نظريات الاتجاه التي تؤثر على جمهور العلاقات العامة:
يُعرف الاتجاه بأنه استعداد سابق لدى الفرد لتقدير فكرة أو رمز، أو ظاهرة معينة في عالمه بطريقة تجعله يقبل هذه الفكرة أو يرفضها. ولعلَّ أشهر تعريف للاتجاه هو التعريف الذي قدمه العالِم “غوردون ويلارد ألبورت” بأنه حالة من الاستعداد أو التأهب العصبي والنفسي تنتظم من خلال خبرة الشخص، وتكون ذات تأثير توجيهي أو دينامكي على استجابة الفرد لجميع الموضوعات والمواقف التي تستثير هذه الاستجابة. وقد شغل العلماء بدراسة أساليب تغيير الاتجاهات لدى جمهور العلاقات العامة، وتوصَّل بعضهم من خلال دراسته إلى نظرية محددة تبلور نتائجه.
ويمكن تصنيف هذه النظريات في مجموعات رئيسية منها:
النظريات الوظيفية:
تنتهي النظريات الوظيفية إلى أن اتجاهات الأفراد تحددها الاحتياجات التي يمكن أن تحقق أهدافهم الأساسية. ومن ثم فإن تغيير الاتجاهات لا يتحقق بتغيير معلومات الأفراد أو مفاهيمهم أو سلوكهم نحو موضوع معين، إنما يتحقق بتغيير الدوافع التي تحدد هذه الاتجاهات.
حيث أن السلوك الإنساني يمكن تصنيفه إلى سلوك نفعي يهدف إلى إشباع الحاجات، وسلوك يهدف إلى الدفاع عن الذات لحمايتها من الصراع الداخلي، وسلوك يهدف إلى التعبير عن قيم معينة يبقى للفرد الإحساس بشخصيته، كالتحفظ أو التحرر أو الشجاعة أو الكرم، وأخيراً السلوك الذي يهدف إلى البحث عن المعرفة. وعندما نسعى إلى تغيير الاتجاهات عند جمهور العلاقات العامة، فلا بد من معرفة دوافع السلوك للتركيز على تعديلها وإجراء تحول فيها.
ويُصنَّف السلوك الإنساني على أساس اتصاله بمصادر التأثير الخارجية الصادرة عن المجتمع، وهي ثلاثة مصادر التطابق ويعني اتخاذ الفرد لسلوك معين لتوقعه أن يكتسب استحساناً معيناً، لتوافقه مع السلوك العام لجماعة معينة، أو تجنب الفرد لسلوك معين لتوقعه أن يحظى بالاستهجان لعدم توافقه مع السلوك العام لهذه الجماعة التقمص، ويحدث حينما يقبل الفرد التأثير؛ لأنه يرغب في إقامة أو الاحتفاظ بعلاقة مرضية تحدد ذاته مع شخص آخر أو جماعة أخرى.
وقد تأخذ هذه العلاقة شكل التقمص التقليدي، والتي يتخذ الفرد فيها دور المؤثر والمتأثر برجوع كل منهما للآخر، فالفرد يستطيع أن يدخل في علاقة تبادلية مع فرد آخر تماماً، أما يحدث في أي اتفاق صداقة بين دولتين الاستبطان ويحدث حينما يقبل الفرد التأثير؛ لأن مضمون السلوك الموحى به يتفق مع نظامه القيمي ويتبناه الفرد، لأنه يجده مفيداً لحل مشكلة معينة أو لأنه يتفق مع اتجاهه.
فحينما يتخذ الفرد السلوك الموحى عن طريق التطابق، فإنه يميل إلى تحقيق ذلك في حالة وجود العامل المؤثر فقط، وحينما يتخذ الفرد السلوك الموحى عن طريق التقمص فإنه لا يميل إلى تحقيق ذلك، إلا مع وفرة علاقته مع العامل المؤثر، ولا يفعل ذلك عندما تخمد هذه العلاقة، وحينما يتخذ الفرد السلوك الموحى عن طريق الاستبطان، فإنه يميل إلى تحقيق ذلك في المناسبات ذات الصلة بالموضوع، بغض النظر عن وجود العامل المؤثر أو بلوغ العلاقة معه مرحلة الذروة.
حيث أن السلوكين الأولين، التطابق والتقمص كلاهما زائف بينما السلوك الثالث وحده الاستبطان هو السلوك الحقيقي؛ لأنه يُعبّر عن أفكار الفرد الحقيقية النابعة من ذاته، والتي تتفق مع إطاره القيمي. وهذا لا يعني اتساقاً كاملاً؛ لأن الأفراد يختلفون في درجات الاتساق بين الفكر والسلوك، إنما يعني أن الأفكار الجديدة تتحرك جنباً إلى جنب مع قيم الفرد. وقد يؤدي ذلك إلى تعديل هذه القيم ونتيجة لهذا التفاعل بين الأفكار الجديدة والقيم السابقة، فإن السلوك المُتخذ مع طريق الاستبطان يميل نسبياً؛ لأن يصبح فطرياً وصلباً ومركباً ومميزاً وهذه هي أسباب قوته.
النظريات الاتساقية:
ويفترض مسؤولي عن النظريات الاتساقية هذه النظريات أن الفرد يحاول أن يتجنب نفسياً المدركات غير المتسقة، حيث أن السلوك الانساني تحكمه قواعد نفسية، وهذه القواعد هي التي تحدد الاتساق بين الفكر والسلوك، فإذا كان الفرد رأسمالياً مثلاً فمن الطبيعي أن يمقت الاشتراكيين والشيوعيين. ومع أن توحيد الأنماط بهذه الصورة تفكير غير منطقي، إلا أنه يحقق نوعاً من الرضاء الذاتي، وهو ما ينطبق عليه تعبير المنطق النفسي.
وتفترض نظرية الاتساق نظاماً للمدركات والعلاقات بينها، فأي نظام غير متوازن يمكن أن يكون متوازناً بعدة طرق، فعندما يختلف صديق مع صديق حول تقويم شيء معين، وهذا الاختلاف يعكس إدراكاً غير متوازن لهذا الشيء، هناك عدة طرق لاستعادة التوازن إذ ما أن تقنع صديقك بأن يغير تقويمه لهذا الشيء، أو أن تقتنع أنت بتقويمه، أو أن تعيد تحديد مفهومك لهذا الشيء مع صديقك بالصورة التي تجعلكما تتفقان على تحديد قيمته، أو أن تنسحب بلباقة من المناقشة وتحقق التوازن بالانعزال عن المخالفين.
ويكون هذا الخلاف سبباً في فقدك لهذا الصديق، أما هيدر صاحب نظرية التوازن فتفترض نظريته أساساً أن حالة عدم التوازن بين فكر الفرد والأفراد الآخرين، أو البيئة المحيطة به بصفة عامة تخلق نوعاً من التوتر الذي يخلق بدوره قوى استعادة التوازن.
في حين أن نظريات التوازن لم تحدد مدى التغيير واقتصرت على طرفيه الإيجابي والسلبي فقط وأكثر من هذا، فإن نظرية هيدر بالذات لم تحدد اتجاه التغيير الذي يمكن أن يحدث في حالة وجود عدم التوازن. وقد استعان العالِم أسجود بطريقته التي ابتكرها قبل ذلك في دراساته، عن الإدراك والمعاني والاتجاهات وهىي اختبار تمايز معاني المفاهيم.
وقد أصبحت هذه الطريقة أداة عامة تستخدم أيضاً في دراسات الشخصية، وغيرها من الدراسات الاجتماعية والنفسية، وتعتمد على عنصرين أساسيين، هما: المفاهيم التي نبحث عن معناها ومضمونها ودلالتها بالنسبة لأفراد عينة البحث المقاييس التي تحدد على أساس معنى ومضمون ودلالة كل مفهوم منها.
وفي اختبار المفاهيم يحدد الفرد معنى كل مفهوم بالنسبة له، بأن يضع علامة على إحدى درجات سبع توجد على كل مقياس لهذه المفاهيم، ولا بد أن يراعي في اختبار المفاهيم ما يلي أن توضح الفروق الفردية في الاستجابات. وأن يكون كل منها موضوعاً لتباين الاتجاهات الشخصية وأن يكون لكل منها معنى وأهمية بالنسبة لأفراد العينة.
وتندرج نظرية التنافر الإداري التي قدمها عالِم النفس “ليون فيستنجر” في إطار النظريات الاتساقية، وملخص هذه النظرية أن الفرد حينما يشعر بعدم الارتياح عندما يحس بتنافر بين ما يطلب إليه فعله وبين رأيه الخاص، يسعى إلى إزالة هذا التنافر لكي يتحقق له الارتياح النفسي بتغيير السلوك المطلوب منه أو بتغيير رأيه، وإذا لم يستطع تغيير السلوك فيستتبع ذلك تغيير الرأي.
وفي هذه الحالة تكون الرسالة الإعلامية المتضمنة للرأي الجديد ذات تأثير كبير في عملية التحول، والخلاصة في النظريات الاتساقية أنها تُركز على الصراع الداخلي الفردي بين اتجاه أو بين الاتجاهات والقيم، أو الإعلام أو الإدراك، أو السلوك، باستثناء إحدى نظريات التوازن التي يشمل الصراع فيها اتجاه الفرد مع آراء الأفراد الآخرين، والبيئة التي يشمل الصراع فيها اتجاه الفرد مع آراء الأفراد الآخرين والبيئة المحيطة. ومن خلال سعي الفرد لإزالة هذا الصراع أو التناقض بين العناصر المذكورة لتحقيق التوازن النفسي، يمكن أن يتم التحول عن الاتجاهات السابقة لتحل محلها اتجاهات جديدة.
نظريات التعلم:
يرى أصحاب هذه النظريات أن الاتجاهات يخلقها التعلم، وهو أيضاً يمكن أن يعدلها ويشير إلى العلاقة القوية بين الاتجاه والتعلم، حيث أن دراسة الاتجاهات يمكن أن تندرج تحت دراسة تعلم السلوك، ويخلص في النهاية إلى أن السلوك والاتجاهات تحكمها معاً نفس المبادئ والمفاهيم. والآراء شأنها في ذلك شأن العادات تستمر كما هي دون تغيير ما لم يكتسب الفرد خبرات تعليمية جديدة.
والتعرض للاتصال التأثيري الذي ينجح في إقناع الفرد بقبول رأي جديد، يقوم أساساً على خبرة تعلميه إلى اكتساب عادة فعلية جديدة. ويمكن العوامل الأساسية في الموقف الاتصالي التي تؤدي إلى إحداث التغيير في الرأي، فالعنصر الأول في عملية التأثير هو بالطبع الرأي الجديد الذي يقدم في عملية الاتصال، وهذا العنصر يمكن أن يصوّر على أنه مُنبّه مركب يثير السؤال الناقد للرأي القديم ويقدم الإجابة المتضمنة للرأي الجديد.
وإذا لم يحدث هذا فلا يمكن أن يُعتبر الاتصال قادراً على إحداث أي تغيير في الرأي، وعندما يتعرض الفرد للرأي الجديد يكون هناك على الأقل استجابتان محددتان، فهو يُفكّر في إجابته الخاصة على السؤال، في الإجابة الجديدة أو الرأي الجديد الذي يقدمه القائم بالاتصال الاستجابة الأولى هي الناتجة عن تكوين عادة فعلية سابقة، كانت أساساً لتكوين رأى الفرد، والاستجابة الثانية هي الناتجة عن الميل المكتسب؛ لأن يكرر الفرد لنفسه الرسالة التي تعرض لها.
ومن هنا فإن التأثير الهام للاتصال التأثيري يكمن في إثارة تفكير الفرد في الرأي القديم، والرأي الجديد الذي يقدمه الاتصال، وهذا هو العامل الثاني الذي يؤدي إلى نجاح الاتصال في إحداث التغيير. أمّا العامل الثالث فيتمثل في الدوافع التي يمكن أن يخلقها الاتصال لقبول الرأي الجديد، فالأساس الهام لقبول أي رأي جديد هو مدى توافر الأسباب المؤيدة لهذا الرأي في تفكير الفرد.
واختلاف نمط التعلّم وشروطه حينما نسعى إلى تغيير الرأي عن طريق الاتصال الجماهيري عنه، حينما نسعى إلى ذلك باستخدام أشكال الاتصال الأخرى في مواقف التعلم المختلفة، وقد أكدت هذه الحقيقة حين تم الإشارة إلى أخذ نتائج الدراسات المعملية للتعلم البشري وتطبيقها على الاتصال الجماهيري، فموقف التعلم في الحالتين يختلف لاختلاف الظروف الطبيعية التي يجرى فيها التعلم في حالة الاتصال الجماهيري، عن الظروف الصناعية التي يجري فيها التعلم في حالة الدراسات المعملية، أما كيف يحدث التعلم، وما هي المراحل التي يمر بها الفرد لكي يمارس عادة جديدة، فقد تعددت آراء واضعي نظريات التعلم بشأنها.