الكلمة نفسها أقدم بكثير ومع ذلك تعود إلى القرن الثامن عشر على الأقل عندما طبقها عالم الرياضيات والفيلسوف الألماني السويسري يوهان هاينريش لامبرت على ذلك الجزء من نظريته في المعرفة التي تميز الحقيقة عن الوهم والخطأ، وفي القرن التاسع عشر ارتبطت الكلمة أساسًا بـ Phenomenology of Mind 1807 لجورج فيلهلم فريدريش هيجل الذي تتبع تطور الروح البشرية من مجرد تجربة حسية إلى (معرفة مطلقة)، ومع ذلك فإنّ ما يسمى بالحركة الظاهراتية لم تبدأ حتى أوائل القرن العشرين، ولكن حتى هذه الظواهر الجديدة تضمنت العديد من الأصناف التي تتطلب التوصيف الشامل للموضوع دراستها.
هورسل مؤسس علم الظواهر:
لم يتم تأسيس علم الظواهر، إنّما كان هوسرل منبعها، الذي شغل مناصب الأستاذية في غوتنغن وفريبورغ إم بريسغاو وكتب Die Idee der Phänomenologie (فكرة الظواهر) في عام 1906، ومع ذلك حتى بالنسبة لهوسرل، فإنّ مفهوم الفينومينولوجيا كطريقة جديدة تهدف إلى توفير أساس جديد لأنّ كلاً من الفلسفة والعلوم تطورتا تدريجيًا واستمرت في التغير حتى نهاية حياته المهنية.
تم تدريب هوسرل كعالم رياضيات وقد انجذب إلى الفلسفة برينتانو، الذي بدا أنّ علم النفس الوصفي الخاص به يقدم أساسًا متينًا للفلسفة العلمية، حيث كان مفهوم القصدية ووتوجيه الوعي تجاه شيء ما، وهو مفهوم أساسي في الفينومينولوجيا وموجودًا بالفعل في كتاب علم النفس من وجهة نظر تجريبية – Brentano’s Psychologie vom empirischen Standpunkte.
وبالتالي يمكننا تحديد الظواهر النفسية من خلال بالقول إنها تلك الظواهر التي على وجه التحديد تحتوي على شيء في حد ذاتها، فقد فصل برينتانو نفسه هنا عن الفيلسوف الأسكتلندي السير ويليام هاملتون المعروف بفلسفته عن (غير المشروط)، والذي أرجع طابع القصد إلى مجالات الفكر والرغبة فقط إلى استبعاد الشعور.
يمكن العثور على نقطة انطلاق تحقيق هوسرل في أطروحة (Über den Begriff der Zahl (1887 – فيما يتعلق بمفهوم العدد، والتي تم توسيعها لاحقًا إلى Philosophie der Arithmetik: Psychologische und logische Untersuchungen 1891 – فلسفة الحساب: علم النفس والتحقيقات المنطقية.
فلم يتم العثور على الأرقام جاهزة في الطبيعة ولكنها ناتجة عن إنجاز عقلي، وهنا كان هوسرل منشغلًا بمسألة كيفية ظهور شيء مثل تكوين الأرقام، وهذه الرسالة مهمة لتطوير هوسرل اللاحق لسببين:
- أولاً لأنّها تحتوي على الآثار الأولى لمفاهيم “انعكاس” و “دستور” و “وصف” و “الدستور التأسيسي للمعنى”، وهي المفاهيم التي لعبت لاحقًا دورًا سائد دور في فلسفة هوسرل.
- ثانيًا لأنّ نقد الكتاب من قبل المنطق الألماني جوتلوب فريجه، الذي اتهم هوسرل بالخلط بين الاعتبارات المنطقية والنفسية قاد هوسرل لاحقًا إلى تحليل ومناقشة نقدية لعلم النفس، والرأي القائل بأنّه يمكن استخدام علم النفس كأساس للمنطق البحت .
في المجلد الأول من (Logische Untersuchungen (1900–01 – التحقيقات المنطقية، بعنوان Prolegomena، بدأ هوسرل بنقد علم النفس، ومع ذلك استمر بإجراء تحقيق دقيق في الأفعال النفسية التي يتم من خلالها تقديم الهياكل المنطقية، ويمكن لهذه التحقيقات أيضًا أن تعطي انطباعًا بأنّها تحقيقات نفسية وصفية، على الرغم من أنّ المؤلف لم يتصورها بهذه الطريقة، لأنّ القضية المطروحة كانت اكتشاف البنية الأساسية لهذه الأفعال.
هنا تلقى مفهوم برينتانو عن القصد دلالة أكثر ثراءً وصقلًا والذي ميز هوسرل بين الحدس الإدراكي والفئوي وذكر أنّ موضوع الأخير يكمن في العلاقات المنطقية، فتمت صياغة الإهتمام الحقيقي للظواهر بشكل واضح لأول مرة في مقالته (Philosophie als strenge Wissenschaft (1910-1911 – الفلسفة كعلم صارم، وفي هذا العمل تصارع هوسرل مع وجهتي نظر غير مقبولتين: الطبيعية والتاريخية.
العلوم الطبيعية وعلم الظواهر:
يحاول المذهب الطبيعي تطبيق أساليب العلوم الطبيعية على جميع مجالات المعرفة الأخرى، بما في ذلك مجال الوعي يصبح بحيث يصبح العقل متجنسًا، على الرغم من أنّه يتم بعد ذلك محاولة إيجاد أساس للعلوم الإنسانية (Geisteswissenschaften) عن طريق علم النفس التجريبي، إلّا أنّه يثبت أنّه مستحيل لأنّه عند القيام بذلك لا يستطيع المرء أن يفهم بدقة ما هو على المحك في المعرفة كما هو موجود في العلوم الطبيعية.
ما يجب على الفيلسوف أن يفحصه هو العلاقة بين الوعي والكينونة، وعند القيام بذلك يجب أن يدرك أنّه من وجهة نظر المعرفة فإنّ الوجود يمكن الوصول إليه فقط من خلال ارتباط الأفعال الواعية، لذلك يجب عليه أن ينتبه جيدًا لما يحدث في هذه الأفعال، ولا يمكن القيام بذلك إلّا عن طريق العلم الذي يحاول فهم جوهر الوعي وهذه هي المهمة التي حددتها الفينومينولوجيا لنفسها.
نظرًا لأنّ توضيح الأنواع المختلفة من الأشياء يجب أن يتبع من الأنماط الأساسية للوعي، فقد ظل فكر هوسرل قريبًا من علم النفس على النقيض مما هو عليه الحال في علم النفس، وعلى أية حال في الفينومينولوجيا الوعي يتم تحديد موضوعه بطريقة خاصة ومحددة للغاية، بمعنى فقط بقدر ما يكون الوعي هو المكان الذي يجب أن تحدث فيه كل طريقة لتكوين وتأسيس المعنى.
في حدس الإنسان يجب إعطاء الأحداث الواعية على الفور من أجل تجنب تقديم تفسيرات معينة وفي نفس الوقت يجب استيعاب طبيعة مثل هذه العمليات مثل الإدراك والتمثيل والخيال والحكم والشعور في هبة الذات على الفور، إنّ دعوة (للأشياء نفسها) ليست مطالبة بالواقعية، لأنّ الأشياء على المحك هي أفعال الوعي والكيانات الموضوعية التي تتشكل فيها وهذه الأشياء تشكل عالم ما يسميه هوسرل الظواهر.
وبالتالي فإنّ موضوعات علم الظواهر هي (بيانات مطلقة يتم استيعابها في حدس نقي وجوهري)، وهدفها هو اكتشاف الهياكل الأساسية للأفعال (noesis) والكيانات الموضوعية التي تتوافق معها (noema).
علم التاريخ وعلم الظواهر:
ومن ناحية أخرى يجب أيضًا التمييز بين الفينومينولوجيا والتاريخية وهي فلسفة تشدد على انغماس جميع المفكرين في سياق تاريخي معين، والذي عارض هوسرل التأريخية لأنّها توحي بالنسبية، وأعطى الفضل للفيلسوف الألماني فيلهلم ديلثي مؤلف كتاب (Entwürfe zur Kritik der historyischen Vernunft – الخطوط العريضة لنقد السبب التاريخي)، لأنّه طور نموذجًا لوجهات النظر العالمية لكنّه شك بل ورفض الشك الذي يتدفق بالضرورة من نسبية الأنواع المختلفة.
يهتم التاريخ بالحقائق بينما تتعامل الفينومينولوجيا مع معرفة الجواهر، وبالنسبة إلى هوسرل كانت عقيدة ديلثي حول وجهات النظر العالمية غير قادرة على تحقيق الدقة التي يتطلبها العلم الحقيقي، وعلى عكس كل الميول العملية الموجودة في وجهات النظر العالمية طالب هوسرل بتأسيس الفلسفة كعلم صارم، تتضمن مهمتها أنّه لا ينبغي قبول أي شيء كما سبق تقديمه ولكن يجب على الفيلسوف محاولة إيجاد طريق العودة إلى البدايات الحقيقية.
هذا يعادل القول مع ذلك أنّه يجب أن يحاول إيجاد الطريق إلى أسس المعنى الموجودة في الوعي، تمامًا كما هو الحال بالنسبة للفيلسوف الألماني في عصر التنويرإيمانويل كانط فإنّ التجريبية لها صلاحية نسبية فقط وليست مطلقًا أو مصداقية، لذا فإنّ ما يجب البحث عنه بالنسبة لهوسرل أيضًا هو معرفة علمية بالجواهر متناقضة مع المعرفة العلمية للحقائق.