التعليم الأثيني قبل أكاديمية أفلاطون وما بعد أفلاطون

اقرأ في هذا المقال


التعليم في مدينة أثينا في اليونان قديمًا:

الكلمة اليونانية للتعليم هي (paideia) وتغطي كلاً من التعليم الرسمي والتثقيف غير الرسمي، وتم تقسيم (Paideia) تقليديًا إلى قسمين:

1- التربية الثقافية (mousikē): والتي شملت مجال (Muses) مثل الشعر والغناء والعزف على الآلات، والـ(Muses) هو إله في الأساطير الإغريقية يعشق الفن والغناء والرقص والشعر وغيرها من الفنون.

2- التربية البدنية (gymnastik): والتي تضمنت المصارعة وألعاب القوى والتمارين التي يمكن أن تكون مفيدة كتدريب للمعركة.

التعليم القديم والسفسطائيون وسقراط ودائرته:

لم يتم دفع تكاليف التدريس في التربية الثقافية والبدنية من الإنفاق العام في الفترة القديمة أو الكلاسيكية في أثينا، لذلك كان متاحًا فقط لأولئك الذين يستطيعون تحمل تكاليفها، وغالبًا ما كان التعليم يتم في الأماكن العامة مثل الجمنازيوم والباليسترا، وخلال الفترة الكلاسيكية أصبحت الكتابة والحساب الأساسي جزءًا أساسيًا من التعليم الابتدائي أيضًا، بالإضافة إلى التعليم الرسمي شكّل حضور المهرجانات الدينية والمسابقات الدرامية والشعرية والمناقشات السياسية جزءًا مهمًا من تعليم الأثينيين.

على نطاق واسع فإنّ الرجل الأثيني الذي تلقى تعليمه في (التعليم القديم) الذي دافع عنه في (الحجة الأفضل) لأريستوفانيس سيكون على دراية بشعر هوميروس وهسيود، ويكون قادرًا على القراءة والكتابة والعد جيدًا بما يكفي لإدارة حياته الشخصية والمشاركة في حياة بوليس، وأن يكون مثقفًا بما يكفي لتقدير المهرجانات الهزلية والمأساوية في المدينة.

في القرن الخامس قبل الميلاد جاء الفلاسفة والسفسطائيون إلى أثينا من أماكن أخرى، وجذبتهم الثروة المتزايدة للمدينة ومناخ النشاط الفكري، ومن المحتمل أن يكون أناكساغوراس قد جاء إلى أثينا في وقت ما بين 480 و 460 قبل الميلاد، ومرتبطًا ببريكليس رجل الدولة المهم والجنرال، وجاء بارمينيدس وزينو إلى أثينا في 450، بينما جاء السفسطائي بروتاغوراس من أبديرا إلى أثينا في 430 وارتبط أيضًا ببيريكليس، وجاء جورجياس الخطيب من ليونتيني إلى أثينا عام ٤٢٧ قبل الميلاد وقام بتدريس الخطابة مقابل أجر لإيسقراط وأنتيسثين وكثيرين آخرين.

قام المعلمون المتجولون مثل بروتاغوراس وجورجياس بتكميل التعليم التقليدي المقدم في أثينا وزعزع استقراره، كما توثق كوميديا ​​أريستوفانيس في مسرحية (The Clouds) ومحاورات أفلاطون ومصادر أخرى، من أجل كسب الطلاب الذين يدفعون أجورًا، وكان السفسطائيون والخطباء والفلاسفة يقدمون غالبًا عروض تقديمية في الأماكن العامة مثل أغورا أو في صالة الألعاب الرياضية الرئيسية الثلاثة في أثينا والأكاديمية وسينوسارجيس وليسيوم.

في حين أنّ روايات زينوفون وأفلاطون تتناقض مع تصوير أريستوفانيس الهزلي لسقراط كمدرس للبلاغة والعلوم الطبيعية، فإنّ الحوارات الأفلاطونية تُظهر سقراط وهو يتردد على الجيمنازيوم والباليسترا بحثًا عن محادثة، وفي الحوار يوثيفرو يربط يوثيفرو سقراط مع مدرسة ليسيوم، وفي حوار (Lysis) يروي سقراط كيف كان يسير من الأكاديمية إلى المدرسة الثانوية عندما انجذب إلى محادثة في مدرسة مصارعة جديدة.

وبالمثل يقدم يوثيديموس محادثة بين سقراط واثنين من السفسطائيين بحثًا عن طلاب في مبنى صالة للألعاب الرياضية في أرض مدرسة ليسيوم، في حين أنّ سقراط على عكس السفسطائيين لم يأخذ أجرًا أو يعلم مذهبًا معينًا، وكان لديه دائرة من الأفراد الذين ارتبطوا به بانتظام من أجل المناقشة الفكرية.

في حين أنّ إنشاء المدارس الفلسفية من قبل المواطنين الأثينيين في صالة الألعاب الرياضية الرئيسية في أثينا يبدو أنّه ظاهرة من القرن الرابع، وتشير الحوارات الأفلاطونية إلى أنّ الجمنازيوم كانت أماكن للنشاط الفكري والمناقشة في العقد الأخير من القرن الخامس قبل الميلاد وإن لم يكن قبل ذلك.

الأكاديمية بعد أفلاطون:

في عام ٣٤٧ قبل الميلاد توفي أفلاطون عن عمر يناهز الثمانين عامًا، ووفقا لديوجين لايرتيوس تم دفن أفلاطون في الأكاديمية، وعلى عكس الادعاء بأنّ أفلاطون اشترى ممتلكات في المنطقة المقدسة للأكاديمية، فإنّ هذا التأكيد ممكن لأنّ أراضي الأكاديمية كانت تستخدم للدفن والأضرحة والنصب التذكارية، على أي حال يسجل بوسانياس أنّه في وقته كان هناك نصب تذكاري لأفلاطون ليس بعيدًا عن الأكاديمية.

على الرغم من أنّ ترسيخ كلمتي (أكاديمية) و(أكاديمي) في الخطاب المعاصر يجعل استمرار الأكاديمية الأفلاطونية يبدو أمرًا لا مفر منه، وربما لم يكن هذا هو ما ظهر لأفلاطون أو لأعضاء الأكاديمية بعد وفاته، وبدلاً من ذلك استمرت الأكاديمية في تطوير إحساسها بالهوية وخططها للمثابرة بعد وفاة أفلاطون، وتتمثل إحدى طرق تطوير صورة جزئية للأكاديمية بعد وفاة أفلاطون في مراجعة تعاقب العلماء الأكاديميين.

التسلسل الزمني للباحثين بعد أفلاطون وفقًا لديوجينس لايرتيوس هو كما يلي:

1- تم انتخاب سبيوسيبوس من أثينا ابن أخ أفلاطون باحثًا بعد وفاة أفلاطون، وشغل هذا المنصب حتى عام 339 قبل الميلاد.

2- كان زينقراط خلقيدونية باحثًا حتى ٣١٤ قبل الميلاد.

3- كان بوليمو من أثينا باحثًا في الأكاديمية حتى عام 276 قبل الميلاد.

4- كان كراتس من أثينا تلميذ بوليمو الباحث التالي.

5- كان أرسيسولاوس من البيتان باحثًا حتى حوالي عام 241 قبل الميلاد.

6- كان لاسيديس القيرواني باحثًا حتى حوالي عام 216 قبل الميلاد.

7- تيليليس وإيفاندر وكلاهما من فوجا يخلفان لاسيديس كباحثان مزدوجان.

8- هيجسينوس من بيرغامون يخلف الباحثين المزدوجين من فوجا.

9-  نجح كارناديس من قورينا بعد هيجسينوس.

10- كليتوماكس من قرطاج خلف كارنيديس عام 129 قبل الميلاد.

في حين أنّ كليتوماكس هو آخر باحث مدرج من قبل ديوجينس لايرتيوس، يزودنا شيشرون بمعلومات حول فيلو من لاريسا الذي درس معه بنفسه، أنّه كان تلميذ كليتوماكس وكان رئيسًا للأكاديمية، ويعتبر أنطيوكس عسقلان الذي قام بتدريس شيشرون أيضًا أحيانًا رئيسًا للأكاديمية، لكن موقفه الفلسفي وحقيقة أنّ مدرسته لم تلتقي في أرض الأكاديمية تجعل مدرسة أنطيوكس غير متصلة بالأكاديمية الأفلاطونية.

تستخدم مصطلحات (الأكاديمية القديمة) و(الأكاديمية الوسطى) و(الأكاديمية الجديدة) بطرق مختلفة إلى حد ما من قبل شيشرون وسيكستوس إمبيريكوس وديوجينيس لايرتيوس لوصف وجهات النظر المتغيرة للأكاديمية الأفلاطونية من سبيوسيبوس إلى فيلو من لاريسا، وما يبدو واضحًا من مختلف الروايات هو أنّه مع أرسيسولاوس دخلت ميزة متشككة في التفكير الأكاديمي الذي استمر من خلال كارناديس وفيلو من لاريسا.

الحرب الميتريداتية عام ٨٨ قبل الميلاد وتدمير سولا لأراضي الأكاديمية والليسيوم كجزء من حصار أثينا عام 86 قبل الميلاد، كانت علامة على القطيعة بين الدائرة الجغرافية للأكاديمية ونسب التعليمات الفلسفية النابعة من أفلاطون التي تشكل معًا الأكاديمية الأفلاطونية، كما يمثل تدمير صالة الألعاب الرياضية في الليسيوم نهاية مدرسة أرسطو المتجولة.

بينما يمكن القول إنّ الأكاديمية الأفلاطونية انتهت بالحصار الذي قاده سولا، واستمر الفلاسفة بمن فيهم شيشرون وبلوتارخ من تشيرونيا وبروكلوس في تعريف أنفسهم على أنّهم أفلاطونيون أو أكاديميون، وفي عام 176م ساعد الإمبراطور الروماني والفيلسوف الرواقي ماركوس أوريليوس في مواصلة تأثير الفكر الأفلاطوني والأكاديمي من خلال إنشاء الكراسي الإمبراطورية لتدريس الأفلاطونية والرواقية والأرسطية والأبيقورية، لكن حاملي هذه الكراسي لم يكونوا مرتبطين بالمدارس المهجورة منذ فترة طويلة والتي اجتمعت ذات مرة على أرض ليسيوم أو الأكاديمية.

بلوتارخ والأكاديمية الأفلاطونية:

في وقت ما في القرن الرابع بعد الميلاد أعاد الفيلسوف بلوتارخ من أثينا إنشاء مدرسة أفلاطونية في أثينا، على الرغم من أنّ هذه المدرسة لم تلتقي على أرض الأكاديمية.

بعد بلوتارخ كان طلاب هذه المدرسة الأفلاطونية هم:

1- سوريانوس.

2- بروكلس.

3- مارينوس.

4- إيزيدور.

5- داماسكيوس هو آخر علماء هذه الأكاديمية.

في عام 529م منع الإمبراطور الروماني المسيحي جستنيان الوثنيين من التدريس العلني، وهو ما يمثل إلى جانب الغزوات السلافية عام 580م نهاية لازدهار الأفلاطونية الجديدة في أثينا.

تشكل الأكاديمية الأفلاطونية جزءًا مهمًا من تراث أفلاطون الفكري، ويمكن أن يساعدنا تحليلها في فهم اهتمامات أفلاطون التربوية والسياسية والفلسفية بشكل أفضل، وأثناء دراسة الأكاديمية تلقي الضوء على فكر أفلاطون فإنّ تاريخها لا يقدر بثمن، أيضًا لدراسة استقبال فكر أفلاطون ولإكتساب نظرة ثاقبة على أحد المصادر الحاسمة للمؤسسات الأكاديمية اليوم.

في الواقع يُظهر الاستخدام المستمر لكلمتَي (أكاديمية) و(أكاديمي) لوصف المؤسسات التعليمية والعلماء خلال القرن الحادي والعشرين تأثير أكاديمية أفلاطون على التعليم اللاحق، واليوم المنطقة التي تحتوي على المنطقة المقدسة وصالة الألعاب الرياضية التي تضم أكاديمية أفلاطون تقع داخل حي يعرف باسم أكاديميا بلاتونوس، ويمكن الوصول إلى أنقاض الأكاديمية سيرًا على الأقدام، ويساعد متحف صغير (متحف أكاديمية أفلاطون) في توجيه الزوار إلى الموقع.


شارك المقالة: