يصف أرسطو الفضيلة الأخلاقية بأنّها (hexis) والتي تعني حالة أو شرط أو تغير أو تصرف، أي الميل أو النزعة التي تحفزها عادات الإنسان للحصول على مشاعر مناسبة، وأيضًا حالات الشخصية المعيبة هي (hexeis) -في صيغة الجمع- لكنها تميل إلى الشعور بمشاعر غير مناسبة، بحيث تكمن أهمية توصيف أرسطو لهذه الحالات على أنّها (hexeis) في رفضه القاطع للأطروحة الموجودة في حوارات أفلاطون المبكرة، القائلة بأنّ الفضيلة ليست سوى نوع من المعرفة والرذيلة ليست سوى نقص في المعرفة.
على الرغم من أنّ أرسطو كثيرًا ما يرسم تشابهات بين الحرف والفضائل، وكذلك بالمثل بين الصحة الجسدية والقيمة الجيدة، فإنّه يصر على أنّ الفضائل تختلف عن الحرف وجميع فروع المعرفة من حيث أنّ الأولى تنطوي على استجابات عاطفية مناسبة وليست ظروفًا فكرية بحتة.
عقيدة المتوسط في فلسفة أرسطو الأخلاقية:
في فلسفة أرسطو تكمن بإنّ كل فضيلة أخلاقية هي حالة وسيطة (أي الوسط الذهبي كما هو معروف عمومًا) بين حالتين أخريين، إحداهما تنطوي على فائض والأخرى نقص، وفي هذا الصدد يقول أرسطو لا تختلف الفضائل عن المهارات الفنية فكل عامل ماهر يعرف كيف يتجنب الإفراط والنقص وهو في حالة وسيطة بين طرفين.
فالشجاع مثلًا يحكم على بعض الأخطار التي يجب مواجهتها والبعض الآخر لا، ويختبر الخوف إلى درجة تتناسب مع ظروفه، كما إنّه يقع بين الجبان الذي يهرب من كل خطر ويعاني من الخوف المفرط، وبين الشخص المتهور الذي يحكم على كل خطر يستحق المواجهة ويخشى القليل أو لا يخشى على الإطلاق.
يعتقد أرسطو أنّ هذه الطبوغرافيا نفسها تنطبق على كل فضيلة أخلاقية، حيث كلها موجودة على خريطة تضع الفضائل بين حالات الإفراط والنقص وهو حريص على أن يضيف، مع ذلك أنّ الوسيلة تُحدد بطريقة تأخذ في الاعتبار الظروف الخاصة للفرد، فالمتوسط الحسابي بين 10 و 2 هو 6 وهذا دائمًا ما يتم احتسابه، ولكن النقطة الوسيطة التي يختارها خبير في أي من الحرف اليدوية ستختلف من حالة إلى أخرى.
فلا توجد قاعدة عالمية على سبيل المثال حول مقدار الطعام الذي يجب أن يأكله الرياضي، وسيكون من العبث الاستنتاج من حقيقة أنّ 10 أرطال أكثر من اللازم، و 2 رطل قليل جدًا بالنسبة للرياضي لدرجة أنّه يجب أن يأكل 6 أرطال، والعثور على الوسيلة في أي موقف ليس إجراء ميكانيكيًا أو غير مدروس، ولكنه يتطلب معرفة كاملة ومفصلة بالظروف.
يجب أن يكون واضحًا أنّ معاملة أرسطو للفضائل على أنّها حالات المتوسط تؤيد فكرة أنّه يجب أن يكون لدى المرء أحيانًا مشاعر قوية، فعندما يستدعي وضعنا هذه المشاعر أحيانًا تكون درجة صغيرة من الغضب مناسبة، ولكن في أوقات أخرى تستدعي الظروف غضبًا شديدًا، المقدار الصحيح ليس كمية بين الصفر وأعلى مستوى ممكن، بل الكمية مهما كانت تتناسب مع خطورة الموقف.
بالطبع أرسطو ملتزم بالقول إنّ الغضب لا ينبغي أبدًا أن يصل إلى النقطة التي يقوض فيها العقل، وهذا يعني أنّ الشغف يجب أن يقصر دائمًا عن الحد الأقصى الذي نفقد فيه السيطرة، ولكن من الممكن أن يكون المرء غاضبًا جدًا دون الذهاب إلى هذا الحد ولا ينوي أرسطو إنكار ذلك.
أرسطو وأطروحات الوسط ونقدها:
نظرية المتوسط مفتوحة للعديد من الاعتراضات ولكن قبل النظر فيها يجب أن ندرك أنّه في الواقع توجد أطروحتان مختلفتان يمكن تسمية كل منهما بعقيدة الوسط:
1- هناك فرضية أنّ كل فضيلة هي حالة تقع بين رذيلتين إحداهما فائضة والأخرى نقص.
2- هناك فكرة أنّه عندما يختار الشخص الفاضل القيام بعمل فاضل، يمكن وصفه بأنّه يهدف إلى فعل ما هو بطريقة أو بأخرى وسيط بين البدائل التي يرفضها.
وهذه هي الأطروحة الثانية التي من المرجح أن يتم اعتبارها مرفوضة، فقد يقر الناقد أنّه في بعض الحالات يمكن وصف الأعمال الفاضلة بمصطلحات أرسطو، وإذا حاول المرء على سبيل المثال تحديد المبلغ الذي يجب إنفاقه على هدية زفاف فإنّه يبحث عن مبلغ ليس مفرطًا ولا ناقصًا، ولكن من المؤكد أنّ العديد من المشكلات الأخرى التي تواجه عاملًا فاضلاً ليست عرضة لهذا التحليل الكمي.
فإذا كان يجب على المرء أن يقرر ما إذا كان سيحضر حفل زفاف أو يحترم التزامًا منافسًا بدلاً من ذلك، فلن يكون من المفيد وصف ذلك بأنّه بحث عن وسط بين طرفي نقيض، إلّا إذا أصبحت عبارة: “تهدف إلى المتوسط” مجرد عبارة أخرى لمحاولة اتخاذ القرار الصحيح.
يجب أن يقول دفاع أرسطو أنّ الشخص الفاضل يهدف بعد كل شيء إلى الوسط، وذلك إذا سمحنا بمفهوم واسع بما يكفي لنوع الهدف المتضمن.
على سبيل المثال في مواجهة المواقف التي تثير الغضب يجب على الفاعل الفاضل تحديد الإجراء (إن وجد) الذي يجب اتخاذه ردًا على الإهانة، وعلى الرغم من أنّ هذا ليس سؤالًا كميًا في حد ذاته، فإنّ محاولته للإجابة بشكل صحيح تتطلب منه أن يكون لديه الدرجة المناسبة من الاهتمام بمكانته كعضو في المجتمع، وإنّه يهدف إلى الوسط بمعنى أنّه يبحث عن استجابة تتجنب الكثير أو القليل من الاهتمام بالعوامل التي يجب أخذها في الاعتبار عند اتخاذ قرار حكيم.
ربما يمكن أن تثار صعوبة أكبر إذا تم السؤال كيف يحدد أرسطو أي المشاعر تحكمها عقيدة الوسط، وعند التفكير في شخص يحب المصارعة على سبيل المثال فهل هذا الشغف شيء يجب أن يشعر به كل إنسان في الأوقات المناسبة وبالدرجة المناسبة؟ من المؤكد أنّ الشخص الذي لم يشعر أبدًا بهذه المشاعر بأي درجة يمكنه أن يعيش حياة سعيدة تمامًا.
لكن لماذا إذن لا نقول الشيء نفسه عن بعض المشاعر التي يبنيها أرسطو في تحليله للعامل الفاضل أخلاقياً؟ ولماذا يجب أن نشعر بالغضب على الإطلاق أو الخوف أو درجة الاهتمام بالثروة والشرف الذي يمدحه أرسطو؟ هذه هي بالضبط الأسئلة التي طرحها الرواقيون في العصور القديمة، وتوصلوا إلى استنتاج مفاده أنّ المشاعر الشائعة مثل الغضب والخوف هي دائمًا غير مناسبة.
يفترض أرسطو على العكس من ذلك أنّه ليس فقط أنّ هذه المشاعر المشتركة تكون مناسبة في بعض الأحيان، ولكن من الضروري أن يتعلم كل إنسان كيف يتقنها ويختبرها بالطريقة الصحيحة في الأوقات المناسبة، إنّ الدفاع عن منصبه يجب أن يُظهر أنّ المشاعر التي تظهر في وصفه للفضائل هي مكونات قيّمة لأي حياة بشرية تعيش حياة جيدة عندما يتم تجربتها بشكل صحيح، وربما يمكن تنفيذ مثل هذا المشروع لكن أرسطو نفسه لا يحاول القيام بذلك.
غالبًا ما يقول في سياق مناقشته أنّه عندما يختار الشخص الصالح التصرف بذكاء، فإنّه يفعل ذلك من أجل (kalon) وهي كلمة يمكن أن تعني جميل أو نبيل أو جيد، ويشير هذا المصطلح إلى أنّ أرسطو يرى في النشاط الأخلاقي عامل جذب يمكن مقارنته بجمال المصنوعات اليدوية جيدة الصنع، بما في ذلك القطع الأثرية مثل الشعر والموسيقى والدراما.
ويستخلص هذا التشبيه في مناقشته للوسط عندما يقول أنّ كل حرفة تحاول إنتاج عمل لا ينبغي أن يُسحب منه أي شيء ولا يُضاف إليه أي شيء آخر، وعندما يتم تصميم المنتج الحرفي وإنتاجه بشكل جيد بواسطة حرفي جيد، فإنّه لا يكون مفيدًا فحسب، ولكنه يحتوي أيضًا على عناصر مثل التوازن والتناسب والانسجام فهذه خصائص تساعد في جعله مفيدًا.
وبالمثل يرى أرسطو أنّ المشروع الذي يتم تنفيذه جيدًا والذي يعبر عن الفضائل الأخلاقية لن يكون مفيدًا فحسب بل سيكون كالون (kalon) أيضًا لأنّ التوازن الذي يحققه هو جزء مما يجعله مفيدًا، ويجب على الشاب الذي يتعلم اكتساب الفضائل أن يطور حبًا لفعل ما هو (kalon) ونفور قوي من نقيضه الآيزارون (aischron) المخزي والقبيح، فمن الصعب تحديد ما هو كالون، فنفور الإنسان العادي من احتضان الصعوبات يساعد في تفسير ندرة الفضيلة.