اقرأ في هذا المقال
- فلسفة برادلي في جزء الأحكام من المنطق
- فلسفة برادلي في جزء الحكم من المنطق
- فلسفة برادلي في جزء الاستدلال من المنطق
تقليدياً جاءت كتب المنطق مقسمة إلى ثلاثة أجزاء وتتناول على التوالي مفهوم عادة عن طريق الأفكار والمكونات التقليدية للأحكام والحكم والاستدلال، ويرث برادلي هذا التقليد ويحوّله على حد سواء مع الحفاظ على الشكل المكوّن من ثلاثة أجزاء ولكن يخصص الجزء الأول للحكم والجء الثاني والثالث للاستدلال، وبالتالي إسقاط المعالجة المنفصلة للتصور والإدراك والفكرة.
فلسفة برادلي في جزء الأحكام من المنطق:
هذا مهم لأنّه يعكس رفضه لوجهة النظر القياسية القائلة بأنّ الأحكام تتشكل من خلال أفكار مرتبطة بطريقة ما، حيث على سبيل المثال الادعاء الأرسطي لـ (Port-Royal Logic) بأنّها تتكون بالضرورة من ثلاثة عناصر، الموضوع، الفكرة والسمة والانضمام إلى هاتين الفكرتين، ويهاجم برادلي مثل هذه المذاهب على أكثر من جبهة.
كما يجادل على سبيل المثال بأنّ أولئك الذين مثل ديفيد هيوم يعتقدون أنّ الأحكام تتكون من أفكار قابلة للفصل، ويفشلون في تحديد معنى (لفكرة) حيث تكون الأفكار مهمة للمنطق، فالأفكار بهذا المعنى ليست أحداثًا نفسية منفصلة وقابلة للتاريخ (مثل تصور الفرد عن القوس القزح الآن) ولكن المسلمات المجردة.
بمجرد فهم الأفكار بشكل صحيح كما يقترح لم يعد من الممكن اعتبارها ككيانات فردية ومستقلة بشكل متبادل يمكن تجميعها معًا لإنشاء حكم (كما يؤكد جون لوك في الفصل الرابع عشر من الكتاب الرابع من مقال يتعلق بالفهم البشري)، حيث ترتيب التبعية هو عكس ذلك والأفكار هي تجريدية من أحكام كاملة.
ويمكن الإشارة إلى هذه النظرية على نحو ملائم بالنظرية الأحادية للحكم، حيث أنّ الموازاة مع وجهات نظر برادلي الميتافيزيقية واضحة على الفور، وإنّ رفض المواد المستقلة التي تجمعها العلاقات العلائقية يسير جنبًا إلى جنب مع رفض الأفكار المستقلة التي تجمعها الروابط.
من الواضح أيضًا أنّ التحدي الذي يمثله هذا بالنسبة للمفاهيم السابقة للتحليل مثل تحلل المركب إلى مكوناته البسيطة، لأنّه لا توجد مكونات لتبدأ من وجهة النظر هذه، وهنا وإن كان في مفرداته القديمة يحدد برادلي مسبقًا الصعوبات التي واجهها راسل لاحقًا في محاولته التوفيق بين وحدة الاقتراح مع ما كان يعتقد أنّه الاستقلال المتبادل لمكوناته وهي الصعوبات التي ظهرت في مظهر آخر لفريج (Frege) في محاولته الحفاظ على تقسيم صارم بين المفاهيم والأشياء.
فكر برادلي في الربط بين اللغة والأفكار العامة:
علاوة على ذلك نظرًا لأنّ الأفكار هي عامة فإنّ روايات مثل تلك الخاصة بـ (Port-Royal) تجعل من المستحيل رؤية كيف يمكن أن يكون الحكم على الواقع، ونظرًا لأنّ أفكاره تمثل أنواعًا من الأشياء في حين أنّ تلك الأشياء الحقيقية نفسها خاصة، حيث طالما أنّ الحكم يقتصر على الأفكار فلا يمكن أن يكون هناك تعريف فريد لأي عنصر نحكم عليه.
يطبق برادلي النقطة على اللغة بحجة أنّه حتى الأسماء الصحيحة نحويًا والمظاهر التوضيحية هي مصطلحات عامة مقنعة، وحتى المواصفات المكانية والزمانية (X ككائن: حدث يحتل الموقع Z في الوقت Y) تفشل كمبادئ لا لبس فيها للتمييز، حيث سيكونون قادرين بالفعل على تمييز كائنات وأحداث معينة بنجاح داخل سلسلة زمانية مكانية معينة، ومع ذلك لن يكونوا قادرين على التفريق بين سلسلة زمانية مكانية وأخرى، والنتيجة النهائية هي أنّه لا يمكن تحديد المرجع من حيث اللغة والأوصاف المجردة فقط، بل إنّه يفترض مسبقًا مواجهة فورية في الواقع من خلال تجربتنا.
يبدو أنّ هذه الأفكار تتنبأ بتطبيق نظرية الأوصاف الخاصة براسل والتي تُستخدم فيها لإزالة الأسماء النحوية لصالح الجمل العامة الكمية، وسواء كان هذا هو أصل هذه النظرية أم لا فلا شك في حالة أخرى، حيث راسل الذي ادعى في المراسلات أنّه قرأ المبادئ عن كثب اعترف صراحةً بأنّه مقتنع بحجة برادلي بأنّ الشكل المنطقي للجمل العامة هو افتراض (بحيث يُفهم على سبيل المثال جملة (كل الأبقار تأكل العشب) على أنّها تقول (إذا كان أي شيء بقرة فهو يأكل العشب).
وبهذه الطريقة كان لبرادلي تأثير كبير وإن كان غير مباشر على حساب التفاضل والتكامل الأصلي، ولا ينبغي المبالغة في التأكيد على دوره كنذير للمنطق الحديث لأنّه يقر بأنّ تفسير الجمل العالمية على أنّها افتراضية قد اقترح عليه من خلال قراءته لهربرت.
فلسفة برادلي في جزء الحكم من المنطق:
إنّ حساب برادلي الخاص للحكم هو أنّه: “الفعل الذي يشير إلى محتوى مثالي حيث إلى واقع يتجاوز الفعل”، بحيث يكون الشكل المنطقي لكل حكم هو: “الواقع هو، إذا كان أي شيء S فهو كذلك P”، وهذه الصيغة تجعل ما هو متناقض ظاهريًا في برادلي مفهومًا عندما يقول: “جميع الأحكام قاطعة لأنّها تؤكد جميعها على الواقع، وتؤكد محتواها من ذلك، ومرة أخرى كلها افتراضية لأنّه لا يمكن لأي منهم أن ينسب إلى الواقع محتواه دون قيد أو شرط “.
ليس من الصعب أن نرى في هذا توقعًا غير رسمي لتمثيل الجمل من حيث مزيج من محدد كمي عالمي ومتغيرات موضوعية ومسند، فعند وضع المرء في اعتباره أيضًا معالجة برادلي للجمل المتعلقة بالكيانات الخيالية مثل (لا توجد أشباح)، ففي تحليل برادلي تبين أنّ هذا شكل مكثف لالواقع ليس مكانًا تتواجد فيه الأشباح.
يرى المرء هنا التشابه الوثيق مع نظرية الأوصاف لراسل حيث أنّ الوجود السلبي مثل بيغاسوس (حصان مجنح خيالي) غير موجود، وليس بيانًا عن بيغاسوس غير موجود، ولكنه يؤكد ببساطة أنّ عالم الخطاب (تلعب الآن الوظيفة المنطقية لواقع لبرادلي) لا يحتوي على أي أفراد يمتلكون كل السمات المنسوبة إلى بيغاسوس في كتب الأساطير، (هنا كما في أي مكان آخر يتطلع الكتاب إلى الأمام وكذلك إلى الخلف).
على الرغم من هذه الخطوات المهمة في اتجاه النظريات المنطقية اللاحقة فمن المبالغة الادعاء كما فعل البعض أنّ قيود برادلي على حساب الحكم كمزيج من الأفكار تعني أنّه يعارض بشكل مباشر علم النفس في المنطق، لأنّه من الواضح أنّه يعتقد أنّ موضوع المنطق هو أفعال عقلية وليس جمل أو تصريحات، وهذا واضح بالفعل في تعريفه للحكم على أنّه: “الفعل الذي يشير إلى محتوى مثالي وإلى واقع يتجاوز الفعل”.
فلسفة برادلي في جزء الاستدلال من المنطق:
يواصل برادلي انتقاد المنطق التقليدي عندما يتحول من الحكم إلى الاستدلال، تمامًا كما رفض الرواية الأرسطية للأحكام كمجموعات من الذات والمسند، حيث إنّه يرفض القياس الأرسطي (لنفس السبب الذي رفض لاحقًا شرائع ميل في الاستقراء) وذلك إنّه يغفل حقيقة أنّ التفكير لا يمكن أن يحدث إلّا من خلال العمومية التي ينطوي عليها المسلمات.
وبالتالي فإنّ الكليات ضرورية للاستدلال، ولهذا السبب فإنّ تفسير ديفيد هيوم للاستدلال من حيث ارتباط الأفكار ينهار، كما أنّ أفكار هيوم هي تفاصيل وحلقات عابرة لا يمكن إحياؤها عن طريق الارتباط، وهذا لا يعني أنّ الربط بين الأفكار أمر مستحيل لكن الارتباط الحقيقي (الذي يسميه برادلي إعادة الدمج) يمكن أن يشمل فقط عامة.
من المثير للدهشة بالنسبة لأولئك الذين يؤيدون الرأي العام الذي بثه راسل لأول مرة في عام 1900 في عرض نقدي لفلسفة لايبنتز (Leibniz) وتكرار ذلك كثيرًا بعد ذلك، حيث أنّ برادلي اعتقد أنّ جميع الأحكام ذات شكل موضوعي ومسند وبالتالي فشل في الاعتراف بالأحكام العلائقية على أنّها من النوع المتميز، وتشمل معالجة برادلي للاستدلال الشكوى من أنّ المنطق الرياضي في عصره لا يمكن أن يمثل استنتاجات علائقية صالحة.
إنّ تفسيره المبدئي للاستدلال هو أنّه تجربة مثالية، ويعد (مثالية) من حيث أنّ هذه تجارب فكرية تظل في مجال الفكرة ولكن مع ذلك فإنّ التجارب من حيث أنّ نتائجها ليست مضمونة مسبقًا بمجموعة كاملة من القوانين المنطقية التي تحدد بشكل معصوم تطبيقاتها الخاصة، ولكن في وقت لاحق بعد دراسة طويلة ومتشابكة لمسألة كيف يمكن أن ينعكس الاستدلال الاستنتاجي في الواقع توصل إلى حساب منقح حيث كل استنتاج هو التطور الذاتي المثالي لشيء يؤخذ على أنّه حقيقي.
ويبدو أنّ برادلي هنا يتبع فكرة ديفيد هيوم القائلة بأنّه لا توجد علاقات منطقية بين الوجود المتميز، والسبب في إمكانية انعكاس الاستدلال الصحيح في الواقع هو أنّه لا يمكن أبدًا أن يأخذ أحدًا خارج الموضوع الأصلي.
الكثير من مبادئ المنطق جدلية وهي تقدم أمثلة عرضية لبرادلي في أطرف صوره وأكثرها لاذعًا، مثل هذه الملاحظة لفصل قصير ينتقد وجهة نظر هربرت سبنسر لطبيعة الاستدلال:
“فيما يتعلق برأي السيد سبنسر أود أن أقترح كاحتمال على أنّه لم يتم أخذها من الحقائق مطلقًا، ولكنها كانت تطورًا أو من شيء حول المقارنة وجده في هاملتون، وبقراءة القليل من الكتب كان السيد سبنسر بطبيعة الحال تحت رحمة أولئك الذين قرأهم”.
وهذا التمرير السريع على هاميلتون نفسه:
“قد يسمى هذا قانون إعادة الإدماج، لأننا قد نأخذ هذا الاسم من السير دبليو هاميلتون، بعد أن وجدنا شيئًا آخر يمكننا أخذه”.