡ یَفۡعَلُوا۟ فَلَا تَحۡسَبَنَّهُم بِمَفَازَةࣲ مِّنَ ٱلۡعَذَابِۖ وَلَهُمۡ عَذَابٌ أَلِیمࣱ﴾ صدق الله العظيم صدق الله العظيم [آل عمران ١٨٨] قال الإمام أحمد: عن ابن جريج، أخبرني ابن أبي مليكة أن حميد بن عبد الرحمن بن عوف أخبره: أن مروان قال: اذهب يا رافع -لبوابه-إلى ابن عباس، رضي الله عنه، فقل(٧) لئن كان كل امرئ منا فرح بما أتى وأحب أن يحمد بما لم يفعل -معذبا، لنعذبن أجمعون؟ فقال ابن عباس: وما لكموهذه؟ إنّما نزلت هذه في أهل الكتاب، ثم تلا ابن عباس: ﴿وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه فنبذوه وراء ظهورهم واشتروا به ثمنا قليلا فبئس ما يشترون﴾.

شارك المقالة: