موقف قريش من الدعوة

اقرأ في هذا المقال


بعد أن بدأ النبي صلى الله عليه وسلم بدعوة الناس للإيمان باللهِ عزّ وجل وتوحيدهِ والإيمانِ برسالةِ سيدنا محمد ،وبعد ما ظهر من قريش من أفعال دنيئة ومحاولاتها بشتّى الطرق لمنعِ استمرار هذه الدعوة من تكذيب وتشويهٍ وشتمٍ وإساءةٍ للنبي وأصحابةه، أصبح هناك مواقف من قريش والمشركين تجاة النبي.

موقف المشركين من رسول الله

لقد كان النبي عليه السلام رجلاً صاحبَ شهامةٍ وشخصيةٍ قويةٍ وفذّةٍ ، تهابهُ جميعُ النفوسِ من الأعداءِ أو الأصدقاءِ، بحيث أنّهُ لا يتاقبل عليه السلام إلّا بالتشريف والإجلال والمحبّة والاحترام، ولا يمكن لإيّ أحد أن يتجرَّأ على أيّ فعلٍ دنيئ تجاه رسول الله إلّا أرذل الناس وأسفههم، ومع كل ذلك إلّا أنّ النبي كان في حماية عمّه أبو طالب وهو من رجال مكّة المعروفين ومن يحسب له ألف حساب من مكانته ِوقدرهِ في مكّة، فكان هذا الوضع يقلقُ قريشاً وكان يدعوهم إلى الكثير من التفكير والبحث عن أساليب سلميّة تخرجهم ممّا وقعوا فيه من مأزق كبير.

تفاوض قريش

بعد تفكيرٍ عميقٍ من سادات قريش؛ لإيجادِ طريقةٍ لحلِ هذه المشكلة ، أتّجهَ سادات القوم إلى طريق المفاوضات مع صاحب المنعةِ والقوة والمسؤول الأكبر عن النبي ( أبي طالب) ، ولكن بأسلوب حكيم وجدّي، ومع نوع من التحدّي والإجبار والتهديدِ غير المباشر.
فمشى بعضٌ من سادات قريش وأصحاب القرار إلى عمّهِ أبي طالب، فقالوا:( يا أبا طالب ، إنّ ابن أخيك محمداً قد سبّ وشتم آلهتنا ، وعاب ديننا ، وسفّه أحلامنا، وضلّل آباءنا ، فإمّا أن تكفّه عنّا ، وإمّا أن تخلِّي بيننا وبينه ، فإنّك على مثل ما نحن عليه من خلافه ، فنكفيكه)، فكانت حجّتهم لعمّه حتّى يفرقوا بين النّبي وعمّه.
فقال لهم عمّه أبو طالب قولاً جميلاً وردّهم رداً أكثر من رائع ، فانصرفوا عنه بذلك الرّد، واستمر رسول الله على ما هو عليه من إصرار في نشر دين الإسلام ، فأظهرَ الدينَ ودعا إليه. ولكن لم تكن قريش لتصبرَ طويلاً على ما هم فيه حين رأته ماضياً مستمراً في عمله ودعوته إلى توحيد الله ونبذِ عبادةِ الأصنام ، بل أكثرت من ذكر النّبي والتساؤل فيه والتآمر عليه، لدرجه أنّها قرّرت إعادة مراجعة عمّه المحمي منه أبي طالب بأسلوب شديد وغليظ وقاسٍ أكثرَ من ذي قبل.


بعد اقتراح قريش بالرّجوع مرّةً أُخرى إلى أبو طالب ولكن بأسلوب أغلظ وأشدّ، جاءت قامات فريش إلى عمّ النبي فتكلموا معه ، وأخبروه أنّه له مكاناً بينهم لسنّهِ وقدرهِ في مكّةَ، وأنّهم قد طلبوا منه أن ينهى النبي عمّا يفعل هو وأصحابه ، وأنّ أبو طالب لم ينهَ النبي عن أيّ فعل يريده مشركو قريشٍ ، وإنَّهم لا يصبروا على ما يقوم به محمد من شتم وتسفيه لأحلامهم وتعييب آلهتهم حتى يكفّهُ عن فعل ذلك ، أو حتى يهلك أحد الفريقين .
فبعث أبو طالب إلى نبي الله وقال له:( يا بن أخي ، إنّ قومك قد جاءوني وكلموني ، فقالوا لي كذا وكذا ، فابقِ عليَّ يا عمّ وعلى نفسك ، ولا تحمّلني من الأمر ما لا أطيق ولا أستطيع )، فظنّ عليه الصّلاة والسّلام أنّ عمّه خذله في أمره ، وأنّه أصبح ضعيفاً عن نصرةِ ابن أخيه، فقال رسول الله : (يا عم ، والله لو أنّ قومي وضعوا الشّمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر وفي رواية أخرى (هذا الدين) ما تركتهُ حتى يظهرهُ الله أو أهلكَ فيه ، ثم استعبر(حزن او جرت دمعته) وبكى أفضل الخلق ممّا كان وقام، فلمّا ذهب النبي ناداهُ أبو طالب، فلمّا أقبل النبي إلى عمّه قال له: اذهب يا بن أخي ، فإنّ لك ما تريد، فقل ما أحببتَ يا محمد، فواللِه لا أسلّمكَ لشيءٍ أبداً.

بعدَ تعدّدِ محاولاتِ قريش مع النبي ومع عمّهِ بكلِ أشكالِ الحوارِ إن كانت بأساليب التهديد والترهيب او الترغيب، كانت قد عدّلت إلى تفكير جديد وطريقة جديدة لحلٍّ سلميٍّ أيضاً .
فذهبوا إلى عمِّ النّبي بعمارة ابن الوليد بن المغيرة وقال:( يا أبا طالب ، إنَّ هذا الفتى معروف بأخلاقهِ في قريش وأجمل فتيانها فخذهُ فلك عقله ونصره واتخذه لك ولداً، وأسلم إلينا ابن أخيك هذا الذي يخالف دينك ودين آبائك يا أبا طالب ، وفرق بين جماعة قومك، وسفّه أحلامهم فتقتله فإنّما هو رجل برجل) .
فما كان ردُّ عمّه إلّا أن استمر بالدفاع عنهُ ، فقال لهم:( والله لبئس ما تسومونني به(المساومة تعني المفاوضة)، أتعطوني ابنكم أقتله لكم، وأعطيكم ابني تقتلونه؟ هذا والله ما لا يكون أبداً ) . فرفض عمّ النّبي هذه المساومة الجاهلة من قريش، واستمر بالدِّفاع عن رسول الله.


شارك المقالة: