تفسير سورة هود

اقرأ في هذا المقال


قال تعالى: (الۤرۚ كِتَـٰبٌ أُحۡكِمَتۡ ءَایَـٰتُهُۥ ثُمَّ فُصِّلَتۡ مِن لَّدُنۡ حَكِیمٍ خَبِیرٍ (١) أَلَّا تَعۡبُدُوۤا۟ إِلَّا ٱللَّهَۚ إِنَّنِی لَكُم مِّنۡهُ نَذِیرࣱ وَبَشِیرࣱ (٢) وَأَنِ ٱسۡتَغۡفِرُوا۟ رَبَّكُمۡ ثُمَّ تُوبُوۤا۟ إِلَیۡهِ یُمَتِّعۡكُم مَّتَـٰعًا حَسَنًا إِلَىٰۤ أَجَلࣲ مُّسَمࣰّى وَیُؤۡتِ كُلَّ ذِی فَضۡلࣲ فَضۡلَهُۥۖ وَإِن تَوَلَّوۡا۟ فَإِنِّیۤ أَخَافُ عَلَیۡكُمۡ عَذَابَ یَوۡمࣲ كَبِیرٍ (٣) إِلَى ٱللَّهِ مَرۡجِعُكُمۡۖ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَیۡءࣲ قَدِیرٌ (٤) أَلَاۤ إِنَّهُمۡ یَثۡنُونَ صُدُورَهُمۡ لِیَسۡتَخۡفُوا۟ مِنۡهُۚ أَلَا حِینَ یَسۡتَغۡشُونَ ثِیَابَهُمۡ یَعۡلَمُ مَا یُسِرُّونَ وَمَا یُعۡلِنُونَۚ إِنَّهُۥ عَلِیمُۢ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ (٥)) صدق الله العظيم.

مناسبة التسمية:

تكرار اسم النبي هود عليه السلام – في السورة أكثر من مرّة؛ وقد حكت عنه السورة أطول فيها، ممّا حُكي عنه في غيرها من السور.

ما جاء عنها من أحاديث:

أسند أبو محمد الدارمي في مسنده عن كعب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “اقرءوا سورة هود يوم الجمعة”. وروى الترمذي عن ابن عباس قال:  قال أبو بكر رضي الله عنه: يا رسول الله قد شبت! قال: “شيبتني هود والواقعة والمرسلات وعمّ يتساءلون وإذا الشمس كورت”.

وأخرجه الترمذي الحكيم أبو عبد الله في “نوادر الأصول”: حدثنا سفيان بن وكيع قال حدثنا محمد بن بشر عن علي بن صالح عن أبي إسحاق عن أبي جحيفة قال: قالوا يا رسول الله نراك قد شبت! قال: “شيبتني هود وأخواتها”. قال القرطبي: فالفزع يورث الشيب وذلك أن الفزع يذهل النفس فينشف رطوبة الجسد، وتحت كل شعرة منبع، ومنه يعرق، فإذا انتشف الفزع رطوبته يبست المنابع فيبس الشعر وابيض.

موافقة أول السورة لآخرها:

  • بدأت السورة بأمر عباده بالعباده له وحده قال تعالى: (أَلَّا تَعۡبُدُوۤا۟ إِلَّا ٱللَّهَۚ إِنَّنِی لَكُم مِّنۡهُ نَذِیرࣱ وَبَشِیرࣱ (٢)) صدق الله العظيم.
  • وخُتمت كذلك بالعبادة:

قال تعالى: ((١٢٢) وَلِلَّهِ غَیۡبُ ٱلسَّمَـٰوَ ٰ⁠تِ وَٱلۡأَرۡضِ وَإِلَیۡهِ یُرۡجَعُ ٱلۡأَمۡرُ كُلُّهُۥ فَٱعۡبُدۡهُ وَتَوَكَّلۡ عَلَیۡهِۚ وَمَا رَبُّكَ بِغَـٰفِلٍ عَمَّا تَعۡمَلُونَ (١٢٣)) صدق الله العظيم.

