الترجمة في العصر الأندلسي

اقرأ في هذا المقال


منذ خلق البشرية نشأت الحاجة للتواصل بين البشر؛ فتم اختراع الكلام وتطوّر الكلام حتى تم اختراع الكتابة، وصارت كل أمّة من الأمم تقوم بتدوين موروثها الثقافي والتاريخي، بعد ذلك اتسعت رقعة الدول حتى أصبحت تستقل عن بعضها البعض؛ فنشأت الحاجة للتواصل الثقافي، وبسبب اختلاف اللغات نشأ فن الترجمة، كانت الترجمة في بداياتها ليست ذات شأن كبير، ولكن منذ عصر الإسلام وحتى وقتنا الحالي أصبحت الترجمة فن لا يمكن الاستغناء عنه، سنتحدّث عزيزي القارئ في هذا المقال عن حركة الترجمة في العصر الأندلسي.

حركة الترجمة في العصر الأندلسي

يعتبر العصر الأندلسي نقطة تحوّل قويّة للترجمة، والأندلس قديماً بلاد العرب والمسلمين، وهي حالياً دولة إسبانيا والبرتغال، وكان التركيز على العلوم الحديثة والثقافة في هذا العصر كبير جدّاً، ومن أشهر من ساهم في دعم الثقافة وحركة التواصل والترجمة هو (البغدادي)؛ حيث كان الداعم الأكبر للعلماء والمترجمين.

وكانت الحاجة للتواصل بين قرطبة وبغداد إلى الترجمة ودعمها بشكل كبير؛ إذ أن التواصل بين الحضارتين كان أمراً في غاية الأهمية، وكان هنالك مدارس ثقافية في بغداد والكوفة وغيرها من مدن العراق، كان الكثير من الأشخاص الذين انضمّوا لها من دولة الأندلس، ويقال بأن الترجمة نشأت في الأندلس بفضل الصراع القديم الذي نشأ بين المسلمين والمسيحيين.

فكانت الحاجة للتواصل فيما بينهم، وكان ذلك أكبر دافع لدعم الترجمة، والعامل الآخر هو أن الأندلس مكان الثقافة والتي كانت تغرف الدول الأخرى منها وخاصّةً قرطبة، فلا أحد يستطيع إنكار أهمية مكانة الأندلس الثقافية والعلمية، خاصّةً في وقت عبد الرحمن الثاني الذي قام بنقل ثقافة الأندلس إلى بغداد.

كما أن الصراعات التي أثارت قضايا عقائدية وإسلامية حول الدين الإسلامي والمسيحي، ساهمت أيضاً في دعم حركة الترجمة في العصر الأندلسي، ولم تكن تقتصر على الجانب الديني، بل إن الجانب العلمي كان له نصيب في ذلك، كان هنالك الكثير من الدول التي أبدت إعجابها بثقافة الأندلس وحضارتها، ولكن من أكثر الدول التي كانت تبدي إعجابها هي بغداد، والتي انحنى كل من فيها احتراماً وإجلالاً لعظمة حضارة الأندلس.

ويقال أن لكثرة ما قام أهل بغداد بنقل الثقافات والعلوم من الأندلس صارت بغداد تنافس الأندلس في العلوم الحديثة، حيث قامت بتخريج الكثير من العلماء الأجلّاء، حتّى أنّها كانت تكاد تطغى بعلمائها وثقافتها على علماء الأندلس وبيت الحكمة البغدادي.

وكانت الأندلس دولة متعدّدة اللغات، لكن اللغة الرسمية المعتمدة بها هي لغة القرآن الكريم أي العربية الفصحى، ومع ذلك كان الكتّاب في الأندلس يستخدمون اللغة العامية في الكتابة أيضاً، وكان هنالك أيضاً لغات أخرى مثل اللاتينية والبربرية ولغة الرومانس، ولكن احتراماً للغة القرآن الكريم كانت اللغة العربية هي الأكثر استخداماً في الحديث والكتابة وتأليف الكتب.

وكان في عصر الأندلس عدد المترجمين قليل جدّاً؛ حيث كان في كل بلد مترجم واحد فقط، ويسمّى أحياناً القاضي المترجم، وأكثر ما كان يتم ترجمته في العصر الأندلسي هو ترجمة المخطوطات العربية، وكذلك كتب متنوّعة مثل كتب في مجال الزراعة والتاريخ والتنجيم وغيرها، بالإضافة لترجمة الكثير من المؤلّفات العربية التي كان يهتم بها المسيحيين في العصر الأندلسي. وكان هنالك فئة مشهورة من المسيحيين في بلاد الأندلس تسمّى (الفئة المستعربة)، وسمّوا بذلك بسبب استخدامهم للغة العربية؛ حيث يظهر ذلك في عدد كبير من المخطوطات التي تمثّل عصر سيادتهم في الأندلس، وكانت هذه المخطوطات مكتوبة باللغة اللاتينية والتي تم ترجمتها إلى لغات أخرى، وعند التركيز بحواشيها سيجد القارئ الكلام المكتوب باللغة العربية.

ولم تكن العربية تظهر في المخطوطات فقط، بل كانت تظهر أيضاً في الكتب الأخرى، مثل الكتب التي تتضمّن مواضيع فلسفية أو علمية بحتة، وهذا يدل بشكل كبير على اهتمام المسيحيين باللغة المعتمدة في الأندلس وهي اللغة الفصحى لغة القرآن الكريم.

وبشكل عام فإن الترجمة في العصر الأندلسي ازدهرت بشكل كبير؛ حيث أصبح هنالك متخصّصين في مجال الترجمة مثل: (سليمان بن يوسف) وغيرهم الكثير من المتخصّصين في الترجمة من اللاتينية إلى العربية، وعلى الرغم من عدم اللجوء لاستخدام المعاجم والقواميس في هذا العصر، إلّا أن الترجمة في العصر الأندلسي أثبتت الأمانة والدقّة من خلال الجهود الفردية والجماعية.


شارك المقالة: