هنالك تشابه كبير بين مفهومي الترجمة والأدب المقارن؛ فالدراسات الترجمية هي التي تقوم بدراسة نقل النص من لغة إلى لغة أخرى، أو تعرّف بأنّها دراسة النصوص على مختلف الألسنة، وهي ضرورة من ضرورات استجابة العقل المنتج، ولها الحاجة الماسّة لتواصل وترابط الحضارات، كذلك الأمر مع الأدب المقارن الذي يقوم بدراسة نصّين بلغتين مختلفتين، ويقوم بدراسة خصائصهما وإظهار خاصّية كل منهما، باعتبار أن النص الهدف والنص الأصلي كل منهما يعبّر عن ثقافة معيّنة، سنحكي عزيزي القارئ في هذا المقال عن بعض الإشكاليات التي توجد بين الترجمة والأدب المقارن.
الإشكاليات بين الترجمة والأدب المقارن
كل من الدراسات الترجمية والأدب يحكمهما دراسة النص المنقول أو آلية نقل النصوص، وبالتعاون بين الترجمة والأدب المقارن يصبح استقصاء النص بأكثر من أسلوب، ممّا يتم الإحاطة به من جميع الجوانب، وعلى الرغم من ذلك هنالك عدّة تساؤلات تخطر بذهن الأدباء مثل: هل يعتبر الأدب المقارن في خطر مقارنةً مع التنامي المتواصل للعمل الترجمي؟ وهل هنالك تداخل بين الدراسات الترجمية والأدب المقارن؟
أغلب الإجابات تتجه إلى أن العمل الترجمي هو السبيل الوحيد للنمو المعرفي وتطوير الفكر كذلك؛ لأنّها تحقّق سبل التطوير في التعامل مع الذات الأخرى، كما أنّها تحقّق الابتكار في هذا المجال، وهي أهم وسائل تطوّر الحضارات، لذلك ينبغي إزالة كل عائق أمام الدراسات الترجمية أو ما يسمّى بالعقم الفكري، ولكن عند تداخل الأدب المقارن مع العمل الترجمي في هذا المجال تحصل الإشكاليات؛ حيث لكل منهما المسعى ذاته، إلّا أن الاهتمام بالعمل الترجمي أكثر بكثير.
والبعض يقول بأن الدراسات الترجمية أصبحت تعتبر بديل لدراسات الأدب المقارن؛ وهذا لأنّ الدراسات الحديثة تميل للعمل الترجمي بشكل أكبر، وأصبحت وظيفة الأدب المقارن وكأنّها تزاحم الترجمة لتحل محلّها، وبرأي البعض أنّ هذا من الممكن حدوثه عندما تسعى دراسات الأدب المقارن لما يسمّى بالمثاقفة، بمعنى محاولة التأثّر والتأثير بكل المعارف وأنواعها بي مختلف الأمم.
وبشكل عام أصبح التواصل بين الدراسات الترجمية والأدب المقارن أمر صعب أو شبه مستحيل في عملية إغناء الفكر أو شرح النصوص، وفي مجال ترجمة الكتاب المعروف (ألف ليلة وليلة) هذا العمل الخالد الذي تم ترجمته للكثير من اللغات العالمية، سنرى بأنّ هذا العمل أحدث إشكالية بين الترجمة والأدب القارن؛ وذلك من خلال أن منهم أمثال (الدكتور حسام الخطيب والذي مال إلى دراسة العمل من خلال الأدب المقارن، وتحدّث في كتابه أيضاً عن علاقة الترجمة بالأدب المقارن، بينما مالت الكاتبة (سوزان بانسيت) إلى دراسة العمل بأسلوب الدراسة الترجمية.
ولكن مال أغلب الأدباء العرب لأسلوب الأدب المقارن على العكس من الأدباء الغرب، وأصبح هنالك تداخل بين الجهد الترجمي مع جهد الأب المقارن، ونشوء خلاف مرجعي بينهما كذلك، البعض يرى بأن الترجمة هي فعل ثقافي من شأنه أن يساهم في الوعي الثقافي من خلال تأثّر الآخر وإكسابه معارف متنوّعة، فهي إضاءة إضافية للإبداع والقدرة على تشخيص الذات، ومن دون الترجمة لن يحدث هذا التفاعل الثقافي.
أمّا الأدب المقارن فيدرس مدى تأثير الأدب في ثقافة معيّنة على ثقافة أخرى، مثلاً ما تأثير كتاب (ألف ليلة وليلة) على باقي الآداب مثل الأدب الفرنسي أو غيره، مع العلم بأنّ هذا الكتاب الخالد تم الاختلاف على جذوره التاريخية ونسبه لأدب معيّن، ومع ذلك هذا النص طرأ للكثير من الدراسات الترجمية والاقتباسات والتأثيرات على مستوى العالم.
أمّا الأدب المقارن فهو عبارة عن دراسات متنوّعة تحب أن تظفر بمختلف الأجناس المعرفية؛ خاصّةً في مجال العلوم الإنسانية، ومن المعروف أن الأجناس الأدبية تشكّل تساؤلات بالنسبة لمحور العلوم الإنسانية، أمّا منهجيّاً فالنصوص الأدبية مرتبطة بشكل مباشر بالفلسفة والتاريخ والنقد الأدبي.
أمّا عن العلوم المعرفية فهي في تغيّر وتحديث دائم؛ وهذا بسبب فقد كانت تقتصر المعارف على نقلها شفهيا عبر القصص والأخبار الشفهية، ولكن مع تطوّر الكتابة والترجمة وإتقان لغات الشعوب الأخرى فتطوّرت هذه العلوم، كما أن للمبادلات الاقتصادية والتجارية الأثر الكبير في التواصل والانفتاح على الآخر، وظلّت دائرة المعارف في اتساع دائم حتى شملت كذلك تاريخ الأفكار، ونشأت وتطوّرت معها الترجمة.