لكل أمة من الأمم التي تعيش على وجه هذه البسيطة ذلك الموروث الثقافي الخاص بها، والذي يميزها عن غيرها من شعوب الأرض، وذلك الموروث يعبّر بدوره ويصور الكثير من الأحداث والمناسبات، والتي حصلت خلال التاريخ، ولعل من أكثر أنواع التراث شهرة “الأمثال الشعبية” والحكم، ويقوم الناس باستخدام هذه الأمثال أو الحكم إذا مرّوا بظرف أو حدث مشابه للحدث الأصلي الذي قيلت فيه تلك الأمثال، فيعبرون عنه بمثل أو حكمة، وهكذا تبقى محفوظة، ويتداولها الناس جيلًا بعد جيل، مع إضافة ما استجد من أمثال تعبر عن أحداث الحاضر.
أصل مثل “إنه يعلم من أين تؤكل الكتف”، وفيمَ يضرب؟
مثل “إنه يعلم من أين تؤكل الكتف”، وفي بعض الروايات يُقال: “من حيث تؤكل الكتف”، وهذا المثل من تراث العرب القديم، والذي تناقلته الأجيال، وتداولته الألسن عبر الأزمنة وحتى الآن، وتدور تفسيرات كثيرة حول قصة المثل، سيتم ذكرها فيما يلي.
وأما متى يُضرب هذا المثل، فقال المطرزي في شرح المقامات، أنه يُضرب للرجل الداهية، الذي يأتي الأمور من مأتاها، وذلك لأن أكل الكتف أعسر من غيرها، وقيل أن أكله من أسفله لأنه يسهل انحدار لحمها، ومن أعلاها يكون معقدًا ملتويًا، لأنه غضروف مشتبك باللحم.
طريقة أكل الكتف:
يقول البعض بأن لأكل الكتف طريقة محددة، وهي بالتأكيد تتشابه مع أهمية قراءة كتيّب “دليل التشغيل” لأي جهاز، وإلا لصارت النتائج لا تُحمد عقباها، غير أنه لحسن الحظ كان الأهلون يقسمون الذبيحة إلى أوصال، فيختلط الكتف بغيره من قطع اللحم الأخرى، وبذلك لا يُفتضح أمر من لا يعرف من أين تؤكل الكتف، والكتف تؤكل من أسفلها، لا من أعلاها، أما أكلها من أعلاها فهو خطأ كبير؛ لأن المرق يكون بين لحم الكتف وعظمه، فإن بادر المرء إلى أكلها من أعلاها جرت المرقة، وانصبّت وضاعت هدرًا، وإن أخذها من أسفلها؛ انقشرت عن عظمها وبقيت المرقة ثابتة مكانها فوق العظم، وتكون بذلك يتمكن من اللحم والمرق معًا.
رأي الأصمعي:
للأصمعي رأي في المثل، إذ يقول: إن العرب تقول للمرء صاحب الرأي الضعيف، إنه لا يجيد أكل الكتف، وقد أنشد الأصمعي في ذلك المثل العربي وقال : “إني على ما تَرين من كبري أعلم من أين تؤكل الكتف”، إن مثل “يعرف من أين تُؤكل الكتف”، قاله أحد العرب للتعبير عن صفة للواعي والداهية، وأما اليوم فهو يمثل ذلك الشخص الذي ينتهز الفرص الكبيرة.