كل الشّعوب تمتلك موروثات ثقافيّة تميّزها عن غيرها، وهي بدورها تعبّر عن الكثير من الوقائع والمناسبات، التي حصلت خلال التاريخ، ولعلّ من أكثر أنواع التراث شهرة “الأمثال الشعبية” والحكم، إذ يقوم الناس باستخدام هذه الأمثال أو الحكم إذا مرّوا بظرف أو حدث مشابه للحدث الأصلي الذي قيلت فيه تلك الأمثال، فيعبّرون عنه بمثل أو حكمة، وهكذا تبقى محفوظة، ويتداولها الناس جيلًا بعد جيل مع إضافة ما استجد من أمثال تعبر عن أحداث الحاضر، والمثل الذي بين أيدينا هو: “أضلّ من قارظ عنزة”.
فيم يضرب مثل: “أضل من قارظ عنزة”؟
يزخر تراثنا العربي بالأمثال والحكم، فنجد الكثير منها بين طيّات أبيات من الشعر، وبعضها ما ورد على هيئة نصيحة وحكمة فأصبح مثلًا سائرًا على الألسن، وتوارثته الأجيال حتى وصل إلينا، ومثل: “أضلّ من قارظ عنزة”، قد ورد في كثير من كتب الأمثال، وله قصّة سأوردها فيما بعد، وهو يُضرب في انقطاع الأخبار وطول الغيبة.
قصة مثل: “أضلّ من قارظ عنزة”
أمّا قارظ عنزة، فهو: “يذكر بن عنزة”، وقد روى ابن الأعرابي قصته، إذ ذكر إنّه بسبب “يذكر” كان خروج قبيلة قضاعة من مكة، وذلك أنّ خزيمة بن مالك بن نهد، قد أحبّ فاطمة بنت يذكر بن عنزة، فأُبعد عنها، فخرج في يوم من الأيام هو وأبوها يذكر يطلبان القرظ، والقرظ هو نوع من الشّجر يُدبغ به الأدم، فمرّا ببئر فيه معسّل نحل فاقترحا القرعة كي ينزل أحدهما فيه، فوقعت القرعة على يذكر، فما كان منه إلّا أن نزل وقطف العسل حتى أخذ منه حاجته، ثم إنّ يذكر، قال: أخرجني، فقال خزيمة: لا أخرجك أو تزوّجني فاطمة، فقال: أمّا وأنا على هذي الحال فلا أزوّجها لك، ولكن إن أخرجتني فتعال واخطبها وتزوّجها، فأبى خزيمة إخراجه، وتركه وعاد إلى قبيلته.
لمّا انصرف خزيمة إلى الحيّ، أتاه القوم يسألونه عن يذكر، فقال: قد اتخذّ طريقًا، واتّخذت أخرى، فلم يصدّقوا كلامه، ولا قبلوه، إلى أن سمعوه يترنّم بهذا الشعر:
“فَتاةٌ كَأَنَّ رُضابَ العَبيرِ بَفيها يُعَلُّ بِهِ الزَنجَبيلُ
قَتَلتُ أَباها عَلى حُبِّها فَتَبخُلُ إِن بَخُلَت أَو تُنيلُ”
اتّهم القوم خزيمة وأرادوا قتله، فوقف قومه دون ذلك، فتحاربت بكر وقضاعة بسببه، فكان هو سبب انسلاخهم وتفرقهم عن قبيلة تهامة، فلما تفرقوا، قيل لخزيمة: إنّ فاطمة قد ذُهب بها، فلا سبيل إليها، فقال: أما والله، فإنّها ما بقيت حيّة، فإنّي طامع فيها، وقال في ذلك شعرًا:
“إذا الجوزاء أردفـــــــــت الــثريا ظننت بآل فــــاطمة الظنونـــــــا
وأعرض دون ذلك من همــومي هموم تخــــــرج الداء الدّفيــــنا”.