الشعر السياسي في العصر العباسي

اقرأ في هذا المقال


الكلام المنظوم هو تميز أدبي يركز على استعمال الأساليب والأنماط التعبيرية في موضوع ما يأسر الأفئدة ويسلب العقول بجماله مثل الغزل، لكن الذي يتعلق منه بأمور السلطة فأنه يخص العقل والتدبير دون اللجوء للعاطفة، في هذا المقال سنتناول الكلام المنظوم المتعلق في السلطة في تلك الفترة.

الشعر السياسي في العصر العباسي

واكب الكلام المنظوم في المشرق البيئة المشرقية منذ انطلاقها لما له من أهمية في نفس المشرقي فانه كان يتأثر ويؤثر في اتجاهات الأحداث، حيث كان مكملًا لبعضها وسببا رئيسيٍ لتِلك الأحداث ونجد في المواضيع السابقة ما يغني عن الشرح في الكلام المنظوم الذي كان سبب بتأجج الحروب وكذلك إخمادها، أو إنهاء حياة إنسان أو أطلاق سراحه أو صلح والعديد من الأشكال الدنيوية التي تغلغل الكلام المنظوم.

أنواع الشعر السياسي في العصر العباسي

الكلام المنظوم الليبرالي: هو الكلام المنظوم الذي برز مع شيوع اتجاهات التحرر في الدول المشرقية يوضح أهداف هذه الجهات ويفسرها ويذود عن ثوابتها.

2- الكلام المنظوم الوطني: رواد هذه المقطوعات يخطون بأقلامهم مدح بلادهم واصفين عشقهم له، ويصفون عن حزنهم إذا أصابه مكروه.

3- الكلام المنظوم الذي يتناول السياسة: وهو كلام منظوم الذي يتطرق إلى أمور الدولة ويكون في الغالب مادحًا لقواعد الدولة، ويمكن أن يكون عكس ذلك من خلال نقدها والسخرية منها.

ملامح الشعر السياسي في العصر العباسي

1- السمات الموضوعية: يكون محتوى المقطوعة المجريات التي تخص السلطة أو تتحدث عنها، ودمجها بالمجريات التاريخية السابقة وإظهار الرأي الديني في ذلك.

2- السمة الأسلوبية: وتميز ذلك من خلال استعمال الوصف المباشر وكذلك لاحتواء المقطوعة على مفردات إسلامية، كما أنها كانت تعج بالمحسنات باستخدام الألفاظ القوية التي تدعو للحماس وتحث على رفض الظلم والثورة من أجل التخلص منه.

خصائص الشعر السياسي في العصر العباسي

كان الكلام المنظوم السياسي امتدادًا لما كان عليه في الفترة الأموية غير أنّ طبيعة الحياة السياسيّة قد تبدلت فيه كما كانت في الزمن الأموي، فتوجب ذلك تبديلًا في الحركة الأدبية كذلك، وفيما يلي بعض من أهم السمات للكلام المنظوم  السياسي في الفترة العباسي:

اقتصاره على حزبين

تواجد في الزمن الأموي بعض من العصبة المتصارعة على الخلافة، وبالتالي فإن الكلام المنظوم السياسي كان متطورًا ولكلّ مجموعة منهم رواد يدافعون عنه، فكان المنافسين هم الزبيريّون، والخوارج، وأيضًا الشيعة والأمويين، ولكن مع وصول العباسيين لم يتواجد سوى الشيعة وبني العباس.

الضعف

بسبب الهجوم القوي الذي وجده المخالفون للحكم العباسي فإنّ الكلام المنظوم في السياسي أصبح هزيلًا، وكان أغلب رواد الشعر يخافون الجهر بآرائهم بل أغلبهم كانوا يمدحون الحكام العباسيين من باب الخوف.

الإسرار في الدعوة

وعرف سابقًا أنّ العباسيين كانوا يهددون أعدائهم فصاروا رواد الشعر يؤيدون المذاهب المعاكسة للعباسيين خفيةً من غير أن يعلنوا بذلك؛ خوفًا من الفتك بهم.

أبرز أعلام الشعراء السياسيين في العصر العباسي

بالرغم من شح الكلام المنظوم في السياسة وعدم تطوره بقوة في الفترة العباسية الا أنه كان في كل عائلة رواد للكلام المنظوم يدافعون عنها، وفيما يلي بعض منهم:

1- أبو دُلامة: يعرف بأنه من المدافعين عن حق بني العباس في الحكم.

2- مروان بن أبي حفصة: هو مروان بن سليمان بن يحيى بن أبي حفصة، من رواد الكلام المنظوم ترعرع في الفترتين الأموي والعباسي وهو من المميزين

3- ديك الجن: من شعراء الشيعة، وهو عبد السلام بن زغبان الكلبي، ترعرع ومات في الشام.

4- دعبل الخزاعي: أسمه دعبل بن علي الخزاعي شاعر هجّاء كان يتعاطف مع الشيعة وسليط اللسان على غيرهم.

نماذج من الشعر السياسي في العصر العباسي

“قصيدة يا ابن عم النبي” لأبي دُلامة ينشد فيها:

يا ابنَ عَمِّ النَّبِيِّ دَعوَةُ شَيخٍ

قَد دَنَا هَدمُ دَارِهِ وَدَمَارُه

فَهوَ كالمَاخِضِ التي اعتَادها الطَّلـ

ـقُ فَقَرّت وَمَا يَقِرُّ قَرَارُه

إن يَحُر عُسرُهُ بِكَفَّيكَ يَوماً

فَبِكَفَّيكَ عُسرُه ويَسَارُه

أو تَدَعهُ إلى البَوارِ فَأَنَّى

ولِماذا وأنتَ حيٌّ بَوَارُه

هَل يَخَافُ الهَلاكَ شَاعِرُ قَومٍ

قَدُمَت في مَدِيحِهِم أشعَارُه

يا بَنِي وارِثِ النَّبيِّ الذي حَلـ

ـلَ بِكَفَّيهِ مَالُهُ وعقَارُه

لَكُمُ الأرضُ كُلُّها فَأَعيروا

شَيخَكُم ما حَوَى عَلَيهِ جِدارُه

فَكَأَن قَد مَضَى وخَلَّفَ فِيكُم

مَا أعَرتُم وأقفَرَت مِنهُ دَارُه

“قصيدة طافالخيال” لمروان بن أبي حفصة فينشد فيها:

طافَ الخَيالُ وَحَيِّهِ بِسلامِ

أَنّي أَلَمَّ وَلَيسَ حينَ لِمامِ

يا اِبنَ الَّذي وَرِث النّبِيَّ مُحَمَّداً

دونَ الأَقارِبِ مِن ذَوي الأَرحامِ

أَلوَحيُ بِينَ بَني البَناتِ وَبَينَكُم

قَطَعَ الخِصامَ فَلاتَ حينَ خِصامِ

ما لِلنِّساءِ مَعَ الرِجالِ فَريضَةٌ

نَزَلَت بِذلِكِ سورَةُ الأَنعامِ

أَنّي يَكونُ وَلَيسَ ذاكَ بِكائِنٍ

لِبَني البَناتِ وِراثَةُ الأَعمامِ

أَلغى سِهامَهُمُ الكِتابُ فَحاوَلوا

أَن يَشرَعوا فيها بِغَيرِ سِهامِ

ظَفِرَت بَنو ساقي الحَجيجِ بِحَقِّهِم

وَغُرِرتُمُ بِتَوَهُّمِ الأَحلامِ

خَلّوا الطَريقَ لِمَعشَرٍ عاداتُهُم

حَطمُ المَناكِبِ كُلَّ يَومِ زِحامِ

وَاِرضَوا بِما قَسَمَ الإِلهُ لَكُم بِهِ

وَدَعوا وِراثَةَ كُلِّ أَصيَدَ حامِ

” قصيدة يا عين لا للغضا ولا الكثب” لديك الجن ينشد فيها:

يا عَينُ لا للغَضَا ولا الكُثُبِ

بُكَا الرَّزَايا سِوى بُكا الطّرَبِ

جُودِي وجِدِّي بملءِ جَفْنِكِ ثُـ

ـمَّ احْتفِلي بالدُّموعِ وانْكسبي

يا عينُ في كَرْبُلاَ مَقَابِرُ قَدْ

تَرَكْنَ قَلبي مَقَابرَ الكُرَبِ

مَقابرٌ تحتَها مَنابِرُ مِنْ

عِلْمٍ وحِلْمٍ ومَنْظَرٍ عَجَبِ

مِنَ البَهَاليلِ آلِ فاطمةٍ

أَهْلِ المعالي والسّادةِ النُّجُبِ

كَمْ شَرِقَتْ مِنْهُمُ السُّيُوفُ وكَمْ

رُوِّيَتِ الأَرْضُ مِنْ دَمٍ سَرِبِ

نَفْسي فِداءٌ لَكُمْ ومَنْ لَكُمُ

نَفْسي وأُمِّي وأُسْرَتي وأَبي

لا تَبْعَدُوا يا بَني النّبِيِّ على

أَنْ قَد بَعُدْتُمْ والدُّهْرُ ذُو نُوَبِ

يا نَفْسُ لا تَسْأَمِيْ ولا تَضيقِي

وَارْسِي على الخَطْبِ رَسْوَةَ الهُضُبِ

صُوني شُعَاعَ الضَّمير واسْتَشْعِرِي

الصَّبْرَ وحُسْنَ العَزَاءِ واحْتَسِبي

” قصيدة مدارس آيات” لدعبل الخزاعي يقول:

مَدارِسُ آياتٍ خَلَت مِن تِلاوَةٍ

وَمَنزِلُ وَحيٍ مُقفِرُ العَرَصاتِ

لِآلِ رَسولِ اللَهِ بِالخَيفِ مِن مِنىً

وَبِالرُكنِ وَالتَعريفِ وَالجَمَراتِ

دِيارُ عَلِيٍّ وَالحُسَينِ وَجَعفَرٍ

وَحَمزَةَ وَالسُجّادِ ذي الثَفِناتِ

دِيارٌ عَفاها جَورُ كُلِّ مُنابِذٍ

وَلَم تَعفُ لِلأَيّامِ وَالسَنَواتِ

قِفا نَسأَلِ الدارَ الَّتي خَفَّ أَهلُها

مَتى عَهدُها بِالصَومِ وَالصَلَواتِ

وَأَينَ الأُلى شَطَّت بِهِم غَربَةُ النَوى

أَفانينَ في الآفاقِ مُفتَرِقاتِ

هُمُ أَهلُ ميراثِ النَبِيِّ إِذا اِعتَزَوا

وَهُم خَيرُ قاداتٍ وَخَيرُ حُماةِ

وفي النهاية نستنتج أن الكلام المنظوم في تلك الفترة كان مواكبًا لمجريات العصر ويعد سجلًا تاريخيًا يحمل في طياته تاريخ تلك الفترة، وما ظهر فيها من أمور السلطة وبرز في هذا النمط أبو دولامة وأيضًا ديك الجن وغيرهم.


شارك المقالة: