اقرأ في هذا المقال
النبي محمد صلى الله عليه وسلم يحاول إيقاف المنهزمين:
وقد حاول النبي القائد الكريم محمد صلى الله عليه وسلم إيقاف المنهزمين الهاربين في المرحلة الأولى من المعركة، وهو عليه الصلاة والسلام ثابت في ساحة القتال، فناداهم النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، وبأن يثبتوا ويلتفوا حوله فلم يلتفت إليه أحد، ولم يجبه أحد منهم، بل يمكن أنّه لم يسمع صوته أحد في تلك الساعات الرهيبة، الساعات التي اختلط فيها الحابلبالنابل.
حيث كان هم كل واحد من الجنود النجاة بنفسه، ولا يستبعد أن أكثر المغلوبين قد ظنوا أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قد قتل أو انهزم، بدليل أنهم عندما أفاقوا الهزيمة، وسمعوا صوت العباس بن عبد المطلب يشعرهم بأنّ النبي صلى الله عليه وسلم حي ثابت مكانه، ويناشدهم الرجوع إلى ميدان الشرف ساحة المعركة تنادوا وأخبر بعضهم بعضاً، ورجعوا إلى الميدان المعركة من جديد.
أمّا النبي الكريم القائد محمد صلى الله عليه وسلم فقد ثبت عند الهزيمة، وقد جرد سيفه ومن ثمّ رمی غمده وأخذ حربته، حتى يواجه جيش الأعداء ثابتاً، وكان حوله تلك القلة القليلة من صفوة صحابته الكرام رضوان الله عليهم.
وقد قاتل النبي صلى الله عليه وسلم المشركين في تلك الساعات الحرجة ببسالة وشجاعة وثبات قتالاً يليق بمقامه کرسول مرسل وقائد أعلى مسئول، وقد واجه جموع جيوش هوزان الهائلة تسانده تلك القلة الصابرة من الصحابة الكرام وهم مائة فقط لا تزيد عن ذلك، بينما تبلغ جيوش هوازن المتدفقة في ساحة المعركة عشرين ألفا.
وليس يوم واقعة غزوة حنين هو اليوم العصيب الوحيد الذي يثبت فيه النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم عندما يرتعب ويخاف الناس أو يتعرضون لهزيمة، فقد كان الثبات عند الروع وتخبط الأمور سجية أساسية، وخلقا مكيناً من أخلاق سيد القادات والشجعان النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم .
ففي يوم واقعة أحد عندما انكشف جند المسلمين، نتيجة غلطة الرماة واقتحام خيل خالد بن الوليد مؤخرة جيش المسلمين، ثبت النبي الشريف صلى الله عليه وسلم مكانه بمنتهی الشجاعة والثبات والبسالة.
حتى أنّ ثباته في تلك الساعة الحرجة، كان العامل الرئيسي في تراجع جيش المسلمين عن الهزيمة، وتكتُّلِهم وإعادة تنظيم قواتهم من جديد، وعلى نحو ذلك الامر أعاد للمسلمين وجيشهم هيبتهم وسيطرتهم على مكان المعركة رغم الخسائر الفادحة التي نزلت بجيش المسلمين والإسلام والتي بلغت عشرة في المائة من قواتهم يومئذ .
وفي أيام واقعة غزوة الخندق عندما تضاربت الأمور ونقضت يهود قريظة العهد، وتعرض جيش المسلمين لأشد الأخطار حتى بلغت القلوب الحناجر، كما جاء في القران الكريم، كان النبي الشريف الكريم محمد صلى الله عليه وسلم يمثل ويقدم أعلى مستويات الصبر والشجاعة والثبات.
فقد كان بشجاعته وإيمانه وصبره صلى الله عليه وسلم يشيع الطمأنينة في النفوس القلقة التي بلغ بها الخوف من جيوش الأحزاب الهائلة، وجدتها حد الاختناق، بل كان النبي الكريم صلى الله عليه وسلم يقوم بنفسه بأعمال الحراسة.
وأين ؟ أمام أخطر النقاط التي يمكن أن تكون دون غيرها عرضة لاقتحام قادة خيالة الأحزاب، وذلك على مشارف الخندق في ليال شاتية شديدة البرودة وقارصة البرد مع العواصف المزعجة .
وذلك في وقت تخرجت فيه حالة جيش المسلمين وتتناقص عدد قواتهم من ألف مقاتل إلى ما لا يزيد على ثلاث مائة بعد تسلل المنافقين منهم وضعاف النفوس من صفوف الجيش الإسلامي جيش النبي صلى الله عليه وسلم خوفاً من قوة الأحزاب التي بلغت عشرة آلاف مقاتل .
وهكذا كان النبي صلى الله عليه وسلم دائماً يعتبر ملاذ الصحابة، وتصرفه في ميادين الثبات والصبر والشجاعة عندما تشتد خطوب الحرب في استبسالهم وشجاعتهم وتقوية روحهم المعنوية، وسد المنافذ التي يمكن أن يتسرب منها إلى نفوسهم الضعيفة الخور والتخاذل ساعة الروع والخوف، وساعة تقاطر البلايا والمحن الحربية عليهم والمواجهة مع عدوهم .
ثبات الرسول القائد ساعة الهزيمة:
هكذا كانت هزيمة المسلمين عند المواجهة الأولى في واقعة حنين، هزيمة منكرة ساحقة، ركب فيها جيش المسلمين بعضهم بعضاً، وهم يكرون من ساحة القتال لا يلوون على شيء ، وقد كانت هزيمة عامة شاملة جميع قطاعات جيش البالغ اثنى عشر ألفاً.
وللخبير الحربي أن يخيل له اثنى عشر ألف مقاتل، بينهم أكثر من ألفين وأربعمائة جندي، وعدة آلاف من الجمال ينطلقون من ميدان المعركة راجعين فارين على غير تعبئة ولا نظام ولا ترتيب ، إنها الفوضى المخيفة المريعة، الناس يدوس بعضهم بعضاً، وهم قوة ضخمة انفرط عقدها وفقد توازنه وضاع نظامها، قوة عظيمة منهزمة، خيلها وجمالها ومشاتها ورجالها وجندها انهزمت جميعها ما عدا النبي القائد الكريم صلى الله عليه وسلم وقلة من لا يزيدون على المائة في أكبر تقدير.