وذلك لبيان حكمة جليلة وعظيمة من خلق الإنسان، وهي العبادة لله وحده.

المحور الرئيسي للسورة:

التوازن في عبادة الله تعالى.

مواضيع السورة المباركة:

استعراض (العقيدة الصحيحة) عبر الزمن، من سيدنا نوح عليه السلام إلى سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم؛ وتقرير الحقيقة الواحدة وهي ( لا إله إلا الله)، قال تعالى: (فَإِلَّمۡ یَسۡتَجِیبُوا۟ لَكُمۡ فَٱعۡلَمُوۤا۟ أَنَّمَاۤ أُنزِلَ بِعِلۡمِ ٱللَّهِ وَأَن لَّاۤ إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَۖ فَهَلۡ أَنتُم مُّسۡلِمُونَ (١٤)) صدق الله العظيم، وقال تعالى: ( وَلَقَدۡ أَرۡسَلۡنَا نُوحًا إِلَىٰ قَوۡمِهِۦۤ إِنِّی لَكُمۡ نَذِیرࣱ مُّبِینٌ (٢٥) أَن لَّا تَعۡبُدُوۤا۟ إِلَّا ٱللَّهَۖ إِنِّیۤ أَخَافُ عَلَیۡكُمۡ عَذَابَ یَوۡمٍ أَلِیمࣲ (٢٦)) صدق الله العظيم.

قال تعالى: (وَإِلَىٰ عَادٍ أَخَاهُمۡ هُودࣰاۚ قَالَ یَـٰقَوۡمِ ٱعۡبُدُوا۟ ٱللَّهَ مَا لَكُم مِّنۡ إِلَـٰهٍ غَیۡرُهُۥۤۖ إِنۡ أَنتُمۡ إِلَّا مُفۡتَرُونَ (٥٠)) صدق الله العظيم.

2 – ثبات الأنبياء والرسل(عليهم السلام)، أمام مواقف السخرية والتكذيب، قال تعالى: (قالُوا۟ یَـٰنُوحُ قَدۡ جَـٰدَلۡتَنَا فَأَكۡثَرۡتَ جِدَ ٰ⁠لَنَا فَأۡتِنَا بِمَا تَعِدُنَاۤ إِن كُنتَ مِنَ ٱلصَّـٰدِقِینَ (٣٢) قَالَ إِنَّمَا یَأۡتِیكُم بِهِ ٱللَّهُ إِن شَاۤءَ وَمَاۤ أَنتُم بِمُعۡجِزِینَ (٣٣) وَلَا یَنفَعُكُمۡ نُصۡحِیۤ إِنۡ أَرَدتُّ أَنۡ أَنصَحَ لَكُمۡ إِن كَانَ ٱللَّهُ یُرِیدُ أَن یُغۡوِیَكُمۡۚ هُوَ رَبُّكُمۡ وَإِلَیۡهِ تُرۡجَعُونَ (٣٤)) صدق الله العظيم.

3- إثبات صدق ونبوة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، بكلامه عن قصص الإمم السابقة، مع ذكر التفاصيل الكاملة للقصة قال تعالى: ﴿تِلۡكَ مِنۡ أَنۢبَاۤءِ ٱلۡغَیۡبِ نُوحِیهَاۤ إِلَیۡكَۖ مَا كُنتَ تَعۡلَمُهَاۤ أَنتَ وَلَا قَوۡمُكَ مِن قَبۡلِ هَـٰذَاۖ فَٱصۡبِرۡۖ إِنَّ ٱلۡعَـٰقِبَةَ لِلۡمُتَّقِینَ﴾ صدق الله العظيم، قال الرازي: إن القصة الواحدة قد ينتفع بها من وجوه: ففي السورة الأولى كان الكفار يستعجلون نزول العذاب، فذكر تعالى قصة نوح في بيان أنّ قومه كانوا يكذبونه بسبب أن العذاب ما كان يظهر، ثم في العاقبة ظهر، فكذا في واقعة محمد ﷺ، وفي هذه السورة ذكر هذه القصة لأجل أنّ الكفار كانوا يبالغون في الإيحاش، فذكر الله تعالى هذه القصة لبيان أن إقدام الكفار على الإيذاء والإيحاش كان حاصلا في زمان نوح، إلا أنّه – عليه السلام – لما صبر نال الفتح والظفر، فكن يا محمد كذلك؛ لتنال المقصود. ولما كان وجه الانتفاع بهذه القصة في كل سورة من وجه آخر، لم يكن تكريرها خاليا عن الفائدة.

4 –  الوصية الربانية لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم ولإمته من بعده بالثبات على الاستقامة، مهما بهم الظروف قال تعالى: ﴿فَٱسۡتَقِمۡ كَمَاۤ أُمِرۡتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطۡغَوۡا۟ۚ إِنَّهُۥ بِمَا تَعۡمَلُونَ بَصِیرࣱ (١١٢) وَلَا تَرۡكَنُوۤا۟ إِلَى ٱلَّذِینَ ظَلَمُوا۟ فَتَمَسَّكُمُ ٱلنَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ ٱللَّهِ مِنۡ أَوۡلِیَاۤءَ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ (١١٣)﴾  صدق الله العظيم،

قال الرازي:

اعلم أنّه تعالى لما أطنب في شرح الوعد والوعيد قال لرسوله: ﴿فاستقم كما أمرت﴾ وهذه الكلمة كلمة جامعة في كل ما يتعلق بالعقائد والأعمال، سواء كان مختصا به أو كان متعلقاً بتبليغ الوحي وبيان الشرائع، ولا شك أنّ البقاء على الاستقامة الحقيقية مشكل جدا، وقال ابن القيم: قال لرسوله ﷺ: ﴿فاستقم كما أمرت ومن تاب معك ولا تطغوا إنه بما تعملون بصير﴾ صدق الله العظيم [هود: ١١٢].

فبين أنّ الاستقامة ضد الطغيان.

وهو مجاوزة الحدود في كل شيء.

(ثم قال: إذا صارت النفس حرة طيبة مطمئنة غنية بما أغناها به مالكها وفاطرها من النور الذي وقع في القلب ففاض منه إليها استقامت بذلك الغنى على الأمر الموهوب، وسلمت به عن الأمر المسخوط وبرئت من المراءاة، ومدار ذلك كله على الاستقامة باطنا وظاهرا، ولهذا كان الدين كله في قوله تعالى: ﴿فاستقم كما أمرت﴾ صدق الله العظيم.

5  – عدم الطغيان قال تعالى: (وَلَا تَطۡغَوۡا۟ إِنَّهُۥ بِمَا تَعۡمَلُونَ بَصِیرࣱ) صدق الله العظيم، قال ابن الجوزي: قوله تعالى: ﴿ولا تطغوا﴾ صدق الله العظيم، فيه ثلاثة أقوال:

أحدها: لا تطغوا في القرآن، فتحلوا وتحرموا ما لم آمركم به، قاله ابن عباس.

والثاني: لا تعصوا ربكم ولا تخالفوه، قاله ابن زيد.

والثالث: لا تخلطوا التوحيد بشك، قاله مقاتل.

6 – عدم الركون للظالمين قال تعالى : ﴿وَلَا تَرۡكَنُوۤا۟ إِلَى ٱلَّذِینَ ظَلَمُوا۟ فَتَمَسَّكُمُ ٱلنَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ ٱللَّهِ مِنۡ أَوۡلِیَاۤءَ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ﴾ قال ابن الجوزي: وفي المراد بهذا الركون أربعة أقوال.

أحدها: لا تميلوا إلى المشركين، قاله ابن عباس. والثاني: لا ترضوا أعمالهم، قاله أبو العالية. والثالث: لا تلحقوا بالمشركين، قاله قتادة. والرابع: لا تداهنوا الظلمة.

7 – أهمية المحافظة على الصلاة قال تعالى: ﴿وَأَقِمِ ٱلصَّلَوٰةَ طَرَفَیِ ٱلنَّهَارِ وَزُلَفࣰا مِّنَ ٱلَّیۡلِۚ إِنَّ ٱلۡحَسَنَـٰتِ یُذۡهِبۡنَ ٱلسَّیِّـَٔاتِۚ ذَ ٰ⁠لِكَ ذِكۡرَىٰ لِلذَّ ٰ⁠كِرِینَ﴾ صدق الله العظيم[هود ١١٤] ما جاء في سبب نزولها، عن ابن مسعود: «أنّ رجلا أصاب من امرأة قبلة، فأتى رسول الله، فذكر ذلك له، فنزلت هذه الآية، فقال الرجل: ألي هذه الآية ؟ فقال: ” لمن عمل بها من أمتي “. وقال معاذ بن جبل: كنت قاعدا عند رسول الله ﷺ، فجاء رجل، فقال: يا رسول الله، ما تقول في رجل أصاب من امرأة مالا يحل له، فلم يدع شيئا يصيبه الرجل من امرأته إلا أصابه منها، غير أنه لم يجامعها ؟ فقال له النبي ﷺ: ” توضأ وضوءاً حسنا، ثم قم فصل ” فأنزل الله تعالى هذه الآية، فقال معاذ: أهي له خاصة، أم للمسلمين عامّة ؟ فقال: ” بل هي للمسلمين عامة» “

فوائد وحكم من السورة المباركة:

من أسباب علاج فقدان الأمل الاستقامة فهي تبث في النفوس روح الأمل، وتجعل العبد يحسن بربه .

2 – أهمية الصحبة الصالحة أنّها سبب للتوازن النفسي قال تعالى: (فَٱسۡتَقِمۡ كَمَاۤ أُمِرۡتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطۡغَوۡا۟ۚ إِنَّهُۥ بِمَا تَعۡمَلُونَ بَصِیرࣱ (١١٢) وَلَا تَرۡكَنُوۤا۟ إِلَى ٱلَّذِینَ ظَلَمُوا۟ فَتَمَسَّكُمُ ٱلنَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ ٱللَّهِ مِنۡ أَوۡلِیَاۤءَ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ (١١٣)﴾صدق الله العظيم.

3- قال الحسن البصري رحمه الله تعالى: سبحان الذي جعل اعتدال الدين بين لائين: (لا تطغوا – ولا تركنوا.).

4 – قال تعالى: ﴿قَالَ یَـٰنُوحُ إِنَّهُۥ لَیۡسَ مِنۡ أَهۡلِكَۖ إِنَّهُۥ عَمَلٌ غَیۡرُ صَـٰلِحࣲۖ فَلَا تَسۡـَٔلۡنِ مَا لَیۡسَ لَكَ بِهِۦ عِلۡمٌۖ إِنِّیۤ أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ ٱلۡجَـٰهِلِینَ﴾ [هود ٤٦] صدق الله العظيم، قال ابن الجوزي: فَأخْرجهُ بشركه أن يكون من أهله فَعلم أنّ آل الرَّسُول ﷺ هم أتْباعه.

وَأجاب عَنهُ الشّافِعِي رَحمَه الله بِجَواب جيد وهو أن المُراد إنّه لَيْسَ من أهلك الَّذين أمرنا بحملهم ووعدناك نجاتهم، لِأنّ الله سُبْحانَهُ قالَ لَهُ قبل ذَلِك قال تعالى: ﴿احْمِلْ فِيها من كل زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وأهْلَكَ إلا مَن سَبَقَ عَلَيْهِ القَوْل﴾ صدق الله العظيم،  فَلَيْسَ ابْنه من أهله الَّذين ضمن نجاتهم.

5- قال تعالى : ﴿إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ﴾ قال القرطبي: أي أنهاك عن هذا السؤال، وأحذرك لئلا تكون، أو كراهية أن تكون من الجاهلين، أي الآثمين.


شارك المقالة: