الأكاديمة السابقة لأفلاطون وأكاديمية أفلاطون

اقرأ في هذا المقال


كانت الأكاديمية الأفلاطونية أو ببساطة الأكاديمية مدرسة مشهورة في أثينا القديمة، وقد أسسها أفلاطون في عام 428/427 قبل الميلاد، وتقع على بعد بضعة أميال خارج المدينة القديمة المسماة أكاديميا، وبفضل أفلاطون نربط كلمة أكاديمية بالتعليم، وهي الكلمة مشتقة من مالك الأرض التي تقع عليها مدرسته وهو البطل الأسطوري أكاديموس، وفي السابق تأسست الغابة المقدسة مع إحدى صالات الألعاب الرياضية الثلاثة في المدينة القديمة، وهي ملاعب تدريب للرياضيين في القرن السادس قبل الميلاد.

أفلاطون هو الشخص الوحيد الذي يجب أن ينال الفضل في ولادة هذه المؤسسة الفريدة، حيث ورث الأرض التي بنيت عليها الأكاديمية في نهاية المطاف، وبدأ في عقد اجتماعات غير رسمية هناك لمناقشة القضايا الفلسفية مع بعض أصدقائه، وضمت التجمعات مفكرين مثل ثياتيتوس من سونيوم وأرخيتاس تارانتوم وليوداماس من ثاسوس و نيوكليدس، واستمرت هذه الاجتماعات والمناقشات لسنوات، ولكن لم يتم الاعتراف بأكاديميا كأكاديمية رسمية حتى وصل يودوكسوس من كنيدوس في منتصف 380 قبل الميلاد.

عوامل لأثر فلسفة أفلاطون:

يمكن إرجاع تأثير أفلاطون الهائل على الفلسفة والتعليم والثقافة فيما بعد إلى ثلاثة جوانب مترابطة من حياته الفلسفية:

1- حواراته الفلسفية المكتوبة.

2- تعليم وكتابات تلميذه أرسطو.

3- المنظمة التعليمية التي بدأها ألا وهي الأكاديمية.

أخذت أكاديمية أفلاطون اسمها من المكان الذي تجمع فيه أعضاؤها (Akadēmeia)، وهي منطقة خارج حدود مدينة أثينا التي كانت في الأصل تحتوي على بستان مقدس، ثم احتوت لاحقًا على منطقة دينية وصالة ألعاب رياضية عامة، وفي القرن الخامس قبل الميلاد أصبحت أراضي الأكاديمية، ومثل تلك الموجودة في مدرسة ليسيوم (Lyceum) وسينوسارج (Cynosarges)، حيث أصبحت الصالتان الكبيرتان الأخريان خارج أسوار مدينة أثينا مكانًا للنقاش الفكري بالإضافة إلى التمارين والأنشطة الدينية.

كما كان الهدف من الصالات هو بسبب التيارات المتغيرة في التعليم والسياسة والثقافة الأثينية، حيث جاء الفلاسفة والسفسطائيون من مدن أخرى للمشاركة في خميرة أثينا وطاقتها، وأصبحت الصالات أماكن عامة حيث يمكن للفلاسفة التجمع للمناقشة، وحيث يمكن للسفسطائيين تقديم عينات من حكمتهم لإغراء الطلاب بالتسجيل للحصول على تعليم خاص.

فترة الحركة المدرسية:

كان استخدام السفسطة والفلاسفة للصالة الرياضية في القرن الخامس بمثابة مقدمة لما يسمّى بالحركة المدرسية في القرن الرابع قبل الميلاد والتي يمثلها:

1- الفيلسوف أنتيثينيس (Antisthenes) التدريس في مدرسة سينوسارجيس.

2- الخطيب والبليغ اليوناني إيسقراط بالقرب من مدرسة ليسيوم.

3- أفلاطون في الأكاديمية.

4- أرسطو في مدرسة ليسيوم.

5- زينو في ستوا بويكيل (Stoa Poikile).

6- أبيقور في حديقته الخاصة.

على الرغم من أنّ هذه المنظمات ساهمت في تطوير المدارس والكليات والجامعات في العصور الوسطى وعصر النهضة والمعاصرة، ولكن من المهم أن نتذكر أنّ هناك قرابة وثيقة مع الأنشطة التعليمية للسفسطائيين وسقراط وغيرهم.

بدأ أفلاطون في قيادة المناقشات والمشاركة فيها على أرض الأكاديمية في العقود الأولى من القرن الرابع قبل الميلاد، وجاء المفكرون ذوو الاهتمامات المتنوعة للقاء أفلاطون الذي ألقى محاضرة عامة واحدة على الأقل، وكذلك بالإضافة إلى إجراء أبحاثهم الخاصة والمشاركة في الجلسات على الأراضي العامة للأكاديمية وفي حديقة العقار الذي يمتلكه أفلاطون في الجوار، بحلول منتصف عام 370 قبل الميلاد تمكنت الأكاديمية من جذب زينوفون (Xenocrates) من خلقيدون (Chalcedon)، وفي عام 367 وصل أرسطو إلى الأكاديمية الأفلاطونية من ستاجيرا البعيدة نسبيًا.

في حين أنّ الأكاديمية في زمن أفلاطون كانت موحدة حول شخصية أفلاطون وموقع جغرافي محدد، كما كانت مختلفة عن المدارس الأخرى حيث شجع أفلاطون التنوع العقائدي ووجهات النظر المتعددة داخلها، وترأس أحد الأكاديميين أو حاكم المدرسة الأكاديمية لعدة أجيال بعد وفاة أفلاطون عام 347 قبل الميلاد، وغالبًا ما أثرت بقوة على شخصيتها واتجاهها.

بالرغم من تدمير الجنرال الروماني سولا لبستان الأكاديمية وصالة الألعاب الرياضية عام 86 قبل الميلاد، الذي يمثل نهاية المؤسسة الخاصة التي بدأها أفلاطون، ولكن استمر الفلاسفة الذين عرفوا بالأفلاطونيين والأكاديميين في أثينا حتى القرن السادس الميلادي على الأقل، ويمثل هذا الحدث أيضًا نقطة انتقال للأكاديمية من مؤسسة تعليمية مرتبطة بمكان معين إلى مدرسة أكاديمية للفكر تمتد من أفلاطون إلى أفلاطونيين جدد في القرن الخامس الميلادي.

الأكاديمية السابقة لأكاديمية أفلاطون:

في العصور المبكرة كانت المنطقة الواقعة شمال غرب أثينا بالقرب من نهر سيفيسوس تُعرف باسم أكاديمية (Akadēmeia) أو (Hekadēmeia) والتي تحتوي على بستان مقدس، وربما سمي على اسم بطل يُدعى أكاديموس (Akademos) أو (Hekademos).

يذكر بلوتارخ أكاديموس الأسطوري باعتباره اسمًا محتملًا للأكاديمية، ولكن بلوتارخ يسجل أيضًا أنّه ربما تم تسمية الأكاديمية على اسم إيكديموس (Echedemos) معين، على الرغم من أنّه قد تم تسمية الأكاديمية على اسم بطل قديم فمن الممكن أيضًا أن يكون قد تم إنشاء بطل قديم لحساب اسم الأكاديمية.

كانت الأكاديمية تحدها من الشرق هيبيوس كولونوس ومن الجنوب منطقة كيراميكوس التي اشتهرت بإنتاج الفخار، وفي أواخر القرن السادس قبل الميلاد ورد أنّ طاغية بيسستراتيد هيبارخوس بنى صالة للألعاب الرياضية العامة في المنطقة المعروفة باسم الأكاديمية، ومشروع البناء هذا المعروف بنفقاته محاط بسور في جزء من المنطقة المعروفة باسم الأكاديمية، وربما طور هيبارخوس الصالة الرياضية في الأكاديمية لكسب حظوة مع سكان منطقة كيراميكوس.

مثل الصالة الرياضية الرئيسية الأخرى خارج أسوار المدينة صالة الألعاب الرياضية ليسيوم وسينوسارج، فإنّها تعمل الأكاديمية كصالة للألعاب الرياضية جنبًا إلى جنب مع وظيفتها كملاذ ديني.

بعد أن قاد زركسيس الفرس لحرق أثينا عام ٤٨٠ قبل الميلاد، أعاد ثيمستوكليس بناء سور المدينة عام ٤٧٨ قبل الميلاد، يقسم كيراميكوس إلى كيراميكوس داخلي وكيراميكوس خارجي، وبعد مرور بعض الوقت ورد أنّ سيمون أعاد بناء الأكاديمية كمنتزه عام وصالة للألعاب الرياضية من خلال تزويدها بإمدادات المياه ومسارات الجري والمشي المظللة.

في الطريق إلى الأكاديمية من أثينا يمّر المرء من كيراميكوس الداخلي إلى كيراميكوس الخارجي عبر بوابة ديبيلون في سور المدينة، حيث على الطريق المؤدي إلى الأكاديمية يمر المرء عبر مقبرة كبيرة، وفي إشارة إلى منطقة كيراميكوس الخارجية في طريقها إلى الأكاديمية كتب ثوسيديديس: “يتم وضع الموتى في القبر العام في أجمل ضواحي المدينة، حيث يتم دائمًا دفن أولئك الذين سقطوا في الحرب باستثناء من الذين قتلوا في الماراثون”.

يصف بوسانياس الذي وصف الأكاديمية في القرن الثاني بعد الميلاد بأنّها منطقة خارج أثينا، بأنّه يتواجد بها مقابر وملاذات وصالة للألعاب الرياضية، بالإضافة إلى الأضرحة والمذابح التي ذكرها ثيوسيديدز وبوسانياس، وهناك أيضًا حدائق ومساكن في الضواحي في المنطقة المجاورة.

بسبب التحسينات التي بدأها هيبارخوس وسيمون أصبحت الأكاديمية مكانًا جميلًا للمشي والتمرين والقيام بالاحتفالات الدينية، وتم إنتاج مسرحية (The Clouds) لأريستوفانيس لأول مرة في عام 423 قبل الميلاد، وهو يتناقض مع الجمال الريفي للأكاديمية والتعليم التقليدي للماضي مع القيم الثرثرة والصوفية لأجورا.

بينما يوضح أريستوفانيس في مسرحية (The Clouds) أنّ أراضي الأكاديمية بها مسارات للجري ومصدر للمياه وبساتين زيتون مقدسة، ومسارات مظللة مع أشجار الحور والطائرة والدردار، وليس من الواضح ما إذا كانت الأكاديمية خالية من السفسطة كما قدمها أريستوفانيس ربما بشكل ساخر في كوميديا، وعلى أي حال كانت الأكاديمية قريبًا جدًا من أن تصبح مكانًا للنقاش الفكري، كما أنّ بيئتها السلمية كانت متوجهة إلى الاضطراب بسبب احتلال الجيش الإسبرطي لأراضيها أثناء حصار أثينا في الأعوام من 405 إلى عام 404 قبل الميلاد.


شارك المقالة: