كانت أبرز إنجازات روجر بيكون الفلسفية في مجالات الرياضيات والعلوم الطبيعية ودراسات اللغة، وكانت السمة الواضحة في نظرته الفلسفية هي تأكيده على فائدة وعملية جميع الجهود العلمية، وكان بيكون مقتنعًا بأنّ الرياضيات وعلم الفلك ليسا أنشطة محايدة أخلاقياً تتم متابعتها لمصلحتهما، ولكنهما لهما صلة عميقة بالأعمال العملية للحياة اليومية.
فلسفة بيكون بشكل عام:
لقد كان بيكون ملتزمًا بالرأي القائل بأنّ الحكمة يجب أن تساهم في تحسين الحياة، على سبيل المثال كانت أعماله المكثفة حول إصلاح وإعادة تنظيم المناهج الجامعية تهدف بالمظهر الخارجي إلى إصلاح دراسة اللاهوت، ومع ذلك فقد احتوت في النهاية على برنامج سياسي كان هدفه حضارة البشرية وكذلك تأمين السلام والازدهار للعالم المسيحي بأسره في الآخرة وفي هذا العالم.
خلال حياته الطويلة والمثمرة كان أستاذًا في الآداب وراهبًا فرنسيسكانيًا كان ملتزمًا بنظرة فلسفية مشبعة بعمق بالمبادئ المسيحية فضلًا عن الفضول العلمي والطموح، وفي كثير من الحالات تخونه أفكاره كطفل في عصره ومع ذلك كان تفكيره متقدمًا على معاصريه.
يُعد بيكون جديرًا بالملاحظة لكونه من أوائل المعلقين والمحاضرين في الغرب حول فلسفة أرسطو وعلومه، وقد أُطلق عليه اسم دكتور ميرابيليس (مدرس رائع) ووصف على نحو مختلف بأنّه متمرد وتقليدي ورجعي وشهيد للتقدم العلمي وأول عالم حديث، ولكن لسوء الحظ تميل هذه الصفات الرومانسية إلى طمس الطبيعة الفعلية لإنجازاته الفلسفية.
البحث الحديث على فلسفة روجر بيكون:
هناك طريقتان حديثتان للبيكون:
1-الأول هو دراسة الأعمال الفيزيائية والميتافيزيقية وما يتصل بها من أعمال بيكون: حيث اكتشف فيكتور كوزين في عام 1848 في (Amiens MS 406)، والذي قام بتحرير هذه الأعمال روبرت ستيل وفرديناند ديلورم، باستثناء بعض الأعمال الجديدة حول تعليم الروح ومفهوم بيكون للمادة وعقيدة التجربة ومذاهب الكليات والتمييز وعقيدة السماوات والكيمياء، وظل محتوى هذه الأعمال غير مدروس إلى حد كبير حتى الوقت الحاضر.
في الواقع يمكن للمرء أن يجادل في أنّ الدراسة العلمية النقدية لهذه الأعمال قد بدأت للتو، وفي عام 2013 أجرت سيلفيا دوناتي دراسة نقدية لـ (Amiens MS 406)، ولقد قدمت حججًا قوية لاستبعاد ثلاثة من التعليقات الفلسفية الثمانية من قانون أعمال بيكون وهي:
أ- أسئلة حول الفيزياء من الأول إلى الرابع.
ب- أسئلة حول الميتافيزيقا الحادي عشر.
جـ- أسئلة حول الميتافيزيقا من الأول إلى الرابع.
استخدمت هذه النصوص الثلاثة بشكل شائع في جميع المنح الدراسية السابقة، وهكذا يجب الآن توخي الحذر الشديد في قراءة المنحة التقليدية في وقت مبكر من بيكون حيث تمت الإشارة إلى هذه الأعمال في كثير من الأحيان.
2- تم العثور على التفسير الثاني والأكثر شهرة لروجر بيكون كعالم في كتاب القرنين التاسع عشر والعشرين حول تاريخ العلم: وله أساس متين في عمل بيكون الخاص، على سبيل المثال طبعة العمل الثالث (Opus tertium) بواسطة جون شيرين بروير، وجهة نظر بيكون (Bacon Perspectiva) في عام 1267 يقدم نموذجًا لعلم تجريبي أدى إلى إضافة جديدة إلى رباعي التقليدي (الحساب والهندسة والفلك والموسيقى) في الجامعات الجديدة في الغرب اللاتيني وهي دراسة بصريات.
كتب زميل بيكون الباريسي جون بيكهام نص التدريس بالجامعة “التعليم المشترك حول وجهة النظر”، ويوجد الآن طبعات نقدية لأهم الأعمال العلمية لبيكون، وتضم جمعية (SISMEL) في فلورنسا بإيطاليا الآن مركزًا للأبحاث روجر بيكون، ولديها خطط للطبعات النقدية المستقبلية، و(SISMEL) هي جمعية دولية لدراسة الثقافة اللاتينية في العصور الوسطى، وتعد مؤسسة غير ربحية مقرها في فلورنسا، وتم مؤخرًا إنشاء جمعية دولية جديدة لدراسة روجر بيكون وهي جمعية أبحاث روجر بيكون.
في عام 1859 وضع ويليام ويويل النغمة لهذا الوصف الحديث لـ (روجر بيكون والعلوم)، وكان ينظر إلى بيكون كمدافع عن التجريب قبل وقته، وفي أواخر القرن التاسع عشر فسر روبرت أدامسون والعديد من الآخرين بيكون على أنّه فيلسوف العلم بالمعنى الحديث للمصطلح، وهذا الفهم لروجر بيكون لم يبدأ في القرن التاسع عشر وفي أواخر عصر النهضة، ووصف فرانسيس بيكون روجر بيكون بأنّه شخصية استثنائية بين طلاب المدارس، كما رأى فرانسيس أنّ روجر بيكون قد وضع جانبًا الخلافات المدرسية في عصره وانخرط في الفهم الميكانيكي لأسرار الطبيعة.
في القرن العشرين ، أكد ثورندايك ودوهيم أنّ دور الملاحظة في علم بيكون كان ضئيلًا ولم يضيف شيئًا إلى فكرته عن العلم، وتجاهلت هذه القراءة الحديثة للطريقة التجريبية الحديثة أهمية البصريات في نموذج بيكون للعلم.
وفي الدراسات الحديثة لعام 2006 وعام 2012 أوضح جيرميا هاكيت الطريقة التي كان بها روجر بيكون بمثابة نقطة توقف لمناقشات مارتن هايدجر حول أصالة العلم الحديث كعلامة على الحداثة، فبالنسبة لهايدجر لم يحقق بيكون اكتشاف ما بعد الجليل وما بعد الديكارتي للإسقاط الرياضي للطبيعة والتجربة الحديثة اللاحقة، وادعى أنّه من الخطأ القول كما فعل الكثيرون بين عامي 1880 و 1940 أنّ روجر بيكون كان مصدر مفهوم ما بعد الديكارتي للعلم.
يمكن للمرء أن يجادل في تفرد المنهج العلمي الحديث دون التنحي جانباً لفترة طويلة أدت إلى كبلر، ويمكن للمرء أن يلاحظ بالمرور أنّ كبلر بالنسبة لهايدجر هو الأب الحقيقي للعلم الحديث، وفي سنوات ما بعد الحرب العالمية الثانية جادل أليستير كاميرون كرومبي في عام 1953 بأنّ الجوانب النوعية للعلم الحديث نشأت في أكسفورد في أوائل القرن الثالث عشر، وتحديداً في أعمال الفيلسوف روبرت جروسيتيست وروجر بيكون، وتلقى هذا التفسير استجابة نقدية من ألكسندر كويري في عام 1957 وآخرين.
على الرغم من التزاماتهما الفلسفية المختلفة بشكل كبير فقد شارك كل من هايدجر وكويري آراء هوسرل حول تميز الإسقاط الرياضي الحديث للطبيعة كشرط للتجربة المضبوطة، وكان يُنظر إلى هذا على أنّه ظاهرة جديدة مميزة وعلامة على الحداثة وشيء مختلف تمامًا عن العلم القديم والعصور الوسطى، وقيل أنّ كرومبي أعاد قراءة بعض جوانب المنهج العلمي الحديث في أعمال جروسيتيست وبيكون، ومع ذلك أشارت دراسة حديثة أجراها ماتيا مانتوفاني إلى صلات واضحة بين نهج بيكون وديكارت في الرؤية والإدراك.
ومع ذلك أكد الفيلسوف توماس كون في عام 1976 أنّ كرومبي قد حدد علاقة منهجية حقيقية بين العلم الحديث في العصور الوسطى وأوائل العصور، في الآونة الأخيرة جادل مايكل شرام في عام 1998 بأنّ بيكون يلعب دورًا مهمًا في تأطير سياق بدايات العصور الوسطى وعصر النهضة والمفاهيم الحديثة المبكرة لقوانين الطبيعة، وتم تناول هذا النقاش الآن من قبل جيورا هون وييل ريزمان كيدار.
كما أكدت الدراسات والعمل التحريري لديفيد ليندبرج حول فلسفة بيكون الطبيعية، على سبيل المثال تكاثر الأنواع (De multiplicatione specierum [DMS]) ووجهة نظر ([PRSP] Perspectiva) للأعوام 1983-1996 على الحاجة إلى قراءة روجر بيكون كعالم من العصور الوسطى وليس على أنّه عالم حديث، وبالتالي يجب فهمه بشكل صحيح كفيلسوف وعالم ولاهوتي من العصور الوسطى، على الرغم من القطبية التي ولّدها تقليدان حديثان منفصلان للتفسير، وتجدر الإشارة إلى وجود بعض الاستمرارية بين اهتمامات بيكون المعلق الأرسطي وكاتب بيكون في العلوم.