أثر التراث الجاهلي في شعر العصر الأموي

اقرأ في هذا المقال


الشعر هو عبارة عن مجلس العرب، فيه يتم تسجيل مآثرهم وبطولاتهم، ويعكسون من خلاله أشكال الحياة التي تسود في أي فترة من الزمن، وهذه الأشكال والأنماط من الحياة قد نتجت من البيئة التي نشأ فيها ذلك الشعر، قام الشعراء بتثبيتها وجعلها راسخة في شعرهم؛ للمفاخرة بها أمام أعدائهم، بالإضافة إلى المحافظة عليها من الضياع والاختفاء.

أثر التراث الجاهلي في شعر العصر الأموي

كان شعر الشعراء بما قاموا به من إبداع في الشعر ونسج القصائد، كالمساعد يمد ديوان ومجلس العرب ويغذيه ويطوره، حتى تداوله الناس بشكل عام، والشعراء بشكل خاص فكانوا يمعنون فيه، ويقومون بحفظه وروايته، ويكون لهم كوسيلة لتهذيب النفس وصقل المواهب، ووسيلة للتعلم والتثقيف، وكذلك لينشروه وينشروه بين الناس.

فقد كان من يريد أن ينظم الشعر وصياغته يرافق شاعرًا معيناً يروي عنه شعره، ويظل يغرف منه شعرًا، يروي له شعره ويروي لغيره حتى يُبرى لسانه، ويفيض عليه الإبداع ومَلكات الشعر، وبالتالي تتنامى مواهبه عن طريقه.

وقد كان التثقف من الشعر، والتعرف على شعر الآخرين والتعلم منه، لا يقف عند حد فترة من الفترات بعينها؛ إذ لا يمكننا تصور شاعر عظيم في الجاهلية أو في الإسلام، لم يعبر مرحلة رواية الشعر عن غيره، يقوم من خلالها بالاطلاع على إنتاج الشعراء، ويحفظ عن طريقه إبداعهم من شعر ومقاطع.

وكل هذه الأمور من شأنها أن ترفع من الرصيد اللغوي والفني لديه، وتساعد في إغناء ثقافته الأدبية، وهكذا اتجه اهتمام الشعراء الأمويين إلى الشعر الجاهلي، لكي يتزودوا منه، ويقومون بالاطلاع على الإبداع فيه، والتي تركها لهم من سبقهم من الشعراء، بوصفها القاعدة التي أطلق من خلالها محور الشعر العربي في العهود المتعددة، وهو الثروة المتأصلة في ثقافة اللغة العربية التي تم الاستعانة بها على تفسير القرآن الكريم، وضبط ألفاظه وفهم المعاني فيه.

ولم تكن رواية الشعر بالرغم من أهميتها هي المصدر الوحيد للتوصل إلى المؤثرات الجاهلية إلى العصر الأموي، وإنما وصلت كذلك من خلال أناس عاشوا في الجاهلية، وقد وصل بهم عمرهم إلى وسط عهد صدر الإسلام وما بعده، وهذا يعني أن الكثير من الأخبار والأشعار في الجاهلية، قد وصلت بشكل مباشر إلى الشعراء الأمويين، من الذين عاشوا هذه الفترة، أمثال الفرزدق
والكميت.

أما الفرزدق فقد كان من رواة شعر امرؤ القيس ونقل أخباره، بالإضافة إلى أنه قد قد قام بلقاء الحطيئة بالحجاز في زمن معاوية، وليس ببعيد أن يكون قد سمع منه من أشعاره، كذلك لقد سمع من بعض الشعراء العظماء أشعارهم.

أما الكميت فقد كانت له جدتان قد عاشتا وعاصرتا في الجاهلية، فكانتا تقومان بإخباره بما يود سماعه عن شعراء الجاهلية وشعرهم، فقد كانتا له بمثابة المصدر المهم الموثوق من مصادر ثقافته اللغوية والشعرية.

وبهذا فقد تعددت مصادر الثقافة عند الشعراء الأمويين، واختلفت من شاعر إلى آخر، فقد يكون ذلك بالتعرف على الأعمال الشعرية للشعراء، أو من خلال رواية شعر من قبلهم، يقول سراقة البارقي:

ولقد أصبت من القريض طريقة …

أعيت مصادرها قريب مهلهل

بعد امرئ القيس المنوه باسمه 

أيام يهذي بالدخول فحومل

وأبو دواد كان شاعر أمة …

أفلت نجومهم ولما يأفل

وأبو ذؤيب قد أذل صعابه …

“لا ينصبنك” رابض لم يذلل

وأرادها حسان يوم تعرضت …

بردى يصفق بالرحيق السلسل

ثم ابنه من بعده فتمنعت …

وإخال أن قرينه لم يخذل

وبنو أبي سلمى يقصر سعيهم …

عنا كما قصرت ذراعا جرول

وأبو بصير ثم لم يبصر بها …

إذ حل من وادي القريض بمحفل

واذكر لبيدًا في الفحول وحاتمًا …

سيلومك الشعراء إن لم تفعل

ومعقرًا فاذكر وإن ألوى به …

ريب المنون وطائر بالأخيل

وأمية البحر الذي في شعره …

حكم كوحيٍ في الزبور مفصل

فالشاعر يعترف بالاطلاع على أشعار من قبله من الشعراء الجاهليين العظماء، الذين نهل منهم أصول نظم الشعر، ويظل ينهل من أشعارهم ويحفظها، حتى إذا اكتملت عنده عناصر الشعر، وبدأ الشعر ينساب على لسانه، ونمت موهبته الشعرية، وجدناه قد جاراهم أو حتى قام بالتفوق عليهم في النظم.

وعلى الرغم من تعدد أنماطهم الفنية واختلاف أساليبهم في انظم الشعر، إلا أنه قد وجد مكانه بينهم، مكان خاص به ومسمى باسمه مختلفاً عن السابقين له واللاحقين.


شارك المقالة: