ما هي علاقة الترجمة بالفلسفة؟

اقرأ في هذا المقال


إن الترجمة فن مرتبط بكثير من المفاهيم مثل: العولمة، اللسانيات، الأدب والأدب المقارن وغيرها من المفاهيم، ولكل مفهوم من هذه المفاهيم رابط خاص بناءً على أسس معيّنة، بالإضافة إلى أن فن الترجمة أثار الكثير من القضايا، وكتب في مجاله الأدباء والنقاد والفلاسفة، سنحكي عزيزي القارئ في هذا المقال عن علاقة الترجمة بالفلسفة.

علاقة الترجمة بالفلسفة

فيما يختصّ بالعلاقة بين الترجمة والفلسفة؛ فيجد البعض أن فن الترجمة بالأساس هو قضية فلسفية، على الرغم من ارتباطه بعدّة مفاهيم أخرى، ولكن الترجمة فن يسعى لاستعادة الفكر وإعادة إحيائه مرّةً أخرى فيما يختصّ ثقافات الدول الأخرى، وهي بذلك وكأنّها تستنسخ الأفكار وتقوم بإعادة كتابتها.

يمكن القول أن هنالك اختلاف بين تعريفات الترجمة وأن التعريفين الأساسيين لها هما؛ الأوّل أن الترجمة تسعى لوحدة الهوية واللغة؛ فهي تحاول الحفاظ على مكانة اللغة قدر الإمكان عند نقل الكلام من لغة إلى أخرى والحفاظ على هوية النص الثقافية والتاريخية، وهي بذلك تشبه نظرية أفلاطون في الميتافيزيقيا وهي (التمييز بين عالم المعقولات والمحسوسات) أو (بين النماذج والنسخ)، فهي تقوم بمحو المسافة بين المترجم والمؤلف وبين النص الأصلي والمستنسخ وبين الهوية ومحو الاختلاف.

ولكن الترجمة مهما حاولت بذل جهود في نسخ النص، إلّا أنّها لا تستطيع فعل ذلك بل يمكن لها المقارب، وعلى الرغم من هذا التشابه، إلّا أن الترجمة تبقى عاجزة عن النقل التام للنص؛ وذلك لأنّها مهما سعت لهذا التشابه والنسخ فهي لن ترقى إليه، وهو ما قام الجاحظ بتوضيحه في كتابيه: (البيان والتبيين) و (الحيوان)، وهو يوضّح في هذين الكتابين أن الأصل يبقى أهم من الترجمة.

ومهما حاولت الترجمة استنساخ النص فستبقى مقصّرة في هذا المجال، ومن ضمن ما قاله الجاحظ في كتابه البيان والتبيين (واللغتان إذا التقتا في اللسان الواحد أدخلت كل واحدة منهما الضيم على صاحبتهما)، وهي بذلك إمّا أن تكون مقصرة وصعبة أو أن تكون مستحيلة بالأساس، خاصّةً بترجمة الشعر وكما قال الجاحظ (الشهر لا يستطاع أن يترجم ولا يجوز عليه النقل، ومتى حول تقطع نظمه وبطل وزنه، وذهب حسنه وسقط موضع التعجب)، وهو بهذا الإيضاح يحكم على الترجمة من منظور أخلاقي، هل هي خيانة أم وفاء للنص؟

والتعريف الآخر يرى بأن الترجمة مهما بلغت من التقصير إلّا أنّها تبقى سبيل من سبل المثاقفة، وهي بذلك لا يتم تعريفها بناءً على تشابه أو تطابق النص أو عدمه، بل يتم تعريفها بناءً على الاختلاف والتغاير بين النصين، وسعيها للقضاء على الغرابة ومحوها تماماً، وهذا الأمر يتم من خلال جر الذات نحو الآخر، أو إذابة الذات في الآخر.

فيكون التعريف الثاني للترجمة على أنّه (توليد القرابة واستبعاد الغرابة)، وبما أن اللغة تستمد قيمتها من ذاتها ولا تقبل الترجمة، فمن خلال الاختلاف الذي ينشأ من خلال الترجمة فتحدث المثاقفة، والترجمة من حيث الاختلاف إمّا أن تكون صعبة أو مستحيلة؛ فهنالك ترجمة صعبة من حيث أن الترجمة أحياناً قد تواجه صعوبات في اللغة، وأحياناً تكون الترجمة مستحيلة وهي عندما يواجه المترجم نص لا يجد له مثيل في لغته، وبجميع الأحوال هي تمثّل الاختلاف، وأن سياسة الترجمة مبنية على الاختلاف ومحو الغرابة بين النصوص سواء كانت ممكنة أو مستحيلة.

ومن منظور فلسفي ينظر لترجمة اللغة واللغة ذاتها بأنّها ليست أداة ووسيلة للتواصل بين الشعوب، بل هي عبارة عن فعل يظهر ويخفي ويوحد يفرق، وتوصّل النقاد والفلاسفة بأن الترجمة بتعريفها المعاصر تجاوزت الميتافيزيقيا والتعريف القديم للترجمة. وأن الترجمة أصبحت قيمتها لا تقل أبداً عن قيمة التأليف والكتابة، وهو أصبح ضرورة حياتية؛ لهذا السبب أصبح الفلاسفة على وعي تام بأهمية الترجمة، حتى إن بعض الفلاسفة أبحوا مترجمين ومن ضمنهم: جاك دريدا و مارتن هايدغر وغيرهم الكثير.

ويرى الأغلب أن الترجمة هي عبارة عن تشكيل لتاريخ النص، بحيث أنّها لا تساهم بتعريفها الحديث أن ينفك النص المترجم عن أصالته، كما أن الترجمة أصبحت أداة للتحديث مشروطة بفلسفة التغاير والاختلاف. باختصار التعريف القديم للترجمة كان يفصل بينها وبين الفلسفة، أمّا التعريف المعاصر فلا يفصل بينهما، بل يرى بأن الترجمة تجاوزت الميتافيزيقيا التي تصفها بأنّها خيانة للنص.


شارك المقالة: