بعد المعاهدات والاتفاقيات التي عقدها النبي صلى الله عليه وسلم مع يهود المدينة المنورة ، كان يوصي النبيُ بالحرصِ على تنفيذِ بنودِ المعاهدةِ وأن لا يخالف المسلمين أي بندٍ منها أبداً ، فالتزم المسلمون بها ولم يحدث منهم أن خالفوا شيئاً منها، ولكنَّ الخوف كان كلّه من عدم التزام اليهود بها ؛ لما يملكون من تاريخ مليء بالغدرِ والخيانةِ بجميع معاهداتهم ، فكان لهم عدّة مؤامراتٍ ضدّ المسلمينَ وإثارةِ الاضطراباتِ والقلقِ بين المسلمين.
نقض اليهود للعهد
بعد انتصار المسلمين نصراً كبيراً عظيماً في ميدان بدر في غزوة بدر، أصبح للمسلمين هيبة وعزّة كبيرة وشوكة في قلبِ كل من يريد أن يوقع بين المسلمين ويحمل في قلبه ضغينة وكرهاً لهم. ولكنّ الأمر كان مختلفاً بشكل كبير من جانب اليهود الذين كانوا في أشدّ الضيق والكره للمسلمين وخاصّة بعد الهزيمة الكبيرة التي انهزمت فيها قريش من المسلمين في غزوة بدر، إذ أنّ اليهود أصبحوا يظهرون العداوة والشرّ والجهر بالأذى .
وكان كعب بن الأشرف هو أكثر الرجال كرهاً للمسلمين حيث كان صاحب شرٍ طاغٍ ، وكان يهود بني قينقاع من أكثر طوائف اليهود كرهاً وشراً للمسلمين ، وكان لهم حيّ في المدينة المنورة باسمهم ، كانوا أصحاب مهن ( صاغة ، حدادين ، صناع الأواني ) ولذلك كانوا يمتلكون الكثير من أسلحة الحرب وآلات الحرب، وكانوا من أشجع الفرسان في المدينة وعددهم يقدّر بسبعمئة مقاتل، ورغم ذلك كانوا من أوائل من نقض العهد.
استمر يهود بني قينقاع في الطغيان ونقض المواثيق والمعاهدات مع المسلمين ، فزادوا من التحرش وإثارة الشغب والاستفزاز، والاستمرار بالسخرية وتوجيه الأذى حتى وصل معهم الأمر أن يعترضوا نساء المسلمين، وعندما زاد الأمر كثيراً بسبب أفعال اليهود ما كان من النبي إلّا أن جاء بطريقة الحوار معهم ، فجمعهم النبي حتى يدعوهم إلى الهدى والرّشد مع تحذير غير مباشر من بغيهم وعدوانهم ، فما كان منهم إلّا أن استمروا بزيادة الشّر والطغيان .
مع استمرار صبر النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة والمسلمين على كل ما يقوم به يهود بني قينقاع من السخرية وإثارة الفتن، حيث وصلوا إلى حدِّ الجراءة في التعدي والاستهزاء لم يطقها المسلمون ، فكانت هذهِ رسائل غير مباشرة من اليهود مضمونها أنّهم يرديون الحرب لا السلام، وعندها لم يطل صبر النبي ومن معه من الصحابة والأنصار فنفذ صبرهم، فأمر النبي باستخلاف أبي لبابة بن عبد المنذر على المدينة المنورة، وإعطاء حمزة بن عبد المطلب لواء المسلمين، وساروا بالجنود إلى يهود بني قينقاع، وعندما شاهد اليهود قدوم جنود المسلمين تحصّنوا في حصونهم ، فحاصروهم حصاراً شديداً ، حيث استمر الحصار مدّة خمس عشرة ليلة، فعمّ الرّعب الكبير في قلوب اليهود، ممّا أدّى إلى استسلامهم ونزولهم عند حكم النبي صلى الله عليه وسلم.