هناك القليل جدًا من المعلومات عن الفيلسوف سكستوس إمبيريكوس بصرف النظر عن حقيقة أنّه كان طبيبًا، وربما كان على قيد الحياة منذ القرن الثاني بعد الميلاد أو في أواخر القرن الثالث بعد الميلاد، ولا يمكننا أن نكون متأكدين من المكان الذي يعيش فيه أو أين مارس الطب أو أين كان يدرس إذا كان يعلم بالفعل، بالإضافة إلى كتبه الفلسفية كتب أيضًا بعض الرسائل الطبية التي لم تعد موجودة.
أعمال سكستوس إمبيريكوس:
هناك ثلاثة أعمال فلسفية نجت له وتم تجميع اثنين من هذه الأعمال معًا تحت العنوان العام (Adversus Mathematikos)، والتي يمكن ترجمتها على أنّها ضد المتعلمين أو ضد الأساتذة أي أولئك الذين يدعون أنّهم يعرفون شيئًا يستحق التدريس، ومن المحتمل أن يكون هذا التجميع مضللًا لأنّ المجموعة الأولى من ستة كتب (الفصول وفقًا للمعايير الحالية) كاملة وتشكل وحدة متكاملة قائمة بذاتها، وفي الواقع يشير سكستوس إليهم بعنوان أطروحات متشككة.
يستهدف كل من هذه الكتب بعض الموضوعات المحددة التي يدعي الناس أنّهم خبراء فيها وبالتالي: القواعد والبلاغة والرياضيات والهندسة وعلم التنجيم والموسيقى يشار إلى هذه باسم (M) 1-6 على التوالي، وهناك خمسة كتب إضافية في المجموعة الثانية مجمعة تحت عنوان (Adversus Mathematikos):
1- كتابان يحتويان على حجج ضد المنطقيين (7,8 M).
2- كتابان ضد الفيزيائيين (9,10 M).
3- كتاب واحد ضد الأخلاقيين (11 M).
يبدو أنّ هذه المجموعة من الكتب غير مكتملة لأنّ افتتاح (M 7) يشير مرة أخرى إلى الخطوط العريضة العامة للشك التي لا توجد في أي من كتب (M).
العمل الثالث هو (The Outlines of Pyrrhonism) وذلك في ثلاثة كتب وهم:
1- يقدم الكتاب الأول ملخصًا موجزًا للشك البيروني ويتوافق مع الجزء المفقود من (M).
2- يقدم الكتابان الثاني والثالث حججًا ضد المنطقيين والفيزيائيين وعلماء الأخلاق وتتوافق مع (M 7) إلى (11).
كما تميل المناقشة في (PH) إلى أن تكون أكثر إيجازًا وصياغة بعناية، على الرغم من وجود تفاصيل وتطور أكبر للعديد من نفس الحجج في (M)، وإنّ طبيعة العلاقة بين هذه الأعمال الثلاثة متنازع عليها كثيرًا خاصة وأن العرض المقدم في (PH) يبدو أنّه غير متوافق مع أجزاء كبيرة من (M).
الحساب العام للشك:
يبدأ سكستوس عرضه العام للشك البيروني بالتمييز بين ثلاثة أنواع أساسية من الفيلسوف:
1- دوغماتيون الذين يعتقدون أنّهم اكتشفوا الحقيقة.
2- الأكاديميون (العقائديون السلبيون) الذين يؤمنون بالحقيقة لا يمكن اكتشافها.
3- المشككين الذين يواصلون التحقيق معتقدين أنّه لا أحد قد اكتشف الحقيقة حتى الآن ولا أنّه من المستحيل القيام بذلك.
على الرغم من أنّ توصيفه للأكاديميين ربما يكون جدليًا وغير عادل إلّا أنّ الفروق العامة التي يقوم بها مهمة، ويفهم سكستوس المتشكك على الأقل اسميًا كما يفعل بيرو وانيسيديموس على أنّه الشخص الذي بتعليق الحكم لا يحدد شيئًا ويتمتع بالهدوء نتيجة لذلك، ولكن مفهومه لتعليق الحكم يختلف اختلافًا كبيرًا عن مفهوم أسلافه.
الطريق إلى الشك:
وفقًا لسكستوس لا يبدأ المرء كمتشكك بل يتعثر عليه، ففي البداية يصبح المرء منزعجًا من أنواع الخلافات التي تركز على أنماط انيسيديموس ويسعى إلى تحديد المظاهر التي تمثل العالم بدقة وأي التفسيرات تكشف بدقة التواريخ السببية للأحداث، ويؤكد سيكستوس أنّ الدافع وراء اكتشاف الأشياء هو الهدوء أي إزالة الاضطراب الناتج عن مواجهة وجهات النظر غير المتوافقة مع العالم.
في الوقت الذي يحاول فيه المتشكك الأولي فرز الأدلة واكتشاف المنظور المتميز أو النظرية الصحيحة، فوجد أنّه لكل حساب يزعم إنشاء شيء حقيقي عن العالم وهناك حساب آخر مقنع بنفس القدر، والذي يهدف إلى إنشاء معارضة و عرض غير متوافق لنفس الشيء، ونظرًا لكونه يواجه هذا التكافؤ فإنّه غير قادر على الموافقة على أي من الروايات المعارضة وبالتالي يوقف الحكم، وهذا بالطبع ليس ما شرع في القيام به.
ولكن بحكم نزاهته الفكرية فهو ببساطة غير قادر على الوصول إلى نتيجة ولذلك يجد نفسه بدون أي وجهة نظر محددة، وما وجده أيضًا هو أنّ الهدوء الذي كان يعتقد في الأصل أنّه لن يتحقق إلّا من خلال الوصول إلى الحقيقة ويتبع حكمه المعلق حيث يتبع الظل الجسد.
يقدم سكستوس قصة حية لتوضيح هذه العملية، حيث كان الرسام أبيليس يحاول تمثيل الرغوة على فم الحصان الذي كان يرسمه، ولكن في كل مرة قام بتطبيق الطلاء فشل في الحصول على التأثير المطلوب، وبعد أن شعر بالإحباط ألقى الإسفنجة التي كان يمسح الطلاء عليها على الصورة وأنتج عن غير قصد التأثير الذي كان يكافح من أجل تحقيقه.
النقطة المماثلة في حالة البحث عن الحقيقة هي أنّ الهدوء المنشود لا يأتي إلّا بشكل غير مباشر، وليس بالتخلي عن السعي وراء الحقيقة، بل بالتخلي عن توقع أنّه يجب علينا الحصول على الحقيقة للحصول على الهدوء، حيث إنّه لا يمكن للمرء أن يكتسب عن قصد حالة سلمية وهادئة ولكن يجب أن يترك ذلك يحدث نتيجة للتخلي عن النضال، ولكن مرة أخرى التخلي عن النضال من أجل المتشككين لا يعني التخلي عن السعي وراء الحقيقة، ويواصل المشكك التحقيق من أجل حماية نفسه من خداع العقل وإغراءاته التي تؤدي إلى اعتناق آراء محددة.
يعتقد سكستوس أنّ الوصول إلى وجهات نظر محددة ليس مجرد مسألة خداع فكري، والأهم من ذلك أنّها المصدر الرئيسي لكل الاضطرابات النفسية، وبالنسبة لأولئك الذين يعتقدون أنّ الأشياء جيدة أو سيئة بطبيعتها فإنّهم مضطربون دائمًا، وعندما يفتقرون إلى ما يعتقدون أنّه جيد يجب أن تبدو حياتهم ناقصة بشكل خطير إن لم تكن بائسة تمامًا، وهم يكافحون قدر الإمكان للحصول على هذه الأشياء، ولكن عندما يكون لديهم أخيرًا ما يعتقدون أنّه جيد فإنّهم يبذلون جهودًا لا حصر لها في الحفاظ على هذه الأشياء والحفاظ عليها ويعيشون في خوف من فقدانها.
ومع ذلك لا يقتصر تشخيص سكستوس على المعتقدات التقييمية، ويتضح هذا بحقيقة أنّه يقدم حججًا مستفيضة ضد النظريات الفيزيائية والمنطقية (بالمعنى الواسع والعلمية والمعرفية) أيضًا، وكيف إذن تساهم مثل هذه المعتقدات في الاضطرابات النفسية التي تسعى سكستوس للقضاء عليها؟ والرد الأكثر منطقية هو أنّ أي اعتقاد نجده سيكستوس يجادل ضده في (PH) هو اعتقاد سيساهم حتمًا في تقييمات المرء للعالم، وبالتالي سيساهم في الجهود المكثفة التي تميز الاضطراب، وإنّ فحص عينة من الأطروحات المنطقية والفيزيائية التي يناقشها سكستوس تدل على ذلك.
لعبت العديد من هذه المعتقدات أدوارًا أساسية في الأنظمة الأبيقورية أو الرواقية وبالتالي تم توظيفها لتأسيس معتقدات أخلاقية وتقييمية، وإنّ الاعتقاد بأنّ العالم المادي يتكون من ذرات غير مرئية على سبيل المثال لن ينتج عنه بحد ذاته أي اضطراب حيث يجب أن نستخلص استنتاجات من هذا الاعتقاد حتى يكون له أي أهمية بالنسبة لنا فيما يتعلق بالاختيار والتجنب، لذلك فمن الأنسب أن ننظر إلى ما هو أبعد من الاضطراب الذي قد ينتج عن معتقدات فردية منعزلة، وأنّ ننظر بدلاً من ذلك في تأثير قبول نظام من الادعاءات المترابطة والمتداعمة والمتبادلة.