جميع الأمم التي تعاقبت وجودها في أنحاء المعمورة، تمتلك الموروث الثقافيّ الذي يخصها، وكما إنه يجعلها تتفرد به عن غيرها، وهو بدوره يعبّر عن الكثير من الوقائع والمناسبات، التي حصلت خلال التاريخ، ولعل من أكثر أنواع التراث شهرة “الأمثال الشعبية” والحكم، ويقوم الناس باستخدام هذه الأمثال أو الحكم إذا مرّوا بظرف أو حدث مشابه للحدث الأصلي الذي قيلت فيه تلك الأمثال، فيعبرون عنه بمثل أو حكمة، وهكذا تبقى محفوظة، ويتداولها الناس جيلًا بعد جيل مع إضافة ما استجد من أمثال تعبر عن أحداث الحاضر، والمثل الذي بين أيدينا هو: “ابن الذيب ما يتربا”.
فيم يضرب مثل “ابن الذيب ما يتربا”؟
تُعتبر الأمثال الشعبية العربية الأكثر تداولًا بين جميع فئات المجتمع العربي، وقد تناقلتها الأجيال جيلًا بعد جيل، إذ عبرت هذه الأمثال عن جوانب كثيرة في الحياة العربية، ومن المعروف أن الناس يهتمون بمعرفة أصول بعضهم بعضًا عند التعامل، فيتعاملون باطمئنان مع ابن الأصول، المعروف نسبه وأهل بيته الطيبين، وينهون عن التعامل مع الخسيس، الذي لا أصل له، أو مع الشخص الشرير الذي لابد سيؤذيهم مهما قدموا له من خير، وقد عبّر الشاعر عن هذا المعنى بقوله: “إذا أنت أكرمت الكريم ملكته وإن أنت أكرمت اللئيم تمردا”، وكذلك جاء العامة ليعبروا عن المعاني ذاتها عبر الأمثال، ومنها المثل الذي بين يدينا، وهو: ” ابن الذيب ما يتربا”.
قصة مثل ” ابن الذيب ما يتربا”:
أما حكاية مثل: “ابن الذيب ما يتربا”، فيُحكى أن امرأة بدوية قد وجدت ذئبًا مولود حديثًا، ملقى به في الطريق، فظنت أن أمه تركته، وستعود إليه لتأخذه، غير أن البدوية عادت بعد ساعة إلى نفس المكان، فوجدت الذئب الصغير يكاد يموت جوعًا، فجرى إليها عندما رآها، وتمسّح بها، فحدثت نفسها أن تربيه بلا خوف، لأنه لم يتعود على طباع الذئاب، فأحضرت أفضل شاة لديها، وجعلتها ترضع الذئب الصغير، ومرّت شهور والشاة ترضع الذئب، لكن المرأة فوجئت ذات يوم بالذئب، وهو يهجم على الشاة التي أرضعته، ويقتلها ويأكلها، فأنشدت هذه الأبيات بحزن:
“بقرت شويهتي وفجعت قلبي .. وأنت لشاتنا ولد ربيب
غذيت بدرها ونشأت معها .. فمن أنباك أن أباك ذيب
إذا كان الطباع طباع سوء .. فلا أدب يفيد ولا أديب”،
ثم إنها قالت عبارتها المشهورة، والتي راحت بعد ذلك مثلًا، وهو: “ابن الذيب ما يتربا”، وقد تناقلها الناس، إلى أن وصلت إلينا اليوم.