الرؤية الإسلامية لتأمين مخاطر رجال الأعمال

اقرأ في هذا المقال


قد يواجه رجال الأعمال العديد من الحوادث التي توقعهم بالمخاطر والمصائب، وتعود عليهم بآثار سلبية سواء من الناحية المادية أو من الناحية المعنوية، وهنا لا بُدّ لرجال الأعمال من اللجوء إلى مؤسسة أو منظّمة خاصة أو حكومية، للحصول على التأمين ضد مخاطر الحياة، والاطمئنان على دينهم وأنفسهم وأموالهم، بشرط الانضباط بأحكام الشريعة الإسلامية.

تأمين رجال الأعمال من مخاطر الحوادث والمصائب:

عمل الفقهاء لتحديد نطاق مظلّة التأمين لمخاطر رجال الأعمال، والتي شملت ما يلي:

من المعروف أنّ رجال الأعمال خلال ممارسة أعمالهم، قد تتعرّض أموالهم الثابتة أو المنقولة للحوادث أو المصائب، مثل حوادث الغرق والحريق، والسرقات والاعتداءات المسببة للهلاك، كما يُمكن أن يتعرض رجال الأعمال للمُساءَلات النقابية والجنائية.
وبناءً على ما سبق يحق لرجل الأعمال المسلم أن يلجأ لشركات التأمين التي تعمل ضمن الأحكام الإسلامية، مثل شركات التأمين التعاوني، والتي تُعتبر البديل الإسلامي لشركات التأمين المعاصرة، فيؤمّن على أمواله وأعماله، للاطمئنان والاستمرار في العمل والإنتاج.

تأمين رجال الأعمال من المخاطر النفسية:

قد يسود في نفسية رجل الأعمال مخاطر نفسية، تعود بالأثر السلبي على سلوكه وتصرفاته، وتؤثر على إدارته لأعماله وعدم قدرته على اتخاذ القرار السليم، مثل أن يلوم نفسه على خطأ أو مخالفة ارتكبها، أو الخوف والقلق والاكتئاب من تغيرات الحياة وظروفها، أو التخبّط في اتخاذ القرارات غير المناسبة.
وهذه آلام نفسية تحتاج العلاج المناسب والفعّال، بسبب قوة تأثيرها على إدارة الأعمال وتوجيهها، فكان الاهتمام بالجانب النفسي وعلم النفس من قِبل رجال الأعمال، للحفاظ على سلامة سير العمل وإدارته بالأسلوب الصحيح، وانفرد بعض العلماء في مؤلفاتهم حول موضوع علم النفس التجاري، إلّا أنّها بحثت في الإجراءات اللازمة للعلاج من منظور مادّي، وتجاهلت الجوانب الروحية التي هي البؤرة الأساسية للتأمين من المخاطر النفسية.
وقام المنهج الإسلامي لتأمين رجال الأعمال من المخاطر النفسية على أساس القيم الإيمانية والالتزام بشرع الله تعالى، إضافة إلى الرفقة والصحبة الصالحة، والعمل على تطبيق الأساليب الفنية للتأمين التي تتوافق مع أحكام الشريعة الإسلامية.

تأمين رجال الأعمال من مخاطر خيانة الأمانة:

تتمثّل مخاطر خيانة الأمانة بالسلوكيات والتصرفات والأفعال التي يتضرّر منها رجال الأعمال، ومنها ما يلي:

  1. الكشف عن أسرار رجال الأعمال.
  2. عزوف العمال عن العمل دون أسباب مبرّرة.
  3. إضراب العمال عن العمل تهديداً في تحقيق رغباتهم.
  4. عدم المحافظة على أموال صاحب العمل.
  5. عدم المحافظة على العهود والمواثيق.
  6. خيانة الأمانات وعدم ردّها لأصحابها.

وتسبب هذه المخاطر أضرار مالية لأصحاب الأعمال، خاصّة التي تنشأ من إفشاء الأسرار الخاصة بالعمل، وأضرار معنوية تؤدي إلى تشويه سمعة صاحب العمل، كما تعمل على تعطيل الأعمال وانخفاض الجودة والأداء فيها.
ويتبع المنهج الإسلامي أسس محدّدة لتأمين رجال الأعمال من مخاطر خيانة الأمانة، مثل حُسن اختيار العمال والوفاء بحقوق العاملين، احترام القوانين والتحكيم أمام النقابات على بمواثيق الود والشرف بين رجال الأعمال وبين العاملين.

تأمين رجال الأعمال من مخاطر الأسواق:

يتضرّر رجال الأعمال بمخاطر السوق، مثل الغش والتدليس والغرر، وجهل رجال الأعمال ونقص المعلومات لديهم في السوق وتعاملاته، والبيوع الوهمية والمقامرات التي تؤدي إلى الوقوع بالمشكلات المادية لأصحاب الأعمال في الأسواق، وما يُسبب الأضرار بالمستهلكين مثل الاحتكار والتلاعب بالأسعار والتزوير في الوثائق والعقود.
ويهتم المنهج الإسلامي بالقيم الأخلاقية، ومتابعة الالتزام بأحكام الشريعة الإسلامية في الأسواق والمعاملات، وإصدار القوانين لحماية الأسواق والمنتجين والمستهلكين، إضافةً إلى حُسن اختيار المتعاملين، ووضع مواثيق شرف الأخلاق في التعامل مع التجار والمستهلكين في الأسواق.

تأمين رجال الأعمال من مخاطر الأزمات المالية:

يتعرّض رجال الأعمال إلى مشكلات مالية مثل نقص السيولة، أو عدم القدرة على الالتزام بتسديد الديون في مواعيدها، وهذا ما يسمّى بالإعسار المادّي الذي يتسبب بوقوع رجال الأعمال بمخاطر جسيمة، مثل إشاعة أخبار رجل الأعمال بعدم قدرته على تسديد ديونه، ورد الشيكات المسحوبة عليه، فيوضع في القائمة السوداء.
ومن الأخطار الناجمة عن الإعسار المادّي وقوع رجل الأعمال بخسائر كبيرة بسبب خفض مبيعاته ونقص أرباحه، وزيادة الأعباء الناتجة من الاقتراض مقابل ارتفاع في أسعار الفائدة، وبالتالي إضعاف المركز المالي لرجل الأعمال.
ومن أُسس المنهج الإسلامي لتأمين رجال الأعمال من الأزمات المالية ما يلي:

  1. تحريم استخدام الطرق الربوية لحل المشكلات المالية لدى رجال الأعمال.
  2. إدخال شركاء جُدد في العمل بهدف زيادة رأس المال وتعدّي النقص الحاصل.
  3. تكوين الاحتياطات بتخصيص جزء من الأرباح العائدة، للقدرة على مواجهة مصائب الدهر ومخاطر الحياة.
  4. قيام علاقة بين رجال الأعمال على أساس التكامل المالي والتيسير على المعسرين منهم.
  5. تخصيص مصرف الغارمين في مصارف الزكاة للتيسير على المعسرين، والتخفيف من الأضرار الناتجة من الوقوع في الحوادث والمخاطر المادّية.

تأمين رجال الأعمال من مخاطر التدخل الحكومي:

يسود بعض الدول المُتخلّفة أنظمة اقتصادية تقليدية، والتي تتدخل في شئون رجال الأعمال دون ضوابط أو حقوق، وقد يعود هذا التدخّل غير المبرّر بنتائج سلبية على رجال الأعمال، وعلى استثماراتهم وأعمالهم، مثل عدم قدرة رجل الأعمال على الحصول على التراخيص والموافقات لإنشاء المشروعات، أو طول فترة إنهاء الإجراءات اللازمة للترخيص.
إضافة إلى الاستمرار في مضايقة أصحاب الأعمال من قِبل بعض الجهات الحكومية، كمكاتب العمل أو التأمينات أو هيئات ولجان التفتيش وغيرها، والتعديلات المستمرّة وغير العادلة في القوانين؛ ممّا يؤدّي إلى كركبة رجال الأعمال وعدم قدرتهم على ضبط أعمالهم لمراعاة القوانين المتغيّرة، أيضاً لارتفاع الأسعار وفرض الضرائب والرسوم غير المشروعة دور في وقوع رجال الأعمال بالمخاطر والمشكلات الاستثمارية.
أمّا المنهج الإسلامي فقد وضع ضوابط وإجراءات وسياسات شرعية، على الدولة ورجال الأعمال متابعتها والالتزام بها، لتحقيق التوازن والعدل بين مصالح الجميع، وعدم الوقوع في المخاطر والمشكلات، وتقوم هذه الإجراءات والسياسات عل مجموعة من الأسس الثابتة، وهي كما يلي:

  1. أساس الالتزام بأحكام الشريعة الإسلامية.
  2. أساس توثيق الأوراق والمستندات، لحفظ الوثائق اللازمة وتجنّب التعرّض للعقوبات.
  3. أساس الاهتمام بتزويد الجهات الحكومية بالبيانات والمعلومات والتقارير الدورية المطلوبة.
  4. أساس اختيار ما يتجنّب حساسية الحكومة، والبعد عن الأسماء، والعلاقات التي تتذرّع الحكومة لإبعادها عن نظام الحكم في الدولة.
  5. أساس البعد عن الاستثمارات المحظورة في القانون والشرع.

تأمين رجال الأعمال من مخاطر العولمة والجات:

تسيطر الدول الغنية في العالم على النظام الاقتصادي العالمي السائد، لتحقيق أهدافها الاقتصادية بناءً على سياساتها الفكرية، ويرتكز النظام الاقتصادي العالمي الحديث على ثلاث مؤسسات، وهي البنك الدولي للإنشاء والتعمير وصندوق النقد الدولي ومنظمة التجارة العالمية والتي تُعرف باتفاقية الجات. ويجد رجال الأعمال في الدول النامية صعوبة في منافسة الدول المتقدّمة المسيطرة في العالم، وعدم القدرة على مواجهة اقتصادها، وقد تتبع الدول المتقدّمة سياسات توقع رجال الأعمال في الدول النامية بالعديد من المخاطر، منها:

  1. القضاء على الصناعات الحديثة في الدول النامية وتصفيتها، خاصّةً بعد سياسات إلغاء التأمينات والحماية على السلع والبضائع المستوردة.
  2. بما أنّ الدول النامية تعتبر من أكبر الدول التي تستورد الغذاء، ترتفع أسعار المواد الغذائية المستوردة من الخارج، وبعد إلغاء الدعم الحكومي على السلع الغذائية المستوردة، تنتشر البطالة، وتصبح المواد الغذائية المستوردة أساس السوق في الدول النامية.
  3. السيطرة على تجارة الخدمات من قِبل الدول الكبرى؛ ممّا يُسبب الكساد في قطاع الخدمات لرجال الأعمال، بسبب عدم وجود نظير لشركات الخدمات العالمية في الدول النامية.

لا تحُرّم الشريعة الإسلامية التعامل مع غير المسلمين، في المنهج الإسلامي لتأمين رجال الأعمال من مخاطر العولمة، حيث تُنادي لمراعاة الحُرية في المعاملات وعدم فرض السياسات الظالمة على التجار كالضرائب والرسوم غير المشروعة، وهذا ما يقوم عليه الاقتصاد الإسلامي من الحرية في السوق والتعامل بالمعاملات الخالية من المحرّمات كالغش والتدليس والغرر والجهالة والاحتكار، والأمر بالأمانة والإخلاص في العمل كالإتقان والجودة، واستخدام الأساليب والوسائل الحديثة في الإنتاج ضمن الضوابط الإسلامية.
ولا بأس في التعامل مع اتفاقية الجات ضمن الضوابط التي وضعتها الشريعة الإسلامية، بالبعد عن الأساليب المحرّمة، وعدم العمل على حساب فئات معينة والإضرار بها، والعمل على مبدأ التعاون والتكافل، لكن هذا يتناقض مع مبادئ اتفاقية الجات التي تقوم على مبدأ التعاون بين الدول الغنية، والسيطرة على تعاملات الدول الفقيرة والتحكُّم بها، أيضاً يتعارض مع مبادئ الشريعة الإسلامية؛ لأنّه السبب الأكبر لتعرض رجال الأعمال في الدول الفقيرة للمخاطر والأضرار.
وبُذلت جهود كبيرة من علماء الاقتصاد الإسلامية في جامعة الدول العربية ورابطة العالم الإسلامي ومنظّمة المؤتمر الإسلامي، لمواجهة المخاطر التي يتعرّض لها رجال الأعمال في الدول النامية بسبب سياسات الجات، وتقوم هذه الجهود على عدّة أسس منها:

  1. استخدام التقنيات الحديثة في العمل والإنتاج.
  2. إتقان العمل للحصول على الجودة حسب المواصفات العالمية؛ لضمان تحقيق المنفعة والقدرة على المنافسة.
  3. إجراء البحوث والدراسات لمعرفة أساليب التطوير في العمل.
  4. التعاون والتنسيق بين رجال الأعمال، وتبادل الخبرات والمعلومات.
  5. المحافظة على وجود سوق إسلامية مشتركة.

شارك المقالة: