ألا من يشتري سهرا بنوم

اقرأ في هذا المقال


الأمم التي تحيا على وجه البسيطة تمتلك موروثًا ثقافيًّا يخصها، وكما إنه يجعلها تتفرد به عن غيرها، وهو بدوره يعبّر عن الكثير من الوقائع والمناسبات، التي حصلت خلال التاريخ، ولعل من أكثر أنواع التراث شهرة “الأمثال الشعبية” والحكم، ويقوم الناس باستخدام هذه الأمثال أو الحكم إذا مرّوا بظرف أو حدث مشابه للحدث الأصلي الذي قيلت فيه تلك الأمثال، فيعبرون عنه بمثل أو حكمة، وهكذا تبقى محفوظة، ويتداولها الناس جيلًا بعد جيل مع إضافة ما استجد من أمثال تعبر عن أحداث الحاضر، والمثل الذي سنتناوله لاحقًا، هو: “ألا من يشتري سهرًا بنوم”.

أصل مثل “ألا من يشتري سهرًا بنوم”:

للأمثال مكانة كبيرة عند العرب، يتناقلونها الجيل تلو الجيل، فهي تبدو كالتاج على رؤوسهم يورثونه أبناءهم؛ ولأن العرب كانوا أفصح أهل زمانهم لغة، وكثر فيهم الخطباء والشعراء الذين كانوا ينشدون الحكمة والشعر في كل موقف يقعون فيه، تفوقوا في إطلاق الأمثال والحكم، وهذا المثل لذي رعين الحميري، وهو الذي أنقذه من القتل، ولا عجب، فللأمثال قوة عُليا تحفظ أهلها أو تخسف بهم الأرض، فعلى حسب ما قيلت أو فيما قيلت يتحدد الأمر.

قصة مثل “ألا من يشتري سهرًا بنوم”:

أما قصة مثل “ألا من يشتري سهرًا بنوم” أن أحد ملوك حمير، وكان يُدعى “حسانًا”، وكان سيء السيرة باغيًا متجاوزًا كلّ حدّ، فتفرقت عنه حمير ولم تطعه، وإنما أغروا أخاه “عمرًا” بأن يقتله، ويتولى مكانه، ووعدوه حسن الطاعة والمؤازرة، وخيروه ما بين قتل أخيه وبقاء الملك في دارهم، أو عدم قتله، وثورتهم عليهم، فلان لهم عمرو ورغب في قتل أخيه، ولما أخذ يسأل مستشاريه في هذا الأمر شجعوه عليه، ولم ينهَه سوى ذو رعين الحميري، غير أنه لم ينتهِ ولم يسمع له، فكتب ذو رعين بضع كلمات في صحيفة وختمها، وأحكم غلقها، وطلب من عمرو أن يحفظها بخزانته إلى أن يحين وقتها.

قتل عمرو أخاه حسانًا، وتولى حكم حمير من بعدها، غير أنه لم يذق للراحة طعمًا، وأخذ ضميره يؤنبه واستعصى عليه النوم كلما رقد في فراشه، ولم يجد من يعالجه مما هو فيه من سهر وأرق، وحينها أفهمه الحكماء أنه ما قتل أحد أخاه أو قريبًا له، إلا حرم عليه النوم، وذاق من ضميره الأمرين، فقرر عمرو حينها أن يقتل كل من أشار عليه بقتل أخيه من زعماء حمير انتقامًا منهم.

لما جاء دور ذي رعين، قال له أيها الملك الكريم: “اعلم أني نصحتك بعدم قتل أخيك”، ونهيتك إلا أنك لم تستمع لي، وفي خزانتك ما يثبت صحة قولي، ويعضد موقفي، فأعطني الصحيفة المختومة التي تحفظها بخزانتك، أعطِك ما يثبت براءتي، ولما جاء عمرو بالصحيفة وجد ذا رعين قد كتب فيها:

“ألا مَنْ يَشْـتَـرِي سَهَـراً بنَـوْم     سَعِـيْدٌ مَنْ يَبـيتُ قريـرَ عَيْنِ
فأمـا حِمْـيَرٌ غَدَرَتْ وَخَـانَتْ            فَمَـعْـذِرَةُ الإِلهِ لِذِيْ رُعَـيْنِ”، فلما قرأها أدرك الملك أن ذا رعين لم يعِنه على القتل، فعفا عنه، وأحسن جائزته.


شارك المقالة: