المتشابه اللفظي

اقرأ في هذا المقال


موضوع هذا العلم هو موضوع تمَّ البحث فيه وتمَّت الكتابة عنه في كثير من المؤلفات وهو من علوم القرآن المعروفة عند أهله – كما هو في الآيات التي تكررت في كتاب الله وألفاظها متفقة، لكن وقع في بعض الآيات زيادة أونقصان، أو تقديم أو تأخير، وأحياناً إبدال حرف مكان حرف ,,, أو غير ذلك.

وأكثر ما يرد هذا النوع في القصص القرآنية، نظراً لتكرر معظمها في أكثر من موضع – تبعاً لأغراض مختلفة – حتى ذكر الإمام جلال السيوطي، مقتفياً أثر الإمام الزركشي، وهو في سبيل أن يضع لهذا العلم تعريف أو ما يشبه التعريف، أن يقصره على القصَّة وحدها، حيث قال : ” والقصد به إيراد القصة الواحدة في صور شتى وفواصل مختلفة، فتأتي في موضع مقدماً وفي آخر مؤخراً كما جاء في قوله تعالى في سورة البقرة ﴿ وَقُولُوا۟ حِطَّةࣱ نَّغۡفِرۡ لَكُمۡ خَطَـٰیَـٰكُمۡۚ وَسَنَزِیدُ ٱلۡمُحۡسِنِینَ﴾ [البقرة ٥٨].

وفي سورة الأعراف ﴿وَإِذۡ قِیلَ لَهُمُ ٱسۡكُنُوا۟ هَـٰذِهِ ٱلۡقَرۡیَةَ وَكُلُوا۟ مِنۡهَا حَیۡثُ شِئۡتُمۡ وَقُولُوا۟ حِطَّةࣱ ﴾ [الأعراف ١٦١] أو في موضع بزيادة وفي آخر بدونها…. أو في موضع معرفاً، وفي آخر منكراً.

ولكن في الواضح في هذا الموضوع أنَّه لا يقتصر على القصص وحدها، فقط وإن كان يكثر فيها كما ذكر ذلك الإمام الزركشي، عندما قال : وحكمته التصرّف في الكلام وإتيانه على ضروب، ليعلمهم عجزهم عن جميع طرق ذلك، مبتدئاً به ومتكرراً”

أمّا الآيات التي تكررت بعينها أوتكرر بعض أطرافها دون زيادة أو نقصان أو من ناحية التقديم أو التأخير فتظهر فيها مثل هذه الحكمة التي أشار إليها الإمام الزركشي .

شواهد وتطبيقات .

نود إيراد بعض الأدلة والشواهد التطبيقية، يتم اقتصار محل الشاهد فيها على لون واحد من ألوان التشابة الوارد ذكرها.

  • قال تعالى  ﴿وَجَاۤءَ مِنۡ أَقۡصَا ٱلۡمَدِینَةِ رَجُلࣱ یَسۡعَىٰ قَالَ یَـٰقَوۡمِ ٱتَّبِعُوا۟ ٱلۡمُرۡسَلِینَ﴾ [يس ٢٠] والمثال الثاني ما جاء في القصص ﴿وَجَاۤءَ رَجُلࣱ مِّنۡ أَقۡصَا ٱلۡمَدِینَةِ یَسۡعَىٰ قَالَ یَـٰمُوسَىٰۤ إِنَّ ٱلۡمَلَأَ یَأۡتَمِرُونَ بِكَ لِیَقۡتُلُوكَ فَٱخۡرُجۡ إِنِّی لَكَ مِنَ ٱلنَّـٰصِحِینَ﴾ [القصص ٢٠].

فكما تشاهد أن المسألة هنا تقديم قوله (من أقصى المدينة) على الفاعل – رجل – في سورة يس، وتأخيره في السورة التي قبلها، كما جاء في سورة القصص، أمّا في الآيتين: فهو في السورة الأولى – القصص – رجل يسرع إلى موسى يبلغه تآمر القوم عليه بعد أن ظهر أمر الرّجل الذي قُتل على يده بالأمس، والذي كان عدواً للذي من شيعته، كما جاء في الآية .

وقد ذكر العلماء في تعليل التقديم والتأخير إنّ موضع الاعتبار في ( سورة يس) سعي هذا الرجل المجهول من مكان إلى مجتمع الناس في القرية حيث مشهد القصّة ، وأمّا الآية من سورة القصص فقد ذكر صاحب كتاب درة التنزيل وغرة التأويل ” فالمراد بها أنّ رجلاً لا يعرفه موسى جاء من مكان غير مجاور لمكانه ( فأعلمه ما فيه الكفار من ائتمارهم به، فاستوى حكم الفاعل والمكان الذي جاء منه، فقدّم ما أصله التقديم وهو الفاعل.

  • الشاهد الثاني : قال تعالى ﴿أُبَلِّغُكُمۡ رِسَـٰلَـٰتِ رَبِّی وَأَنصَحُ لَكُمۡ وَأَعۡلَمُ مِنَ ٱللَّهِ مَا لَا تَعۡلَمُونَ﴾ [الأعراف ٦٢] الآية الثانية ﴿أُبَلِّغُكُمۡ رِسَـٰلَـٰتِ رَبِّی وَأَنَا۠ لَكُمۡ نَاصِحٌ أَمِینٌ﴾ [الأعراف ٦٨] وقد تعددت أقوال العلماء في تخريج الآيتين، فقال الخطيب الإسكافي نظر إلى ما رُمي به نوح عليه السلام من قومه فرآهم اتهموه بأنّه في ضلال، ثم نظر إلى ما اتهم به هود – عليه السلام – من قومه فرآهم يقولون له ﴿قَالَ ٱلۡمَلَأُ ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ مِن قَوۡمِهِۦۤ إِنَّا لَنَرَىٰكَ فِی سَفَاهَةࣲ ﴾ [الأعراف ٦٦] والتهمتان مختلفتان، لأنّ الضلال فعل يفعله الضّال والسفاهة صفة من صفات النفس، والأفعال متعددة ومتجددة، وأوصاف النفس ثابتة، فجاء جواب نوح عليه السلام ، لتحدث الملاءمة الدقيقة بين قوله وقولهم .
  • الشاهد الثالث : ومن الآيات التي وقف عندها علماء هذا الفن قوله تعالى ﴿۞ إِنَّ ٱللَّهَ فَالِقُ ٱلۡحَبِّ وَٱلنَّوَىٰۖ یُخۡرِجُ ٱلۡحَیَّ مِنَ ٱلۡمَیِّتِ وَمُخۡرِجُ ٱلۡمَیِّتِ مِنَ ٱلۡحَیِّۚ ذَ ٰ⁠لِكُمُ ٱللَّهُۖ فَأَنَّىٰ تُؤۡفَكُونَ﴾ [الأنعام ٩٥] فما سر التعبير بالاسم في هذا الموضع ب ( مخرج ) وقد تكررت الآية كثيراً في القرآن الكريم ؟

قال الإمام الإسكافي يعلل مجيء صيغة الاسم في هذه الآية : يرى أنّ صيغة المضارع في صحبة نظائرها، كما جاء في آل عمران ﴿ تُؤۡتِی ٱلۡمُلۡكَ مَن تَشَاۤءُ وَتَنزِعُ ٱلۡمُلۡكَ ﴾ [آل عمران ٢٦] فتناسقت مع نظائرها في الصيغة وفي الطباق، ولآيات تتحدث عن قدرة الله سبحانه وتعالى وعجيب صنعه، والمضارع هنا يحضر الصورة ويفيد التجدد، وذلك بخلاف سورة الأنعام.


شارك المقالة: