الإصلاح الأخلاقي للفيلسوف راسل وتأثير فلسفة سبينوزا

اقرأ في هذا المقال


لا بد أنّه من الواجب التوقف للحظة للنظر في نموذج الفيلسوف برتراند راسلالمثالي، فعلى الرغم من أنّ راسل ادعى أنّه أصدر أحكامه الأخلاقية العملية على أساس مذهب المتعة تقريبًا، إلّا أنّه كان بعيدًا كل البعد عن كونه مناصرًا للمتعة.

فلسفة راسل المثالية:

لقد كان برتراند راسل منفعيًا من نوع ما، وكان يعتقد أنّ الشيء الصحيح الذي يجب فعله هو الفعل الذي يبدو بناءً على الأدلة المتاحة أنّه من المرجح أن ينتج أفضل توازن بين الخير والشر.

ونظرًا لأن البشر لا يستطيعون إجراء الحسابات المطلوبة في كل حالة، فهم بحاجة إلى قواعد سلوك، على الرغم من أنّه يجب أخذها بقليل من الحد من السباق وإعادة تقييمها من وقت لآخر في ضوء المعلومات الجديدة.

هذا أمر معقول وإنساني ولكن ربما يكون ركيك وضعيف قليلاً، ومع ذلك فإنّ مفهوم راسل عن الخير هو أكثر إثارة للاهتمام بعض الشيء، ففي البداية على الرغم من أنّه كان يقدر السعادةالبشرية إلّا أنّه لم ير ذلك من منظور مذهب المتعة البسيط.

فمهما كانت حياة الخنزير ممتعة لم يكن راسل يفضل حياة الخنزير على حياة الإنسان، وكما قدّر راسل الشغف والحياة التي سمحت بدوافع عفوية ولكن إبداعية، وتميزه هذه الآراء عن النفعيين الكلاسيكيين الذين أعجبهم بطريقة أخرى.

أثر فلسفة سبينوزا على أخلاقيات راسل:

إنّ السمات المميزة حقًا لأخلاقيات راسل مستمدة من سبينوزا (1632–1677)، الذي ظل بطلاً فلسفيًا على الرغم من أنّ راسل رفض معظم ما وراءه من ميتافيزيقيا كما هو مبين بشكل محير إلى حد ما في كتابه الأخلاقي لعام 1677.

كان هناك شيء في موقف سبينوزا من الحياة والذي اعتبره راسل صحيحًا تمامًا، ويسمي كينيث بلاكويل (Kenneth Blackwell) هذا أخلاقيات تضخم الذات غير الشخصي.

فوفقًا لهذا المثال تعيش أفضل حياة في وعي الآخر، وهذا يشمل الذات الأخرى بما أن راسل اعتبر الحياة الأنانية البحتة غير مُرضية، وحياة كئيبة أي بلا تاريخ والتي تنطوي على معرفة الذات الأخرى، ولكن أيضًا الأخرى تمامًا أي الكون غير البشري لقوى كبيرة غير شخصية، والرياح والبحر والجبال والنجوم وحتى إن وجدت كيانات الرياضيات.

لقد شعر راسل أنّ الذات تتضخم بالتأمل في اللاذات، وأنّ الشخص الذي تنحصر اهتماماته في حالاته الذهنية الخاصة قد حصر نفسه داخل سجن روحي، وعلى نفس المنوال فإنّ الفلسفة التي تقلل من الواقع إلى انبثاق إما للذات أو للجماعة تقلل من الذات من خلال حرمانها من الوصول إلى الآخر.

قد يبدو كل هذا مرتفعًا وصاعدًا بشكل غير ملائم، ولكن ما يعنيه هذا عمليًا هو أنّ الشخص الصالح يهتم بالآخرين، بما في ذلك الأشخاص الذين قد لا يكونون على صلة بهم وفي العالم بأسره.

يتحدث راسل أحيانًا عن التأمل في هذا الصدد، ولكن لا ينبغي فهم ذلك على أنّه عملية سلبية بحتة، ولا يكتفي الشخص التأملي بالجلوس والتحديق على الرغم من أنّ راسل لم يكن يكره هذا النوع من التأمل، ولكنه يسعى بنشاط لمعرفة الآخر من خلال العلم والتاريخ وأشكال البحث الأخرى.

وهكذا فإنّ نفور راسل من المثالية وفلسفات العلم المعادية للواقعية والذرائعية مرتبط بمثله الأعلى للتوسع الذاتي غير الشخصي، وبالطبع لا يحاول راسل اشتقاق (يكون) مثل الادعاء بأنّ المثالية أو البراغماتية خاطئة، من واجب مثل الادعاء بأنّه يجب علينا توسيع الذات من خلال التأمل في الآخر، وهو أمر سيكون صعبًا إذا كان أي منهما من هذه الفلسفات كانت صحيحة.

لكنه يقترح أنّ هناك شيئًا مشبوهًا أخلاقياً وكذلك خاطئًا حول محاولات اختزال قوى الطبيعة الهائلة إلى تجربة بشرية أو إلى أجهزة تنبؤية مفيدة تمكن البشر من تحقيق غاياتهم الضئيلة.

وبالنسبة إلى راسل الحياة الجيدة هي الحياة التي تنظر إلى الخارج، وهذا أحد أسباب كراهيته للفلسفات التي تقلل ما هو خارج أنفسنا إلى شيء لا يستحق النظر إليه.

فلسفة الاعتراضات على العاطفة والنسبية:

ارتبطت الأخلاق الفوقية لدى راسل ارتباطًا وثيقًا ببرنامجه للإصلاح الأخلاقي، وكانت الفكرة هي الدعوة إلى مجموعة من الغايات الإنسانية والمساواة، وباستخدام أساليب غير عقلانية للإقناع، ثم الجدل على أساس علم النفس والعلوم الاجتماعية والتاريخ والفطرة السليمة بأنّ هذه الغايات ستتحقق على أفضل وجه إذا أطاع الناس عمومًا قانون أخلاقي تم إصلاحه.

يجب تفسير الأحكام التي تفيد بأنّ هذا أو ذاك جيدًا أو سيئًا على أنّها اختيارات مقنعة، على سبيل المثال: “هل يرغب الجميع في (X)!” و”هل يرغب الجميع في عدم الرغبة في (Y)!” على التوالي.

كان من المقرر أن يُعطى كل من (يجب) و (الحق) قراءة تبعية وفهرستها حتى النهايات التي كان راسل يأمل في إقناع جمهوره بمشاركتها، وهكذا جمع راسل تحليلًا عاطفيًا لكل من (جيد) و(سيء) مع قراءة تبعية أو نسبية لكل من (يجب) و (الحق)، ولكن هل كان محقًا في فعل ذلك؟

على الرغم من أنّ راسل وسانتايانا (Santayana) كانا يتلاعبان بالعاطفة في العقد الأول من القرن العشرين، إلّا أنّ هذه النظرية لم تتصدر عناوين الصحف الفلسفية إلّا في الثلاثينيات من القرن الماضي.

منذ ذلك الحين تعرضت لضربة على الرغم من أنّها لا تزال تلقى استحسان الجمهور شبه الفلسفي، إلّا أنّها لم تعد تصدق على نطاق واسع من قبل الفلاسفة المحترفين.

وبالمثل يُنظر إلى النسبية عمومًا على أنّها خيار من القائمة المنسدلة، على الرغم من وجود واحد أو اثنين من الفلاسفة المتميزين المستعدين للتمسك بها، كما هو الحال مع العاطفة، وهل تصمد الأخلاق الفوقية لدى راسل ضد الاعتراضات التي أضعفت المشاعر والنسبية؟


شارك المقالة: