افتراضات نظرية راسل الأخلاقية والسياسية

اقرأ في هذا المقال


استندت نظرية الفيلسوف ديفيد هيومالأخلاقية والسياسية إلى الافتراض بأنّه في ضوء نفس المعلومات فإننا نوافق أو نرفض نفس الأشياء، فماذا عن فلسفة برتراند راسل الأخلاقية والسياسية؟

افتراضات نظرية راسل:

لقد استندت نظرية راسل مثل نظرية هيوم على مجموعة من الافتراضات والتعريفات الأساسية التالية:

1- من خلال مسح الأفعال التي تثير مشاعرالاستحسان أو الرفض، فإنّه يتم إيجاد قاعدة عامة بأنّ الأفعال التي تتم الموافقة عليها هي تلك التي يعتقد أنّه من المحتمل أن يكون لها في الميزان آثار أنواع معينة، بينما يتوقع حدوث آثار عكسية من الأفعال التي تكون مرفوضة.

2- تعرف التأثيرات التي تؤدي إلى الموافقة على أنّها جيدة، وتلك التي تؤدي إلى الرفض على أنّها سيئة.

3- يُعرَّف الفعل الذي يُرجح أن تكون آثاره بناءً على الأدلة المتاحة أفضل من تأثير أي فعل آخر محتمل في الظروف، على أنّه (حق)، وأي فعل آخر هو (خطأ)، وما (يجب) علينا فعله هو بالتعريف الفعل الصحيح.

قبول الافتراضات في فلسفة راسل:

هذه التعريفات والافتراضات إذا تم قبولها توفر مجموعة متماسكة من الافتراضات التي تكون صحيحة (أو خاطئة) بنفس المعنى كما لو كانت افتراضات علمية.

الآن الافتراض والتعريف رقم (1) هو نوع مختلف من أطروحة سيدجويك التي تقول إنّ الأخلاقيات المنطقية تميل إلى التماسك حول القواعد التي يعتقد أنّ لها عواقب مفيدة بشكل عام، حيث يتم صرف الفوائد من حيث رفاهية الإنسان.

كما أنّها أطروحة مشكوك فيها خاصة وأنّ راسل نفسه جادل بأنّ العديد من الأخلاق التقليدية تعزز مصالح النخبة على حساب المجموعات الأخرى كالأجانب والنساء والعبيد والأقنان، وربما يريد راسل استبعاد مثل هذه الأخلاق من خلال قصر مطالبته على المجتمعات المتحضرة، حيث يستبعد المتحضر المجتمعات ذات القواعد الأخلاقية الصارخة.

تهدف الأطروحة (2) إلى تعريف التأثيرات الجيدة، لكنها لا تنص على من تكون موافقته على تحديد صلاح الناس بشكل عام، أو الأشخاص في أفضل حالاتهم، أو الأشخاص المستنيرين والمطلعين فقط؟

بدون بعض الوضوح حول هذه النقطة سينتهي الأمر بالعديد من الأشياء على أنّها جيدة، لأنّه لأي تأثير محتمل سيكون هناك شخص غريب الأطوار في مكان ما يوافق عليه، وعلى العكس من ذلك إذا كان الرفض يعني أنّ التأثير ليس جيدًا فقد تختفي فئة التأثيرات الجيدة تمامًا، لأنّه لأي تأثير محتمل سيكون هناك شخص غريب الأطوار في مكان ما لا يوافق عليه.

من المفارقات أنّه بالنظر إلى حياته المهنية الطويلة كطرف أخلاقي، يبدو أنّ الأخلاق الفوقية لراسل لديها لدغة أقل انتقادية من هيوم، على الأقل فيما يتعلق بالغايات، وتسمح نظرية هيوم له بنقل فضيلة مشهورة إلى كتالوج الرذائل إذا وافق عليها الناس على أساس معتقدات خاطئة.

ويبدو أنّ راسل عالق في أي آثار يوافق عليها الناس حتى لو كان ميلهم للموافقة مبنيًا على معتقدات خاطئة وأهواء كريهة، ولكن المشكلة الحقيقية تكمن في الاطروحة (3)، كما أنّ راسل يعرّف (الحق) و (يجب) بمصطلحات عواقبية، حيث جادل راسل نفسه قبل سنوات عديدة، فإنّ هذا التعريف خاطئ بشكل واضح على الأقل إذا تم تفسيره على أنّه تقرير عن الاستخدام الحالي.

ليس من الحشو أن نقول إنّ الشيء الصحيح الذي يجب فعله هو الإجراء الذي يبدو أنّه من المحتمل أن ينتج أفضل النتائج والذي سيكون إذا كان تعريف راسل صحيحًا، ويمكن تحسين النظرية بالاحتفاظ بالرقمين (1) و (2) بفئة الموافقين المحددة بعناية أكبر مع استبدال (3) بشيء مثل:

3 أ- يتم تعريف الشيء الصحيح الذي يجب فعله على أنّه الإجراء الذي يوافق عليه متفرج محايد ومستنير وغير مؤمن بالخرافات.

فعلى افتراض أنّ المتفرج المحايد سيحتفظ بالميول العواقبية على نطاق واسع لأسلافنا الفظيين، فإنّ (1) و (3 أ) معًا سيسمحان لنا باشتقاق:

3 ب- الشيء الصحيح الذي يجب فعله هو ذلك الإجراء الذي يبدو أنّه ينتج أفضل التأثيرات.

وسيكون هذا ادعاءً اصطناعيًا معقولاً إلى حدٍ ما وليس تعريفًا خاطئًا تمامًا، وعلاوة على ذلك سيوفر الأساس للنوع الصحيح من الأخلاق النفعية، على الأقل سيفعل ذلك إذا تم تحديد هيئة المحلفين الأخلاقية في (2) بطريقة تضمن موافقتهم على التأثيرات الصحيحة.

ولكن بعيدًا عن كونها صادقة بنفس المعنى كما لو كانت افتراضات علمية، فإنّ التعريفات (2) و (3 أ) خاطئة ببساطة، على الأقل إذا فُسرت على أنّها حسابات لما تعنيه الكلمات المعنية في الواقع.

يبدو أنّ راسل كان على علم بذلك كما تشير العبارة المنبهة: “إذا تم قبولها”، وربما ينبغي فهم هذه التعريفات ليس على أنّها محاولات لتدوين الاستخدام الحالي ولكن كمقترحات للإصلاح اللغوي، والتي كانت مراوغة شائعة من جانب فلاسفة منتصف القرن عندما ثبت خطأ تحليلاتهم المزعومة، ولكن في هذه الحالة يمكن رفضهم دون ارتكاب أي نوع من الخطأ، إلى جانب أخلاقيات راسل بأكملها، وما يمكن رفضه بدون خطأ فكري لا يمكن وصفه بأنّه معرفة.

ربما وافق راسل نفسه ولم يكن متأكدًا على الإطلاق من وجود شيء مثل المعرفة الأخلاقية وسرعان ما عاد إلى عاطفته السابقة، وفي غضون شهر واحد من نشر كتاب المجتمع البشري كان يعبر عن اتفاق كامل مع عاطفية ألفريد جول آير.

يُعتقد أنّ السبب هو أنّه جاء ليرى أنّ تعاريفه لـ الحق والجيد كانت اختيارية من الناحية الفكرية، وبعد بضع سنوات أرسل له السيد هارولد أوزبورن كتابًا حاول تقديم أساس موضوعي للأخلاق الإنسانية.

يشير خطاب شكر راسل إلى مشكلة وهي “لا يمكن لأي نظام أخلاقي يدّعي الموضوعية أن يفعل ذلك إلّا من خلال فرضية أخلاقية مخفية، والتي في حالة الجدل لا يمكن إثباتها”، وهذا بالضبط هو الخطأ في المجتمع البشري في الأخلاق والسياسة.


شارك المقالة: