من أساليب الرسول الكريم محمد - صلى الله عليه وسلم في الدعوة إلى الله عز وجل

اقرأ في هذا المقال


ما هي أساليب الرسول الكريم في الدعوة إلى الله عز وجل؟

كان من هدي النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم في دعوته إلى الله عز وجل هو الاعتدال والوسطية ورفض التشدد في الدين.
فالتشدد المقيت والكبير في الدين يؤدي إلى المشقة على النفس البشرية ويؤدي ذلك التشدد إلى التطرف في الدين وإلى البعد عن وسطية دين الله الإسلام، ويؤدي أيضاً إلى ضياع حق النفس وضياع حقوق الآخرين، وكان من أبرز الأمثلة على ذلك الثلاثة الذين قدموا إلى بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ليسألوا عن عبادته، حيث يروي لنا عن ذلك الصحابي أنس بن مالك رضي الله عنه فيقول: “«جَاءَ ثَلَاثَةُ رَهْطٍ إِلَى بُيُوتِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَسْأَلُونَ عَنْ عِبَادَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَلَمَّا أُخْبِرُوا كَأَنَّهُمْ تَقَالُّوهَا» فَقَالُوا: «وَأَيْنَ نَحْنُ مِنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَدْ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ! قَالَ أَحَدُهُمْ: أَمَّا أَنَا فَإِنِّي أُصَلِّي اللَّيْلَ أَبَدًا»، وَقَالَ آخَرُ: «أَنَا أَصُومُ الدَّهْرَ وَلَا أُفْطِرُ»، وَقَالَ آخَرُ: «أَنَا أَعْتَزِلُ النِّسَاءَ فَلَا أَتَزَوَّجُ أَبَدًا، فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَيْهِمْ» فَقَالَ: «أَنْتُمُ الَّذِينَ قُلْتُمْ كَذَا وَكَذَا .. أَمَا وَاللَّهِ، إِنِّي لَأَخْشَاكُمْ لِلَّهِ وَأَتْقَاكُمْ لَهُ، لَكِنِّي أَصُومُ وَأُفْطِرُ، وَأُصَلِّي وَأَرْقُدُ، وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ؛ فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي»” (رواه البخاري).
إن النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم هو القدوة وهو أيضاً الأسوة الحسنة في الدعوة إلى عبادة الله عز وجل وأيضاً هو القدوة في االتعليم والإشفاق على الناس وأيضاً هو القدوة في البعد عن التشدد، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “«إِنَّ الدِّينَ يُسْرٌ، وَلَنْ يُشَادَّ الدِّينَ أَحَدٌ إِلَّا غَلَبَهُ، فَسَدِّدُوا، وَقَارِبُوا، وَأَبْشِرُوا…»” (رواه البخاري). فمنهج دين الإسلام في العبادة هو منهج وسطي، وقد ضح ذلك في ضوء موقف النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم ممن أرادوا المشقة في الدين على أنفسهم والتشدد الكبير في الدين.

أسلوب الهجر:

وقد استعمل النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم أسلوب وطريقة الهجر في الموقف المشهور للصحابي كعب بن مالك -رضي الله عنه- وأصحابه الكرام عندما تخلفوا عن غزوة تبوك، فهجرهم النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام وكان لا يكلمهم أي أحد وذلك لمدة أكثر من شهر حتى تاب الله تبارك وتعالى عليهم.
إلا أن استخدام هذه الطريقة وذلك الأسلوب لم يكن هديًا دائمًا للنبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، وإنما المعيار في هذا هو تحقيق المصلحة الدينية.

أسلوب التوجيه غير المباشر:

وتمثل هذا الأسلوب في العديد من المواقف منها قول الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم: “ما بال أقوام”، دون أن يخصص الرسول الكريم أي أحدًا بعينه، وأيضاً من ذلك قول الرسول محمد في قصة بريرة عندما صعد على المنبر فقال: “مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَشْتَرِطُونَ شُرُوطًا لَيْسَتْ فِي كِتَابِ اللهِ؟! مَنِ اشْتَرَطَ شَرْطًا لَيْسَ فِي كِتَابِ اللهِ، فَلَيْسَ لَهُ وَإِنِ اشْتَرَطَ مِائَةَ شَرْطٍ” (متفق عليه).
وأحيانًا يخاطب النبي الكريم محمد غيره وهو يسمع، ومن ذلك حينما سب رجلان بعضهما عند الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم وكان أحدهما يسب صاحبه مغضبًا قد احمر وجهه، فقال النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم لأصحابه الكرام: “«إِنِّي لأَعْلَمُ كَلِمَةً لَوْ قَالَهَا لَذَهَبَ عَنْهُ مَا يَجِدُ، لَوْ قَالَ: أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ». فَقَالُوا لِلرَّجُلِ: أَلَا تَسْمَعُ مَا يَقُولُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم؟ قال: إِنِّي لستُ بِمَجْنُونٍ»”. (رواه البخاري).

أسلوب الوعظ والتذكير:

وقد كان النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم يدعو أصحابه الكرام رضوان الله عليهم بالموعظة وذلك مخافة الضجر والملل، حيث كان عليه الصلاة والسلام ينتهز كل فرصة مواتية كانت تجمع المسلمين حتى يوجه إليهم رسائل وعظية ورسائل تذكيرية نافعة لهم، منها حديث العرباض بن سارية -رضي الله عنه- قال: “«وَعَظَنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مَوْعِظَةً بَلِيغَةً وَجِلَتْ مِنْهَا القُلُوبُ وَزَرَفَتْ مِنَها العُيُونُ، فَقُلْنَا كَأَنَّهَا مَوْعِظَةُ مُوَدِّعٍ فَأَوْصِنَا، فَقَالَ: أُوصِيكُمْ بِالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ وَإِنْ تَأَمَّرَ عَلَيْكُمْ عَبْدٌ؛ فَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ فَسَيَرَى اخْتِلَافًا كَثِيرًا؛ فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ المَهْدِيِّينَ عَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ، وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ؛ فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٍ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ»”. (رواه الترمذي).

أسلوب ضرب القصص والأمثال:

وهذا الأسلوب يعتبر وسيلة من أنفع الوسائل، وقد استخدم رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك الوسيلة كما في أحاديث كثيرة مشهورة، وقد كان منها قصة الثلاثة أصحاب الغار، وأيضاً قصة الأبرص والأقرع وأيضاً الأعمى، وأيضاً قصة صاحبي جرة الذهب، وكان من تل القصص قصة المتداينين من بني إسرائيل، وغيرها العديد من القصص المليئة بالعبر والمليئة بالعظات التي تزخر بها كتب السيرة.

تقديم الترغيب على الترهيب:

عَلِم النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم طبيعة النفس الإنسانية وأن في النفس إقبال وإدبار، وأن فيها النشاط والضعف، وأن هناك من النفوس من لا يصلحها إلا عميلة الترغيب، وأن هناك من النفوس من لا يردعها ويهذبها إلا أسلوب الترهيب.

لذا فقد راعى رسول الله صلى الله عليه وسلم كل تلك الاعتبارات، حيث جمع النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم بين الترغيب وبين الترهيب، بل أنه قدَّم أسلوب الترغيب على أسلوب الترهيب؛ لأنه أسلوب الترغيب هو أسلوب أنفع وأجدى، ويتَّضح ذلك من موقف الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم مع الصحابي أبي ذر رضي الله عنه والذي يرويه لنا الصحابي أبو ذر رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: “«مَا مِنْ عَبْدٍ» قَالَ: «لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، ثُمَّ مَاتَ عَلَى ذَلِكَ إِلَّا دَخَلَ الْجَنَّةَ». قُلْتُ: «وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ؟» قَالَ: «وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ». قُلْتُ: «وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ؟» قَالَ: «وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ». قُلْتُ: «وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ؟» قَالَ: «وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ عَلَى رَغْمِ أَنْفِ أَبِي ذَرٍّ»”. (متفق عليه).
والمتأمل في ذلك الحديث يلحظ بشكل كبير حرص النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم على أسلوب الترغيب، لذلك فعلينا أن نقتدي بالرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، علينا بالحِلْمِ والرفق في تعليم الجاهلين وذلك تأسيًا في أسلوب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعلينا الابتعاد عن العُنْفَ في تغييرِ المنكرِ والمحرمات، والأهم من ذلك هو تذَكَّرْ كيف كان هدي النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم مع المجترئين على المعصية وعلى فعل المنكرات والمحرمات واتباع أسلوب النبي محمد في التعامل معهم.


شارك المقالة: