اقرأ في هذا المقال
- أثر الإسلام في النثر والشعر
- نبذة عن حياة الشاعر البحتري
- أثر الإسلام في مدح البحتري
- أثر الإسلام في رثاء البحتري
- أثر الإسلام في غزل البحتري
- أثر الإسلام في شعر الوصف لدى البحتري
كان للإسلام أثرٌ واضح في الآداب وخاصة بعد نزول كتاب الله تعالى باللغة العربية، حيث ساعد ذلك على استمراره، وكان موقف الإسلام واضح من جهة الكلام المنظوم فلم يحرّمه إنما وضح للناس أن القرآن الكريم ليس شعرًا وليس الرسول الكريم من رواده، وكان للعقيدة وقع في أدب البحتري بشكل واضح ليس بالمفردات والتراكيب إنما تعدى إلى ذاته وبرز في أدبه فنرى فيه دلالات الله الخالق في الكون التي تدعو النفس إلى التأمل والتمتع بمناظر الجمال والإبداع.
أثر الإسلام في النثر والشعر
كان الجاهليون قبل بدء الإسلام في حالة اضطراب اجتماعي وتوتر سياسي نتيجة الصراعات بين الأقوام، كما طغى عليهم الجهل وعندما حلَّ الدين الجديد تبدلت الأوضاع وتغيرت المفاهيم وطال هذا التطور مجال النثر، حيث برزت الخطابة التي تعدُّ الطريقة الناجحة للدَعوة إلى العقيدة، كما حثَّ الدين على تعلم الكتابة التي دعمت تدوين آيات القرآن وسرعة حفظه.
أما مجال الكلام المنظوم فقد تأثر رواده بالإسلام واعتمدوا عليه في أدبهم وثقافتهم، ولقد طرأ تغيرًا على نمطه ومواضيعه، وخصوصًا بعد الفتوحات التي من خلالها اندمج أهل المشرق بالعديد من الأجناس والحضارات وانعكس ذلك على الأدب بشكل واضح ونتج عنه أدب راقٍ وشامل، كما توجه رواد الأدب إلى الاقتباس من القرآن الذي نزل بلغة بليغة وفَصيحة مما دفع إلى تقدم الحياة الأدبية والفكرية.
نبذة عن حياة الشاعر البحتري
عرف بأَبو عبادة الطائي البحتري الأديب المعروف عربي الأصل ونشأ في منبج وترعرع في بواديها التي أثرت في بناء شخصيته فأصبح فصيح اللسان توجه إلى حفظ القرآن مبكرًا، كما داوم على حفظ العديد من المقطوعات والخطب وعرف عنه ملازمة لحلقات العلم في المساجد يتعلم فيها قواعد اللغة والفقه وغيره برزت لديه ملكة النظم مبكرًا.
تنقل البحتري في البلاد والتقى علوة بنت زريقة التي عشقها في حلب ثم توجه إلى حمص والتقى أبو تمام وتعلم أسلوبه في البديع والمحسنات، وظل ملازمًا له يمشي على خطاه ويقلده في كثير من الأمور حتى دفعه ذلك إلى الشهرة وحلَّق في الآفاق، وبعدها ارتحل للعراق قاصدًا مجلس المتوكل وظل فيه حتى موت المتوكل بعدها عاد إلى موطنه.
وكشف أدب البحتري العديد من صفاته وأخلاقه التي تحلى بها وأظهرت أبياته روحه المرحة التي لا تعرف الكآبة والحزن وبالذات في مقطوعات المدح، وقيل عنه أنه قذر الثياب والهيئة وهذا الأمر مشكوك فيه؛ لأنه مقيم في مجلس المتوكل ومن غير الجائز أن يكون حاضرًا بهذا المنظر القذر، وشكك النقاد في ذلك معتمدين على حديثه:
شعرات أقصهُن ويرجعن
رجوع السهام في الأغراض
أثر الإسلام في مدح البحتري
للإسلام وقعٌ على أدب البحتري من خلال أبيات المدح التي تناول فيها الأديب الكلام عن الحماسة والجهاد وذكر صفات ممدوحه الإسلامية، ومثال عليه ما ألقاه مادحًا المتوكل وهو متوجهًا لصلاة العيد:
بالبر صمت وأنت أفضل صائم
وبسنة الله الرضية تفطر
فانعم بيوم الفطر عينا إنه
يوم أغر من الزمان مشهر
أظهرت عز الملك فيه بجحفل
لجب يحاط الدين فيه وينصر
خلنا الجبال تسير فيه وقد غدت
عددا يسير بها العديد الأكثر
وفي مقطوعات أخرى يتوجه البحتري للثناء على أبو سعيد الطائي ومن خلالها يظهر الأثر الإسلامي، حيث يصور في البداية حال الأعداء بمفردات مستنبطة من القرآن الكريم، وكذلك يذكر أن صوتهم يصدح بتلاوة القرآن وانتشر عبر الجبال والهضاب وأيضًا صوت التكبير ويقول:
لم يكن جميعهم على المرج إلا
زبدًا طار عن قناة جفاء
بتها والقرآن يصوع فيها الهض
ب حتى كادت تكون حراء
وأقمت الصلاة في معشر لا
يعرفون الصلاة إلا مكاء
كما نرى الأثر الإسلامي في مدح المعتز بالله، حيث توجه إلى استعمال المفردات الدينية كما أقسم بالبيت الحرام على أن المعتز قد حكم البلاد بالقرآن والسنة وعمَّ عدله وقضى على الظلم وينشد فيه:
فأقسمت بالبيت الحرام ومن حوت
أبا صحة من محرم وأخا شبه
لقد حمل المعتز أمة أحمد
على سنن يسرى إلى الحق لاحبه
تدارك دين الله من بعد ما عفت
معالمه فينا وغارت كواكبه
أثر الإسلام في رثاء البحتري
الرثاء من أكثر الأشكال الأدبية تأثرًا بالإسلام، حيث تحدثوا فيه عن الصبر واحتساب الأجر عند الخالق وبرز في مقطوعات الرثاء الجهادية الحديث عن الشهادة في سبيل رفع راية الإسلام، ونرى الشعراء قد توجهوا لذكر الصفات الدينية للمتوفي والثناء عليه من خلالها، مثال على رثاء البحتري الذي كان للإسلام وقع واضح على هذه المقطوعات ما قاله في البكاء على ابنتي أبو نهشل:
وَسَفاهٌ أَن يَجزَعَ المَرءُ مِمّا
كانَ حَتماً عَلى العِبادِ قَضاءَ
وَلِماذا تَتَبَّعُ النَفسُ شَيئاً
جَعَلَ اللَهُ الفِردَوسَ مِنهُ بَواءَ
أَتُبَكّي مَن لا يُنازِلُ بِالسَيـ
ـفِ مُشيحاً وَلا يَهُزُّ اللِواءَ
كما نرى الأثر الإسلامي بارزًا في بكائه على حميد الطوسي وأبنائه وفيها ذكر البحتري أخلاقه الإسلامية وأنها باقية حتى بعد مماته ويقول:
سَلامٌ عَلى تِلكَ الخَلائِقِ إِنَّها
مُسَلَّمَةٌ مِن كُلِّ عارٍ وَمَأثَمِ
مَساعٍ عِظامٌ لَيسَ يَبلى جَديدُها
وَإِن بَلِيَت مِنهُم رَمائِمُ أَعظُمِ
وَلا عَجَبٌ لِلأُسدِ إِن ظَفِرَت بِها
كِلابُ الأَعادي مِن فَصيحٍ وَأَعجَمِ
أثر الإسلام في غزل البحتري
بالرغم من شُحّ شعره في الغزل وعدم نظمه أبيات طوال بهذا الموضوع، إلا أنه كان يستهل مدحه بالتشبيب والتغزل بالمحبوبة ومعروف بحبه لبنت زريقة، وذكرها في أدبه كثيرًا وظل حبها مسيطرًا حتى مماته وغزله فيها متأثرًا بتعاليم الإسلامية فنراه يبتعد عن الغزل الحسي ويتوجه إلى العتاب وذكر الطيف ومثال على ما قاله في علوة بنت زريقة:
نَبَذَت مَكاتَبَتي وَرَدَّ رَسائِلي
وَتَبَدَّلَت مِصباحَها في المَسجِدِ
إِن كانَ سَفكُ دَمي بِغَيرِ جِنايَةٍ
يا عَلوَ مِنكِ عِبادَةً فَتَعَبَّدي
فَلَأَنتِ أَفتَنُ لِلقُلوبِ مِنَ الَّتي
عَرَضَت لِداوُودِ النَبِيِّ المُهتَدي
كما نراه في مقطوعات أخرى يعترف بأنه مُخطأ ويرجو العفو من المحبوب قبل دنو أجله ويشكو لهيب هذا العشق وما حلَّ به بسببه ويستخدم في ذلك تراكيب من رواد العذري مثل التوبة والعفو حيث ينشد:
أَتَيتُكَ تائِباً مِن كُلِّ ذَنبٍ
أُبادِرُ مُنيَتي وَحُلولَ رَمسي
أَسَأتُ فَأَنعِمي وَتَدارَكيني
بِعَفوٍ مِنكِ قَبلَ خُروجِ نَفسي
مَضى أَمسي وَقَد حُمِّلتُ جَهداً
وَأَصبَحتُ الغَداةَ بِحالِ أَمسي
أثر الإسلام في شعر الوصف لدى البحتري
كانت البيئة عند البحتري الملهم له ومنها يستمد أجمل اللوحات المزخرفة فنجده يتوجه إلى وصف الربيع والغيث وحتى الزهور والحيوانات، كما أسرت عقله مظاهر العمران فأُغرِم بوصفِ القصور، ومثال على ذلك قوله في إيوان كسري:
صُنتُ نَفسي عَمّا يُدَنِّسُ نَفسي
وَتَرَفَّعتُ عَن جَدا كُلِّ جِبسِ
وَتَماسَكتُ حينَ زَعزَعَني الدَهرُ
التِماساً مِنهُ لِتَعسي وَنَكسي
بُلَغٌ مِن صُبابَةِ العَيشِ عِندي
طَفَّفَتها الأَيّامُ تَطفيفَ بَخسِ
وَبَعيدٌ ما بَينَ وارِدِ رِفَهٍ
عَلَلٍ شُربُهُ وَوارِدِ خِمسِ
نرى أن البحتري يستمع في الوصف فهو وسيلته للتعبير وإفصاح ما يختلج صورهُ من مشاعر ونراه يصف الحيوانات لشدة تعلقه بالبيئة فيقول في الذئب:
وليل كأن الصبح في أخرياته
حُشاشة نصل ضم إفرنده غمد
تــسـربـلتـه والذئب يـقـظـان هـاجـع
بعين ابن ليل ما لها بالكارى عهدُ
أثـيـر القطــا الكدري عـن جثمات
هوتــالفــنـي فـيـه الثـعـالب والربـد
وأطلس مــلأ العـيـن يـحـمـل زوره
وأضلاعه مـن تـحـتـهـن شـوي نـهـد
وفي النهاية نستنتج إن الأثر الإسلامي كان ظاهرًا في أدب البحتري فنراه يستمد مفرداته وصوره من القرآن والسنة وبرز ذلك في مقطوعات المدح والغزل، وكذلك في رثائه حيث تناول فيها موضوع الشهادة وذكر مناقب المتوفى الإسلامية.