كيف كان خشوع النبي عليه الصلاة والسلام في صلاته؟

اقرأ في هذا المقال


خشوع النبي عليه الصلاة والسلام في صلاته:

إنّ أتقى الناس وأخشاهم وأشدّهم خشوعاً لربهِ هو محمد عليه الصلاةُ والسلام، ومن أعظم خشيتهِ لله تعالى ومحبتهِ له وإجلالهُ وتعظيمهُ هو شدة خشوعهِ في صلاتهِ ورقةُ قلبهِ في صلاتهِ وغيرُ ذلك من سائر العبادات، وسنتكلمُ هنا عن عدة أمور كان النبي عليه الصلاة والسلام شديد الخشوع فيها ومنها:

  • خشوعهِ عليه الصلاة والسلام في أفعال الصلاةِ وأقوالها:
    لقد كان النبي عليه الصلاةُ والسلام إذا قام في الصلاةِ، طأطأ رأسهُ، وقد ذكر الإمامُ أحمد رحمهُ الله، وكان في التشهدِ لا يُجاوزُ بصرهُ إشارتهِ، وقد تقدم. وقد جعلَ اللهُ تعال قُرة عينهِ ونعيمهِ وسرورهِ وروحهِ في الصلاةِ، وكان يقول عليه الصلاة والسلام: “يا بلالُ أرحنا بالصلاةِ” رواه أبو داود. وكان يقول عليه الصلاة والسلام: “وجعلتُ قُرةُ عيني في الصلاةِ” رواه النسائي. وحينما كان يدخلُ في الصلاة كان يُطيلُ بها، فيسمعُ بُكاء الصّبي فيُخففها، وأرسلَ مرةً فارساً طليعة له، فقام يُصلّي، وجعلَ يلتفتُ إلى الشعب الذي يجيءُ منه الفارسُ، ولم يُشغلهُ ما هو فيه عن مُراعاة حال فارسهِ. رواه أبو داود.
    أيضاً كان النبي عليه الصلاة والسلام يُصلي وهو يحملُ أمامة بنتُ أبي العاص ابن الربيع ابنة بنتهِ زينب على عاتقهِ، فإذا قام حملها وإذا ركعَ وسجدَ وضعها، متفق عليه. وكان عليه الصلاةُ والسلامُ يُصلّي، فتأتي عائشةُ من حاجتها والبابُ مغلق، فيمشي فيفتحُ لها البابَ ثم يعودُ لإكمال الصلاةِ. أخرجه الإمام أحمد في مسنده. وكان يردُ السلام بالإشارة على من يُسلم عليه، وهو في الصلاة. فقال جابر: بعثني رسولُ الله عليه الصلاة والسلام لحاجة، ثم أدركتهُ وهو يُصلّي، فسلمتُ عليه، فأشار إليّ. صحيح مسلم.
    قال صُهيب: “مررتُ برسول الله عليه الصلاة والسلام وهو يُصلّي، فسلّمتُ عليه، فردّ إشارةً، قال الراوي: لا أعلمهُ قال، قال: إلا إشارة بأصبعهِ”، وهو في السنن والمسند.
    قال عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: “خرج النبي عليه الصلاة والسلام يُصلي في قُباء، قال: فجاءتهُ الأنصارُ، فسلّموا عليه وهو في الصلاة، فقلتُ لبلال: كيف رأيتَ رسول الله صلّى الله عليه وسلم يردُّ عليهم حين كانوا يُسلّمون عليه وهو يصلّي؟ قال: يقول: هكذا، وبسط جعفر بن عون كفه، وجعل بطنه أسفل، وجعلَ ظهرهُ إلى فوق” سنن أبو داود. وقال عبد الله بن مسعود عليه الصلاة والسلام: حينما قُدمت من الحبشة أتيت النبي عليه الصلاة والسلام وهو يُصلّي، فسلّمت عليه فأومأ برأسهِ.
    قال الإمام ابن القيم: إنّ حديث أبي غطفان عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله عليه الصلاة والسلام: “من أشار في صلاتهِ إشارةً تفهمُ عنه، فليُع صلاته”. رواه الدار قطن. وكان يُصلّي، فجاءه الشيطانُ ليقطع عليه صلاته، فأخذهُ، فخنقهُ حتى سالَ لُعابُه على يدهِ. رواه البخاري. وكان يُصلي على المنبر ويركعُ عليه، فإذا جاءت السجدة، نزل القهقري فسجدَ على الأرض ثم صعدَ عليه.
  • رقة قلب النبي عليه الصلاة والسلام وبكاؤهُ في الصلاة، وفي مواطن كثيرة:
    لم يكن النبي عليه الصلاة والسلام يبكي بشهيق أو برفعَ صوتٍ كما أنهُ لم يكن ضحكهُ قهقهةً، ولكن كانت تدمع عيناه حتى تهملاً ويُسمعُ لصدره أزير وكان بكاؤهُ تارةً رحمةً للميت، وتارة خوفاً على أمته، وشفقة عليها، وتارة من خشية الله تعالى، وتارة عند سماع القرآن، وأيضاً كان بكاءهُ بكاء اشتياقٍ ومحبة وإجلالٍ.
    ومن المثال على بكاء النبي عليه الصلاة والسلام، هي قبوله الفداء في أسرى معركة بدر، ففي حديث عبد الله بن عباس عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه: “فلما أسروا الأسارى قال أبو بكر: يا نبي الله، هم بنو العم والعشرة، أرى أن تأخذ منهم فديةً فتكونُ لنا قوةً على الكفار، فعسى اللهُ أن يُهديهم للإسلام، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: “ما ترىيا ابن الخطاب؟” قال قلتُ: لا والله يا رسول الله، ما أرى الذي رأى أبو بكر، ولكني أرى أن تُمكنّاً فنضربُ أعناقهم، فتُمكن علياً من عقيلٍ فيضربُ عنقهُ، وتُمكّنّي من فلانٍ نسيباً لعمر، فاضرب عنقه؛ فإنّ هؤلاء أئمة الكفر وصناديدها، فهوي رسول الله صلّى الله عليه وسلم ما قال أبو بكرٍ، ولم يهوِ ما قلتُ، ولمّا كان من الغدِ جئتُ فإذا رسول الله صلّى الله عليه وسلم وأبو بكرٍ جالسين يبكيانِ، قلت: يا رسوال الله، أخبرني من أي شيءٍ تبكي أنتَ وصاحبك، فإن وجدتُ بُكاءً، بكيت، وإنّ لم أجد بُكاء تباكيتُ لبكائهما؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “أبكي للذي عرض عليّ أصحابُك من أخذهم الفداء، لقد عُرض عليّ عذابهم أدنى من هذه الشجرة” وهي شجرةً قريبةً من النبي عليه الصلاة والسلام، وأنزل الله تعالى: “ما كَانَ لنبيٍ أنّ يكون لهُ أسرى حتى يُثخن في الأرض – فكلوا مما غنمتم حلالاً طيباً” الأنفال: 67-69. فأحل الله الغنيمة لهم. رواه مسلم.

شارك المقالة: