اقرأ في هذا المقال
لقد أرّخ التاريخ الإسلامي أجيالاً صنعوا مجداً لأمة الإسلام، ولازال هذا التاريخ وهو مدوّن في بطون الكتب سمة بارزة لأمّة حملت العلم السماويّ من رسول الله صلّى الله عليه وسلم، ونقلته عبر العصور إلى وقتنا الحاضر، فتكون أمّة محمد هي الوحيدة بين الأمم في نوعية نقل العلم وقبولة حسب شروط لا تنقل العلم إلّا بالثبوت وعدالة ناقليه، فلم ينقل القرآن الكريم والسنّة النّبوية إلّا بهذه الشروط، لكي لايبقى لأحد مجال للشك في أنَّ القرآن والحديث الصَّحيح مثبتان، ومن أهم الطبقات والأجيال التي نقلت الحديث هم الصّحابة، من عاشوا مع النّبي صلّى الله عليه وسلّم وشهدوا الوحي ولازموه وأخذوا الحديث من منبعه الأصيل، وماتوا وهم ينقلون ويروون ويرحلون في طلب حديث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.
مفهوم الصّحابة وفضلهم في الحديث
الصحابة
الصّحابة هم : ذلك الجيل الّذين رأوا النّبي صلّى الله عليه وسلّم وأمنوا به وماتوا على الإسلام، وهم كما قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في حديث عبدالله بن مسعود الّذي يرويه مسلم: ((سئل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أيُّ الناس خير؟ قال قرني ثمّ الّذين يلونهم، ثمّ يجيء قوم تبدر شهادة أحدهم يمينه، وتبدر يمينه شهادته))، ولقد كان للصّحابة دور كبير في حفظ ونقل القران والحديث النّبويّ، ولهم بصمة في نقل الحديث النّبوي الشريف خاصّة، فهم من كانوا جنباً إلى جنب مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، يلازمونه ويتقربون إليه بخدمته صلّى الله عليه وسلّم حتى يأخذوا الحديث والسنّه، لأنّهم يعلمون كلَّ العلم أن كلَّ شيءٍ من النّبي عليه الصّلاة والسلام وحيٌ، ولا ينطق عن الهوى، فلذلك نجد أنّ الجيل الأول في الرواية هم جيل النجوم المضيئة، جيل صحابة رسول الله صلّى الله عليه وسلم ممّن حملوا على عاتقهم نشرهذا الدين ، وإليهم يرجع فضل وصوله لنا، وهم العدول الثقات، ولهم فضلهم، الّذي لا يزاود عليه أحد، ولا مجال للكلام فيهم ، فلم يكنْ للإسلام وصول إلينا إلا بفضل الله أنْ هيأهم لينقلوا إلينا هذا الدين والقرآن والحديث، يقول الإمام النّسائي رحمه الله تعالى: ((إنّما الإسلام كدار لها باب، فباب الإسلام الصّحابة، فمن آذى الصّحابة، إنّما أراد الإسلام، كمن نقر الباب إنّما يريد دخول الدار)).
عوامل ساعدت الصحابة على حفظ الحديث
لقد كان الصحابة رضوان الله تعالى لهم الفضل الأكبر في نقل الحديث وحفظه بشتى الوسائل، ولقد ساعدهم على ذلك عوامل عدّة منها:
1ـ ما كان يمتاز به الصّحابة من صفاء الذّهن، وهم يعيشون في بيئة امتازت بالفصاحة والبيان وقدرة الحفظ، وذلك لبساطة عيشهم.
2ـ لقد كان للصّحابة دافع حفظ هذا الدين، والعمل الدؤوب لنشره، وتقديم الغالي والنفيس في سبيله، وكان ذلك لدوافع إيمانية، لأنّ هذا الدين قدّم لهم الكثير بإخراجهم من الظلمات والعبودية إلى النور والإسلام، ولعِلْمِهم أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم هو معلّم هذا الدين فكانوا يتسابقون إلى حفظ حديثة ويتناقلونه بينهم، بل نجد أنّ من الصّحابة من خدم النّبيّ لتلقي العلم كأنس بن مالك، ومنهم أيضاً من كانوا يتناوبون في حفظ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بالاستماع له، ويبلغون بعضهم، كي لا يفوتهم شيء من الحديث، ولم يتوقف اهتمامهم بالحديث في زمن النّبي صلّى الله عليه وسلّم، فهاهم الصحابة رضوان الله عليهم يرحلون في طلب الحديث بعد وفاة نبي الرحمة من بلد إلى بلد فيتأكّدون ويكتبون ويروون.
3 ـ منزلة الحديث النّبوي الشريف في بيان ما يشكل عليهم في جميع مجالات الحياة وينظم حياتهم، ولهذا السبب كان لا يعرض عليهم شيءٌ، إلا توجّهوا للرسول عليه الصلاة والسلام للسؤال عن حكمه.
4- أسلوب النّبي صلّى الله عليه وسلّم في الكلام والتعليم، فقد ساعد أسلوب النّبي صلّى الله عليه وسلّم الصّحابة على حفظ الحديث، وأسلوبه عليه السلام قائم على عدم الإطالة والتأني في الكلام وإعادة ذلك الكلام، فنجد الصحابة يحفظون الحديث بسهولة ويسر.
كيفية حفظ الحديث عند جيل الصحابة
لقد مرّ الحديث النّبويّ بجيل الصّحابة، بطرق عديدة للحفظ والنقل، بين الحفظ في الصدور والكتابة في الصدور، ولقد تضاربت الأحاديث في ظاهرها بين سماح النّبي للصّحابة بكتابة الحديث ومنعه لهم، فهاهو عبدالله بن عمرو بن العاص يكتب الحديث في الصحيفة الصادقة، فيقول أبوهريرة رضي الله عنه: ( لاأعلم أحداً أعلم مني بحديث النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم إلّا ما كان من عبدالله بن عمرو بن العاص فقد كان يكتب ولا أكتب)، وأورد مسلم في صحيحة أنّ النّبي صلّى الله عليه وسلّم قال: (( لا تكتبوا عني، ومن كتب عني غير القرآن فلْيمحه))، واستطاع بعض العلماء المشتغلين في الحديث النّبوي الشريف إزالة الإشكال بين هذه الأحداديث المتضاربة، وذلك بأنّها من باب الناسخ والمنسوخ في الحديث النّبويّ، وأنّ المنع عن الكتابة كان في بداية الدعوة الإسلامية ، فلما تقدّم الزمان وكثر الحديث وأصبح من الصّعب حفظه بالصدور فقط، سمح النّبي صلّى الله عليه السّلام للصحابة بكتابة الحديث عنه، والله تعالى أعلم.