الشك الأكاديمي لدى الفيلسوف كارناديس

اقرأ في هذا المقال


أصبح الفيلسوف لاسيديس رئيسًا للأكاديمية الأفلاطونية حوالي عام 243 قبل الميلاد خلفًا للفيلسوف أركسيلاوس الذي كان رئيسًا للأكاديمية الأفلاطونية للأعوام من 318 قبل الميلاد إلى عام 234 قبل الميلاد، ثم تولى إيفاندر وهيجسينوس بدورهما رئاسة الأكاديمية.

كارناديس وفلسفته:

كان كارنيديس الذي ولد في عام حوالي 213 قبل الميلاد وتوفي في عام 129 قبل الميلاد، وهو أحد أبرز المتشككين الأكاديميين، وكرئيس للأكاديمية الأفلاطونية فهو لم يجادل فقط ضد المواقف العقائدية للفلاسفة الآخرين، فقد طور حججًا لصالح وجهات نظر لم يتم أخذها في الاعتبار من قبل، وكذلك من أجل إثبات أنّه لا يمكن اعتبار أي نتيجة صحيحة تمامًا، كما كان اهتمامه بالأخلاق ونظرية المعرفة وقد برع في الخطابة والجدلية.

وقد قدم العديد من المساهمات الفلسفية الهامة بما في ذلك الحجج ضد الحتمية، ومناقشات حول قيمة الحقيقة من التصريحات حول المستقبل وحرية الإنسان، وأصبح نظامه لتصنيف القيم الأخلاقية لعمليات التفكير المختلفة إطارًا فلسفيًا قياسيًا، ولقد طوّر معيارًا متشككًا للحكم على دقة انطباع الحس من خلال تقييم المعقولية النسبية معيار علمي إلى (pithanon)، ومن غير الواضح ما إذا كان كارناديس نفسه قد قبل تمامًا هذا المعيار باعتباره صالحًا ومفيدًا.

أشار الكتاب القدماء إلى كارنيديس على أنّه مؤسس الأكاديمية الثالثة أو الجديدة، بعد الأكاديمية الثانية أو الوسطى لأركسيلاوس والأكاديمية الأولى أو القديمة لأفلاطون وخلفائه، وقام كارنيديس بتعديل الشكوك للسماح بصحة الآراء الراسخة مما فتح النقاش المتشكك لموضوعات أخرى إلى جانب نظرية المعرفة مثل اللاهوت والميتافيزيقا والفلسفة الطبيعية، وقد كرس المتشككون في وقت لاحق أنفسهم لفهم وتفسير فكر كارنيديس.

بعد الفيلسوف هيجسينوس تولى كارناديس القيرواني الذي ربما تولى المسؤولية الأكثر شهرة من الأكاديميين المتشككين، وبدلاً من مجرد الرد على المواقف العقائدية التي تم تبنيها حاليًا كما فعل أركسيلاوس، طوّر كارناديس مجموعة واسعة من الحجج المتشككة ضد أي موقف عقائدي محتمل بما في ذلك بعض التي لم يتم الدفاع عنها، كما وضع معيارًا عمليًا أكثر تفصيلاً إلى (pithanon) أي المحتمل، كما كان الحال مع أركسيلاوس لم يترك شيئًا مكتوبًا باستثناء بضعة أحرف لم تعد موجودة.

الجدل السقراطي:

استخدم كارنيديس نفس الإستراتيجيات الديالكتيكية مثل أركسيلاوس وبالمثل وجد إلهامه ونموذجه في أفلاطون سقراط، حيث كانت الممارسة السقراطية التي استخدمها كارنيديس وفقًا لشيشرون هي محاولة إخفاء رأيه الخاص، وإراحة الآخرين من الخداع وفي كل مناقشة للبحث عن الحل الأكثر احتمالية.

في عام ١٥٥ قبل الميلاد وبعد حوالي مائة عام من وفاة أركسيلاوس في عام ٢٤٣قبل الميلاد ورد أنّ كارنيديس ذهب كسفير لأثيني في روما، وهناك قدم حججًا في يوم من الأيام لصالح العدالة وفي اليوم التالي قدم الحجج ضدها، ولقد فعل ذلك ليس لأنّه كان يعتقد أنّه يجب الاستخفاف بالعدالة بل لإظهار المدافعين عنها أنّه ليس لديهم دعم قاطع لوجهة نظرهم.

وبالمثل نجد كارناديس يجادل ضد المفهوم الرواقي للآلهة ليس من أجل إظهار أنّها غير موجودة، بل لإظهار أنّ الرواقيين لم يثبتوا أي شيء يتعلق بالإلهية، ويبدو إذن أنّ كارنيديس كان مدفوعًا أساسًا بالهدف السقراطي المتمثل في إعفاء الآخرين من التظاهر الزائف بالمعرفة أو الحكمة، وأنّه سعى وراء هذا الهدف بشكل ديالكتيكي من خلال الجدل مع المواقف الفلسفية وضدها.

النظرية الأخلاقية:

ولكن في حين بدا أنّ أركسيلاوس يقصر أهدافه على المواقف التي يشغلها في الواقع محاوروه، فإنّ كارنيديس عمم هجومه المتشكك على الأقل في الأخلاق ونظرية المعرفة، حيث كانت المهمة الرئيسية للأخلاق الهلنستية هي تحديد خلاصة السعادة، والهدف الذي يجب أن تهدف إليه جميع أفعالنا إذا أردنا أن نعيش حياة سعيدة وسعيدة.

كما أدرج كارناديس جميع المرشحين الذين يمكن الدفاع عنهم بما في ذلك بعض الذين لم يتم الدفاع عنهم في الواقع، ومن أجل المجادلة مع كل منهم وضدهم وإظهار أنّه لا يوجد أحد في الواقع يعرف ما هو ملخص المكافأة، وإذا كان هناك بالفعل واحد، وربما يكون قد قصد الاستنتاج الأقوى بأنّه من غير الممكن اكتساب المعرفة ببرنامج تلخيص بونوم (summum bonum)، وبافتراض أنّ قائمته كانت شاملة لجميع المرشحين الجادين.

الحكيم الرواقي:

كما هو الحال مع أركسيلاوس ركّز كارنيديس أيضًا الكثير من طاقته المتشككة على الرواقيين ولا سيما آراء الباحث كريسيبوس، ولقد طوّر الرواقيون رؤية مفصلة للحكمة باعتبارها حياة متوافقة مع الطبيعة، فلا يخطئ الحكيم الرواقي أبدًا فهو لا يقدر أبدًا خيرات الثروة بشكل خاطئ، ولا يعاني أبدًا من المشاعر المرضية ويظل دائمًا هادئًا.

كما أنّ سعادته مصونة تمامًا لأنّ كل ما يفعله وكل ما يختبره هو بالضبط كما ينبغي وبشكل حاسم يعرف أن هذا صحيح، على الرغم من أنّ الرواقيين كانوا مترددين للغاية في الاعتراف بأنّ أي شخص قد حقق هذه الفضيلة غير العادية حتى الآن إلّا أنّهم أصروا على أنّها كانت إمكانية حقيقية.

بصفته ديالكتيكيًا فحص كارنيديس بعناية هذا المفهوم للحكيم، وكان يجادل أحيانًا خلافًا لوجهة النظر الرواقية بأنّ الحكيم سيوافق في الواقع على الانطباعات غير التحفيزية، وبالتالي كان عرضة للخطأ، ولأنّه قد يشكل آراء حتى في حالة عدم وجود (katalepsis)، ولكنه أيضًا جادل على ما يبدو ضد وجهة النظر القائلة بأنّ الحكيم سيتبنى مجرد آراء في غياب (katalepsis).

كما أنّه من المفترض أنّه لم يؤيد أي من الموقفين بنفسه لأنّ المسألة التي كان يجب تحديدها أولاً كانت ما إذا كان (katalepsis) ممكنًا أم لا، وبعبارة أخرى إذا كان اليقين ممكنًا فلا ينبغي للحكيم بالطبع أن يقبل مجرد رأي، ولكن إذا لم يكن ذلك ممكنًا فربما يكون من حقه أن يتبنى مجرد آراء بشرط أن يتم فحصها وفحصها بدقة.

نظرية المعرفة:

تمامًا كما عمم كارنيديس هجومه المتشكك على النظريات الأخلاقية فقد جادل أيضًا ضد جميع النظريات المعرفية لأسلافه، وكانت المهمة الرئيسية لنظرية المعرفة الهلنستية هي تحديد معيار الحقيقة (المعيار أو القياس أو الاختبار)، وإذا تم اعتبار معيار الحقيقة نوعًا من الانطباع الحسي كما هو الحال في النظرية الرواقية، عندها لن نكون قادرين على اكتشاف أي انطباع لا يمكن أن يبدو من حيث المبدأ صحيحًا لأكثر الإدراك تدريباً وخبرة وحساسية ومع ذلك لا يزال خاطئًا.

ولكن إذا لم نتمكن من اكتشاف أي انطباع معياري للحس فلن تكون ملكة العقل وحدها قادرة على تزويدنا بمعيار، وبقدر ما نقبل وجهة النظر التجريبية (الشائعة بين الفلاسفة الهلنستيين) القائلة بأنّه لا شيء يمكن أن يحكم عليه العقل الذي لم يدخله الحواس أولاً، وليس هناك أي دليل يشير إلى أنّ كارنيديس جادل أيضًا ضد العقلاني أو النهج المسبق للمعيار.


شارك المقالة: