الحكمة في شعر أبي تمام

اقرأ في هذا المقال


حرص أهل المشرق على الحكمة وتعلقوا بها؛ لأنها تتناول أمور المجتمعات البسيطة والتي تنبثق عن خبرة مكتسبة، وتواجدت الحِكم في ثنايا مقطوعات رواد الأدب ولم تكن متفردة في ذاتها وخدمت الموضوع الرئيسي وسهلت عبورها إلى أذهان المستمعين، وأبو تمام من أشهر رواد الأدب الذين حرصوا على تواجد الحكم في مقطوعاتهم، وفي هذا المقال سنتحدث عن الحكمة في أبياته وأهم مواضيعها.

الحكمة في شعر أبي تمام

أبو تمام من أهم الأدباء الذين برعوا في شعر الحكمة بسبب تعمقه بالحياة وفهمها، حيث ظهرت في شعره على شكل حكم مدموجة مع مواضيع أخرى في نفس المقطوعة، والمستمع لأبياته يلاحظ أن الحكمة لديه لم تكن من صنع ما مرّ به في الحياة من تجارب؛ لأنها جاءت من العلم والأدب في الزمن الذي عاشه.

وضمّت وقائع عن المنطق وكذلك الدين وغيرها فأصبحت الثقافة هي المعين والصندوق لقصائده ولها تعبير واضح وخلّفت أثر في ذهن البشر، ولذلك أطلقوا عليه الأدباء اسم الحكيم البارع، كما عمل أبو تمام على تحديث الحكمة المعتادة لحكمة ترتكز على دلائل ومنطق عقلاني من خلال مقطوعاته بشكل رائع يستوعبه المتلقي من أجل توضيح ما يدور في ذاته لوقائع الدنيا.

واستطاع أبو تمام التعبير عن أمور البشر وأفكارهم وتوضيح ما يخرج عنهم من أفعال معتمدًا على الأدلة والوعي، حيث كان عقله يتحكم بأفكاره رغم توفر الأحاسيس فيها.

الحكمة والأغراض الشعرية عند أبي تمام

لم تظهر الحكمة عند الأدباء المشرقيين بأبيات منفردة، بل وردت من خلال المقطوعات الأدبية في الكلام المنظوم لتدعم أفكارهم وزيادة العزيمة الفنية لها لدخولها بسلاسة لأذهان المتلقين وتسيطر على أحاسيسهم، وأبو تمام من الأدباء الذين عملوا على هذا النهج في نظم أبيات الحكمة وكان لا يرتكز في مقطوعاته على موضوع معين بل أدخل في مقطوعاته تجارب الدنيا على نمط جمل قصيره تتناسب مع أغراض والحالة في الأبيات.

وظهرت الحكمة في المدح حيث نال المكانة الأوسع في أبيات أبو تمام؛ بسبب التكسب وبخصوص الرثاء لا يوجد جدال عليه؛ لأن أبو تمام أشهر من خط فيه، ولا نستثني براعته في الهجاء فله بصمة فيها وكان يعتبر عدم هجاء المتسلط أنه نقص في حق الكريم.

موضوعات الحكمة عند أبي تمام

1- الحكم الإنسانيّة: دلّت على الثقافة الواسعة عند أبي تمام وتناولت مظاهر الحياة الاجتماعيّة المتعددة مثل: التعاون والسمعة الطيبة وكذلك مواضيع السلوك السيئة كالكذب وغيرها.

2- الحكم الأخلاقيّة: هي علاقة الإنسان مع الله سبحانه وتعالى ومع نفسه وكذلك مجتمعه وهي كثيرة في هذا السياق مثل مكارم الأخلاق، وقد جاءت من التقوى الذي تميز به أبو تمام وروعة مقطوعاته.

3- الحكم الدينيّة: يرتكز أبو تمام على التراكيب الإسلاميّة التي خرجت من ثقافته وحفظه لكتاب الله وتمثّلت بالصبر.

نماذج شعر الحكمة لدى أبو تمام

نقِّل فؤاد حيث شئت من الهوى

ما الحب إلا للحبيب الأول

كم منزل في الأرض يألفه الفتى

وحنينه أبداً لأول منزل

وحديثه في التشجيع على الترحال والاغتراب:

وطول مقام المرء في الحي مخلق

لديباجتيه فاغترب تتجدد

فإني رأيت الشمس زيدت محبة

إلى الناس أن ليست عليهم بسرمد

كما ظهرت الحكمة جلية في قصيدته:

أَلِلعُمرِ في الدُنيا تُجِدُّ وَتَعمُرُ

وَأَنتَ غَداً فيها تَموتُ وَتُقبَرُ

تُلَقِّحُ آمالاً وَتَرجو نَتاجَها

وَعُمرُكَ مِمّا قَد تُرَجّيهِ أَقصَرُ

وَهَذا صَباحُ اليَومِ يَنعاكَ ضَوؤُهُ

وَلَيلَتُهُ تَنعاكَ إِن كُنتَ تَشعُرُ

تَحومُ عَلى إِدراكِ ما قَد كُفيتَهُ

وَتُقبِلُ بِالآمالِ فيهِ وَتُدبِرُ

وَرِزقُكَ لا يَعدوكَ إِمّا مُعَجَّلٌ

عَلى حالَةٍ يَوماً وَإِمّا مُؤَخَّرُ

ومن الحكم التي تضمنتها قصائده حثه على الصبر:

أَنوحَ بنَ عَمروٍ إِنَّ ما حُمَّ واقِعٌ

وَلِلأَجنُبِ المُستَعلَياتِ مَصارِعُ

أَلَم يُختَرَم عَمرٌو وَعَمرٌو فَوَدَّعا

وَلاقى الحُوَيّانِ المَنايا وَماتِعُ

فَصَبراً فَفي الصَبرِ الجَلالَةُ وَالتُقى

وَلا إِثمَ إِن خُبِّرتُ أَنَّكَ جازِعُ

فَقَد يَأجُرُ اللَهُ الفَتى وَهوَ كارِهٌ

وَما الأَجرُ إِلّا أَجرُهُ وَهوَ طائِعُ

والحكمة في حديثه عن العقل وأنه لا فائدة إذا لم يُزيَّن بالمال:

ما يَحسِمُ العَقلُ وَالدُنيا تُساسُ بِهِ

ما يَحسِمُ الصَبرُ في الأَحداثِ وَالنُوَبِ

الصَبرُ كاسٍ وَبَطنُ الكَفِّ عارِيَةٌ

وَالعَقلُ عارٍ إِذا لَم يُكسَ بِالنَشَبِ

ما أَضيَعَ العَقلَ إِن لَم يَرعَ ضَيعَتَهُ

وَفرٌ وَأَيُّ رَحىً دارَت بِلا قُطُبِ

نَشِبتُ في لُجَجِ الدُنيا فَأَثكَلَني

مالي وَأُبتُ بِعِرضٍ غَيرِ مُؤتَشَبِ

وفي النهاية نستنتج إن الحكمة كان لها حضور بارز في مقطوعات أبو تمام مرافقة للغرض الرئيسي بحيث تخدمه وتسهل وصوله إلى المتلقي، لقد تنوعت مواضيع الحكمة لديه فظهر منها الأخلاقية والدينية وغيرها.


شارك المقالة: