اقرأ في هذا المقال
- الأمثال على ألسنة الحيوانات
- لم يضرب مثل “أكلت يوم أكل الثور الأبيض”؟
- قصة مثل “أكلت يوم أكل الثور الأبيض”
تُعدّ الأمثال واحدة من الخصوصيات الثقافية والتي تتسم بها الشعوب، وقد ينفرد شعب ما بترديد مجموعة منها، وقد يشترك فيها مع غيره من الشعوب، مع وجود اختلافات بسيطة كل حسب أسلوبه ولهجته.
للأمثال في أغلب الأحيان حكاية، أي أن الحدث الأصلي الذي ضُرب فيه المثل يكون حكاية قادت في النهاية إلى ضرب المثل، والفارق الزمني الذي يمتد لمئات السنين بين ظهور تلك الأمثال، ومحاولة شرحها أدت إلى احتفاظ الناس بالمثل؛ لسهولته وخفته، وذلك أدّى إلى أن يترك الناس القصص التي أدت إلى ضرب الأمثال، وفي الغالب تغلب روح الأسطورة على الأمثال التي تدور في القصص الجاهلية مثل الأمثال الواردة في قصة الزباء ومنها ” لا يطاع لقصير أمر ولأمر ما جدع قصير أنفه، وبيدي لا بيد عمرو”، وكذلك الأمثال الواردة في قصة ثأر امرؤ القيس لأبيه ومنها: ” ضيعني صغيرًا وحملني ثأره كبيرًا، ولا صحو إليوم ولا سكر غدًا، اليوم خمر وغدًا أمر“.
الأمثال على ألسنة الحيوانات:
لقد وردت الكثير من الأمثال على ألسنة الطيور والحيوانات، كما أن بعض الأدباء والكتّاب قد خصّوها بمؤلفات بحد ذاتها، ومن هؤلاء الأديب المصري محمد عثمان جلال، إذ نشر كتابًا أسماه: “العيون النواقظ في العبر والمواعظ”، وهو كتاب أمثال على ألسنة الحيوان.
من الكتب المهمة كذلك، والذي ضمّ بين طياته العديد من الأمثال على ألسنة الحيوانات، كتاب “كليلة ودمنة”، وقد ارتبط كتاب “كليلة ودمنة” بمترجمه وناقله الى العربية عبد الله بن المقفع، وهو صاحب الكلمة الرائعة عن العالم الحقيقي، إذ قال: “وفضل ذي العلم، وإن أخفاه، كالمسك يُستر، ثم لا يمنع ذلك رائحته من أن تفوح وتنتشر”، وذكر في مقدمته لكتاب “كليلة ودمنة”، أن الملك دبشليم هو الذي طلب من بيدبا الفيلسوف وضع كتاب بليغ، يكون ظاهره لهوًا وتسلية وسياسة للعامة وتأديبها، وباطنه أخلاق الملوك وسياستها للرعية مع فائدة للعقلاء ومتعة للجميع.
لم يضرب مثل “أكلت يوم أكل الثور الأبيض”؟
هذا المثل المشهور بشكل كبير، لما يحمل من معاني وحكم عميقة، وهو يُضرب في الذي يستأثر بنفسه وهو يظنّ نجاته، وفي من استشعر مصيره انطلاقًا من مصير غيره، وكذلك في من آثر نفسه ومصالحه الشخصية على الجماعة.
قصة مثل “أكلت يوم أكل الثور الأبيض”:
يُروى أن أسدًا قد وجد قطيعًا من ثلاثة ثيران: أسود، وأحمر، وأبيض، فرغب في أن يهجم عليهم، فصدوه معًال وقاموا بطرده من منطقتهم، مضى الأسد وهو يفكر بطريقة يصطاد هذه الثيران بشكل خاصة أنها كانت أقوى وهي مجتمعة، وبالفعل وجد الحيلة وقرر الذهاب إلى الثورين الأحمر والأسود، وقال لهما :” لا خلاف لدي معكما، وإنما أنتم أصدقائي، وأنا أريد فقط أن آكل الثور الأبيض كي لا أموت جوعًا، وكما أن لونه يلفت انتباه الصيادين إلى منطقتنا، وأنتم تعرفون أنني أستطيع هزيمتكم، غير أني لا أريدكم أنتم بل هو فقط”.
قام الثوران الأسود والأحمر بالتفكير كثيرًا، لدرجة أن الشك قد دخل في نفسيهما، ورغبا في الراحة وعدم القتال، فقررا أن الأسد على حق، وأنهما سيسمحان له بأكل أخيهما الثور الأبيض، قام الثوران بنقل الرسالة بنتيجة قرارهما، وأخبراه بأنه يستطيع الهجوم على االثور الأبيض الآن، وبالفعل قام ملك الغابة بافتراس الثور الأبيض بسرعة، ثم إنه قضى ليالي شبعان فرحًا بصيده.
مرت أيام عديدة، وعاد الجوع للأسد، وتذكر طعم لحم الثور اللذيذ، وكمية الإشباع التي فيه، فعاد إلى الثورين وحاول الهجوم فصداه معًا، ومنعاه من أن يصطاد أحدهما بل ضرباه ضرباً موجعاٍ، فعاد إلى منطقته متألماً متعباً منكسراً، حينها قرر الأسد أن يستخدم نفس الحيلة القديمة، فنادى الثور الأسود، وقال له: “لماذا هاجمتني وأنا لم أقصد سوى الثور الأحمر؟ “قال له الثور الأسود: ” أنت قلت هذا عند أكل الثور الأبيض”، فرد الأسد: “ويحك أنت تعرف قوتي، وأنني قادر على هزيمتكما معاً، لكنني لم أرد أن أخبره بأنني لا أحبه كي لا يعارض”.
حُبّ الثور الأسود للراحة، وخوفه من الأسد دفعاه وبعد تفكير مليء أن يوافق في اليوم التالي على أن يصطاد الأسد أخاه الثور الأحمر، وعاش الأسد أياماً وليالي جميلة جديدة وهو شبعان ممتلئ المعدة، ومرت الأيام وعاد الجوع يقرص ملك الغابة، فقام بمهاجمة الثور الأسود بشكل مباشر، ولما اقترب منه ليقتله ويأكله، صرخ الثور الأسود قائلاً: ” أكلت يوم أكل الثور الأبيض”.
لما سمع الأسد كلمات الثور الأسود أصابته الحيرة، فرفع يده عنه، وقال له: ” غريب أمرك، لماذا لم تقل الثور الأحمر؟ فعندما أكلته أصبحت وحيدًا، وليس عندما أكلت الثور الأبيض، فقال له الثور الأسود: ” لأنني منذ ذلك الحين تنازلت عن المبدأ الذي يحمينا معاً، ومن يتنازل مرة يتنازل كل مرة، فعندما أعطيت الموافقة على أكل الثور الأبيض أعطيتك الموافقة على أكلي” ومن هنا يصح القول “أكلت يوم أكل الثور الأبيض”، في المواقف التي يتنازل فيها البعض عن مبادئهم ومصالح الجماعة، لأجل مصلحة شخصية مؤقتة تنتهي بالفشل والخراب.