ماذا يعني الشروع في جرائم الاعتداء على النفس؟

اقرأ في هذا المقال


الشروع في جرائم الاعتداء على النفس:

الشروع: وهو البدء في تنفيذ فعلٍ بقصد ارتكاب جريمة إذا أوقف سلوك الفاعل أو خاب أثره لسبب لا دخل لإرادته فيه ولو استحال تحقق الجريمة التي قصد الفاعل ارتكابها لقصور الوسيلة المستعملة أو لتخلف موضوع الجريمة أو لعدم وجود المجني عليه. ومن هذا النوع من الجرائم يكون في عدة مواضيع مثل الشروع في جرائم العمد.

الشروع في جرائم العمد:

لقد تحدثنا عن جرائم الاعتداء على النفس وما دونها، سواء كانت هذه الجرائم العمدية، وحكمها عند امتناع القصاص هي وجرائم الخطأ، من حيث الدية أو الأرش، ولم نتعرض لحكم الجريمة غير التامة. ولما كان من الصعب تصور الشروع في الجرائم غير العمدية، وذلك لأن الشروع يتضمن بذل الجهد لتحقيق غايةٍ في ذهن ىالفاعل، وهذا لا يكون إلا في الجرائم العمدية، لذلك سيكون هذا المقال محصوراً في جرائم العمد إذا لم تتم، واقتصر هذا الأمر على الشروع فيها.

مراحل التفكير والتصميم والأعمال التحضيرية:

إن الشريعة الإسلامية لا تُعاقب على التفكير في ارتكاب الجريمة، ولا على التصميم على ارتكابها، ما دام أن الشخص لا يفعل شيئاً في سبيل تحقيقٍ ما فُكر فيه أو صُمم عليه. وهي كذلك لا تُعاقب على الأعمال التحضيرية بصفتها مُتعلقة بالجريمة التي وقعت هذه الأعمال تحضيراً لها، ويجب فيها حتى يُعاقب الجاني أن يقوم بأفعال مادية لتنفيذ ما قصد إليه، كأن يحمل السيف على شخصٍ آخر بقصد قتله، أو يُوجه سلاحهُ نحوه بقصد رميه، أو يقوم بضربه بسكين أو عصا، والدليل على ذلك، قوله عليه الصلاة والسلام: “إن الله تجاوز عن أمتي ما حدثت به أنفسها، ما لم تعمل أو تتكلم”
ومعنى هذا أنه لا عقاب في الدنيا على مجرد التفكير في ارتكاب الجريمة أو التصميم عليها، وأن العقاب لا يكون إلا أخرج التفكير من نطاق النفس إلى حيز التنفيذ.
وكذلك التحضير لها لأنه لا يظهر بجلاءِ فقد الجاني، فقد يكون التحضير لغرض آخر ليس فيه جريمة، وحتى لو اتضح القصد من أعمال التحضير، فلا عليها بصفتها مقدمات للجريمة؛ لأن المدى لا يزال متسعاً بينها وبين ارتكاب الجريمة، وقد يعدل الشخص عما قصد إليه.

مرحلة البدء في التنفيذ:

إذا اقترن القصد بأفعالٍ مادية خارجية تُعتبر بدءاً في تنفيذ الجريمة، فإن ذلك يدل على خطورة هذا القصد ووضوح إجرام الشخص الذي قُتل، وأتبع القصد بأفعال تنفيذية، وهذا يستدعي تعزيرهُ على ذلك ولو لم يتم قصده.
وقد روي عن النبي صلّى الله عليه وسلم قوله “إذا تواجه المسلمانِ بِسيفهما، فالقاتل والمقتول في النار”. وهناك رواية ثانية ” إذا المسلمان حمل أحدهما على أخيه فهما على حرف جهنم، فإذا قتل أحدهما صاحبةِ دَخلاها جميعاً” فقيل يا رسول الله هذا القاتل، فما بال المقتول؟ قال: “إنه كان أراد قتل صاحبه”، وهذا الحديث صريح في أن المقتول مصيره نار جهنم يوم القيامة؛ لأنه أراد قتل صاحبه، وهذا يُفيد أنه قد ارتكب معصية قصده قتل صاحبه، وحمل السلاح عليه من أجل تنفيذ قصده، وهو الحدّ الأدنى لما كان منه من أفعال، وقد يكون ضربُ صاحبه فعلاً بالسيف، ولكنه لم يتمكن من قتله لإسعافه بالعلاج، أو ليتمكن من الإجهاز عليه؛ لأن صاحبه فاجأه بالضربة القاتلة. ويسمّى هذا كله من أعمال التنفيذ التي لم تؤدِ إلى القتل الذي قصده الجاني، وذلك لسبب لا دخلَ لإرادته فيه.

العدول الاختياري:

لقد ظهر في الحالات المتقدمة إنه لم يكن عدم إتمام الجريمة بإرادة الجاني، لكنه كان يُريد إتمامها ولم تتم رغماً عنه، وإذا توقف التنفيذ باختيار الجاني كأن يرفع على آخر سلاحاً، ولكنه لم يتم قصده، وقام بالعدول عن ارتكاب القتلِ مختاراً، فهنا يُعاقب بالتعزير؛ لأن بهذه الفعلة فقد أخاف غيرهُ، وقصد قتله.
وهناك أيضاً قيل أنه لا شروع إذا عدل الجاني عدولاً اختيارياً عن تنفيذِ ما قصد إليه، حتى تكون أمامهُ الفرصة لمراجعة نفسه، والعدول عما تورط فيه؛ لأن لهُ في ذلك فائدة مؤكدة برفع العقاب عنه إذا عدل عن إتمام جريمته مختاراً.
ولكن إذا أمكن القول بذلك في التشريعات الوضعية التي تعاقب على الشروع بنفس العقاب المقرر للجريمة التامة، أو بعقابٍ قريب منه فإن هذا القول في الشريعة الإسلامية قليل الجدوى. فالجاني في التشريعات الوضعية قد يعدل من إتمام الجريمة هرباً من عِقابها، وإذا قيل في هذه التشريعات بالعقابِ على الشروع رغم العدول الاختياري، فإن الجاني الذي يجد أنه سيعاقب إذا عدل باختياره عن إتمام الجريمة بعقاب الجريمة التامة أو بعقاب قريب منه، سوف لا يجد لديه الوازع على العدول باختياره، فلا يكون العقاب مع العدول الاختياري من حسن السياسة في شيء.


شارك المقالة: