حكاية "إن أقبلت باض الحمام على الوتد وإن أدبرت بال الحمار على الأسد"

اقرأ في هذا المقال


إن من أكثر أنواع التراث شهرة “الأمثال الشعبية” والحكم، بحيث يقوم الناس باستخدام هذه الأمثال أو الحكم إذا مرّوا بظرف أو حدث مشابه للحدث الأصلي الذي قيلت فيه تلك الأمثال، فيعبرون عنه بمثل أو حكمة، وهكذا تبقى محفوظة، ويتداولها الناس جيلًا بعد جيل مع إضافة ما استجد من أمثال تعبر عن أحداث الحاضر، وفيما يلي سيتم ذكر قصة المثل العربي الشهير، هو: “إن أقبلت باض الحمام على الوتد، وإن أدبرت بال الحمار على الأسد”.

مناسبة المثل

فيم يضرب مثل إن أقبلت باض الحمام على الوتد، وإن أدبرت بال الحمار على الأسد

ممّا لا شك فيه أن بقاء الدنيا على حال واحدة أمر مستحيل، فدوام الحال من المحال، فقد تأتي أيام على المرء ينعم فيها حتى يظن فيها ألّا شقاء، وقد يشقى حتى يحسب ألّا انفراج ولا نعيم، وجاء مثل: “إن أقبلت باض الحمام على الوتد، وإن أدبرت بال الحمار على الأسد”، ليصور لنا أنه قد إقبال الحظوظ وزينة الدنيا ومباهجها في أمور لا يمكن تخيلها، والعكس يحدث عند إدبارها، إذ يتمثل سوء الحظ في أمور لم تكن في الحسبان.

قصة مثل إن أقبلت باض الحمام على الوتد وإن أدبرت بال الحمار على الأسد

يُحكى أنه في زمان قديم، كان هناك رجل يُدعى “أسدًا”، وكان أسد ابن والٍ وحاكم، تخضع له الموالي، وقد ذاق من رَغد العيش ما لم يذق مثله أحد، الى أن جارت الأيام عليه وانقلبت رأسًا على عقب، فصار أسد هذا فقيرًا، لا حول له ولا قوة، وضاقت به الحال حتى لم يعد يجد ما يسدّ به رمقه، قرر أسد أن يواجه الأيام، فترك بلاده وطاف في الدنيا باحثًا عن بيت يؤويه وعن رزق لا يُفقره ولا يغنيه، فحطّ به الرحال في حمى تاجر كبير، له من الخيول والحمير قطيع كبير، فاستقبله وأحسن مأواه وجعله سائس خيوله وحميره.

لم يقم أسدٌ بالإفصاح عن هويته لوليّ نعمته، فعمل بما يكفيه قوت يومه ويستره ولا يكشف حاله وعورته، وبقي على ما هو عليه يسوس الخيول ويُطعم الحمير، ويرعى شؤونها الى أن جاء به ما كشف سره، إذ إنه في ذات يوم غلبه النعاس، فغطّ في نوم عميق، لم يفق منه إلا بعثرة حظّ، اذ أتى أحد الحمير، ووقف فوقه وهو نائم، وبال عليه، فصحا أسد عندما أحسّ بما هو فيه، وقال: “إن أقبلت باض الحمام على الوتد، وان أدبرت بال الحمار على الأسد”، وأخذ يكرر قولته هذه عدة مرات، وبينما هو يعيد ويكرر قولته، سمعه وليّ نعمته، فناداه إليه.

أقبل أسد ووقف بين يدي سيده، وهو يرتجف ويحاول كتم ما هو فيه من اضطراب، ألحّ التاجر على أسد أن يخبره بما يخفيه، فرفض، فقال له: سمعتك تقول: “إن أقبلت باض الحمام على الوتد، وإن أدبرت بال الحمار على الأسد”، فما علاقتك أنت بالحمام، وبالإقبال والإدبار، فإما أن تقول لي من أنت، وإما أن تجد نفسك خارج حوش الحمير هذا، أطرق أسد، وبدأ يعيد حساباته، فكشف سره لولي نعمته، وقال: “أنا شخص معروف في بلادي وأنا ابن وال، دارت بي الأيام وجارت على حالي وجعلتني على ما أنا فيه، لذا أخفيت عنك حقيقتي، وغيرت اسمي كي أصمد على جور الأيام، وضنك العيش”.

اندهش التاجر ممّا قاله أسد: “حسنًا فعلت، ومنذ هذه اللحظة عينتك نائبي ومستشاري ووكيل أعمالي، اذهب واشتر لك لباسًا يليق بمقامك، فمن الآن انت معي كظلي أينما حللت، وتغيرت أحوال أسد، وعاد يقول من جديد: :إن أقبلت باض الحمام على الوتد، وإن أدبرت بال الحمار على الأسد”، والإقبال والإدبار ضدّان، فإن أقبلت الأرض بالنبات جاءت بالثمر الوفير، وإن أدبرت شحّ ثمرها، والرجل المقابل المدابر كريم الطرفين من قبل أبيه وأمه.

والدُبر نقيض القُبل، ودُبر الشيء مؤخرته وجمعها أدبار وقُبل الشيء نقيض دُبره وجمعها إقبال، وجاء في سورة يوسف: “واستبقا الباب وقَدّت قميصه من دُبُرٍ وألفيا سيدها لدى الباب قالت ما جزاء مَن اراد بأهلك سوءاً إلا أن يُسجن أو عذاب أليم، قال هي راودتني عن نفسي، وشهد شاهد من أهلها، إن كان قميصه قُدّ من قُبُلٍ فصدقت وهو من الكاذبين، وان كان قميصه قُدَّ من دُبُرٍ فكَذَبتْ وهو من الصادقين، فلما رأى قميصَه قُدَّ من دُبُرٍ قال إنه من كَيْدكُِن إن كَيْدَكُن عظيم، يوسف أعْرِض عن هذا واستغفري لذنبك إنك كنت من الخاطئين“، هذه حال أسد وهذه حال يوسف الصديق، فكلاهما أدبرت أحواله بعدما كانت مقبلة، ثم أقبلت بعد إدبار، فإذا بهما كما قالت الخنساء: “ترتع ما غفلتَ حتى إذا إدّكرت فإنما هي إقبال وإدبار”.


شارك المقالة: