أفكار برادلي الأخلاقية

اقرأ في هذا المقال


إنّ التصور الشائع الذي يوضحه أخلاقيات العمل الفلسفي للفيلسوف فرانسيس هربرت برادلي “محطتي وواجباته” يعبر عن موقف برادلي من مسألة طبيعة الأخلاق، حيث عندما يؤخذ الهيكل الديالكتيكي للدراسات الأخلاقية في الاعتبار، فإنّ التصور العام ليس فقط موضع تساؤل، ولكنه يظهر أيضًا أنّه عند استجواب طبيعة الأخلاق فإنّ اهتمام برادلي يتجاوز الأمور الأخلاقية فقط بقدر ما، فمن وجهة نظر برادلي فإنّ مسألة طبيعة الأخلاق تنطوي حتما على السؤال الأكبر المتعلق بعلاقة الأخلاق بالدين، وكذلك الدين بالفلسفة.

وهكذا في التأكيد على ادعاء الأخلاق المثالية ضد تأليه وتمجيد الأخلاق الاجتماعية فإنّ محاولة برادلي هي تقديم منظور أكبر لوجود الأخلاق نفسها، لأنّها تتعلق بمسألة طبيعة الحقيقة المطلقة، ومن المفارقات كذلك أن يستنتج برادلي عن طريق معاداة الذروة أنّ أعلى وجهة نظر حول الأخلاق لا تزال غير ملائمة للمسألة نظرًا لأنّ الأخلاق بطبيعتها متناقضة.

مفهوم الفردية في النظريات الأخلاقية:

كلتا هاتين النظرتين -مذهب المتعة وعلم الأخلاق- تقارب الأخلاق من منظور الفرد، ويتم التعامل مع هذا الفرد كعامل أخلاقي كامل التكوين ومستقل عن أي علاقات اجتماعية، وكل منهم قادر على تحديد ما هو مطلوب أخلاقيًا من خلال استشارة مبدأ رسمي في أذهانهم (على سبيل المثال الحتمية الكانطية القاطعة) أو حالات الشعور الخاصة بهم.

في الاستجابة للفردانية التي يعتقد أنّها تستند في النهاية إلى نظرية خاطئة عن الطبيعة البشرية، فإنّ قلق برادلي فيما يتعلق بالأخلاق هو أنّها تعكس نوعًا من العداء الأناني للآخرين مما يجعل الأخلاق مستحيلة، أي إذا كانت الذات هي تدرك أنّها ذرة وحدة تنفر وحدات أخرى، ولا يمكن أن يكون لها شيء في حد ذاتها سوى ما هو حصريًا ومشاعرها ولذتها وألمها، فمن المؤكد أنّها يمكن أن تتحمل الآخرين بملذاتهم وآلامهم فقط في علاقة خارجية، وبما أنّ هذه هي الغاية فلا بد أن يكون الآخرون الوسيلة ولا شيء غير الوسيلة.

برادلي ونظرية الشمولية:

على هذا الأساس فإنّ الأخلاق مستحيلة، وهو إنّه مستحيل لأنّه بما أنّ الأخلاق تتطلب أن تكون عضويًا كاملًا فإنّ العلاقات الاجتماعية هي هزيمة خارجية لذلك الهدف، وإنّ نوع المواجهة الفردية الذي يؤكد فيه كل شخص إرادته ضد إرادة الآخرين يولد الموقف غير المحتمل الذي تعتبره النظريات التعاقدية دافعًا لإنشاء العقد الاجتماعي والذي بدوره يصبح شكلاً آخر من أشكال القيد الخارجي على الأفراد الذي يمنع المجتمع من أن يصبح أي شيء آخر غير مجرد مجموعة من الأفراد الذريين الأنانيين.

على عكس الفردية يؤيد برادلي نظرية الشمولية (تعتقد هذه النظرية أنّ الأجزاء المختلفة من الكل مرتبطة ارتباطًا وثيقًا، لذلك لا يمكن أن توجد بشكل فردي ومستقل عن الكل، وكذلك لا نستطيع فهمها دون العودة إلى الكل، لذلك تعتبر أكبر من مجموع الكل، والتي عادة ما تنطبق هذه النظرية على الحالة المرتبطة بالعقلية واللغات والبيئات)، والتي عادة ما تركز المناقشات التي تدور حول الفردية والشمولية ضد بعضهما البعض إما على أسئلة حول التفسيرات أو على أسئلة حول الطبيعة الأساسية للكائنات الاجتماعية مثل البشر.

وتتخذ الفردية المنهجية موقفًا من أولها مدّعية أنّ تفسير سلوك الكيانات الجماعية أو الشركات يتطلب اختزالًا في معتقدات وأهداف ورغبات الأفراد الذين يشكلون تلك المجموعة.

برادلي والقصدية الجماعية:

كانت هناك مؤخرًا بعض الأدبيات المثيرة للاهتمام حول هذا النقاش والتي تم التعبير عنها من حيث ما إذا كان يمكن القول إنّ الشركات والمجموعات الأخرى لديها منظور (مجموعة من المعتقدات والقيم) بحيث يكون من المناسب القول أنّ الجماعة نفسها لديها معتقدات ورغبات وما إلى ذلك، مما يعرض شكلاً من أشكال القصدية الجماعية (نحن القصدية) لا يمكن اختزاله في الحالات الذهنية المقصودة لأعضائها.

على سبيل المثال النوايا المشتركة والمسؤولية الجماعية الفرنسية وويتستين (Wettstein)، ويتحدث برادلي أحيانًا عن المجتمع والدولة بطرق توحي بأنّه سيقبل موقف أنصار القصدية الجماعية وربما يجب أن يلتزم بها إذا استمرت حجة الشمولية الميتافيزيقية التي هي شاغله الرئيسي.

تدعي الأطروحة الميتافيزيقية أنّ الأفراد هم ما هم عليه بسبب علاقاتهم الاجتماعية، وإلى الحد الذي يقدم فيه برادلي أي شيء في طريق النقاش لهذا الموقف فإنّه يميل إلى الاعتماد بشكل كبير على الأدلة التجريبية التي توضح لنا أنّ الأشخاص الذين ولدوا في أوقات وأماكن مختلفة والذين ولدوا في هذه المجموعة الثقافية أو الدينية أو العرقية أو تلك سوف تميل إلى وراثة ممارسات ومواقف أولئك الذين تربوا على أيديهم.

كما إنّه يعتقد أنّ الأطفال يولدون ولديهم احتياجات ورغبات طبيعية معينة وبقوى وإمكانيات كامنة معينة، ولكن هذه الميول تحتاج إلى رعاية وبعض هذه الميول تحتاج إلى أن تكون حضارية والنتيجة هي هذه الميول المتحضرة، وإذا جاز لنا استخدام العبارة هي جزء من جوهر الطفل، والذي سيكون جزئيًا فقط (إذا الكل) يكون هو نفسه بدونهم، حيث إنّه مدين بها لأسلافه، وأسلافه مدينون لهم بالمجتمع.


شارك المقالة: