اقرأ في هذا المقال
- هل هناك حقا علاقة تجمع بين الفكر واللغة؟
- لغة الفكر
- الفرضيات العلمية في اللغة والفكر
- الدراسات المتعلقة بفرضية سابير وورف في الفكر واللغة
هل هناك حقا علاقة تجمع بين الفكر واللغة؟
فكرة أن اللغة تؤثر على الفكر لها تاريخ طويل في مجموعة متنوعة من المجالات، فهناك مجموعتان من الأفكار تتشكل حول هذا النقاش. حيث تنبع مجموعة فكرية واحدة من علم اللغة وتُعرف باسم فرضية سابير وورف، فهناك نسخة قوية وضعيفة من الفرضية التي تدافع عن تأثير اللغة على الفكر بشكل أو بآخر. فالأولى هي النسخة القوية والتي تعرف بـالحتمية اللغوية، التي تجادل بأنه بدون اللغة لا يوجد فكر، وثانيًا النسخة الضعيفة، والتي تعرف بـالنسبية اللغوية، التي تدعم فكرة أن هناك بعض التأثيرات من اللغة على الفكر.
ومن جانب آخر، تتواجد نظريات لغوية تدعم الفكر اللغوي اسمها لغة الفكر (LOTH)، فتعتقد هذه النظرية أنه لا تعد اللغة العامة لغة هامة للفكر اللغوي الخاص بالفرد، كما تجادل العديد من النظريات حول ما إذا كان الفكر عملية ممكنة بدون وجود لغة، فهذا يرتبط بنظرية ما إذا كانت اللغة في الأساس قد تطورت للفكر. حيث تعد دراسة مثل هذه الأفكار أمرًا صعبًا؛ وذلك لأنها تبين صعوبة تحليل آثار الثقافة في الفكر واللغة في مختلف الحقول الأكاديمية.
يعد الاستخدام الرئيسي للغة هو نقل الأفكار من شخص إلى شخص آخر، فإن أجزاء المعلومات اللغوية التي تدخل إلى عقل شخص ما تجعل الناس يستمتعون بفكرة جديدة لها تأثيرات عميقة على معرفته العالمية والاستنتاج والسلوك اللاحق. وكما يعرف بأن اللغة لا تخلق ولا تشوه الحياة المفاهيمية. فيأتي الفكر أولاً ومن ثم تأتي اللغة والتي تؤثر على طريقة نقل الأفكار. ولكن هناك قيود معينة في اللغة، ولا يستطيع البشر التعبير عن كل ما يفكرون فيه.
لغة الفكر:
تعد نظريات لغة الفكر بأنها نظريات ودراسات لغوية تعتقد بأن التمثيل العقلي له بنية لغوية محددة. فالأفكار هي مجموعة من الجمل التي تتكون في الرأس، بمعنى أنها تحدث ضمن لغة ونطاق عقلي محدد. كما يتواجد نظريتان يعملا على دعم نظرية لغة الفكر، والتي تفترض بأن النظرية النحوية السببية للممارسات العقلية، أن العمليات العقلية هي عمليات سببية محددة عبر بناء جملة التمثيلات العقلية.
حيث تفترض النظرية التمثيلية للعقل أن المواقف الافتراضية هي عبارة عن علاقات بين المواضيع والتصورات العقلية. كما تشرح هذه النظريات كيف يمكن للدماغ أن ينتج تفكيرًا وسلوكًا عقلانيًا، فكل هذه النظريات الثلاث مستوحاة من تطور الاستدلال المنطقي الحديث. كما أنها مستوحاة من عمل العالم آلان تورينج على العمليات السببية التي تتطلب إجراءات رسمية داخل الآلات الفيزيائية، فيتوقف الكثير على الاعتقاد بأن العقل يعمل مثل الكمبيوتر، دائمًا في العمليات الحسابية. كما تعتقد النظرية أن التمثيل العقلي له بناء جملة اندماجي ودلالات تركيبية.
فهناك ادعاء يزعم بأن التمثيلات العقلية تمتلك بناء جملة اندماجي ودلالي تركيبي، أي أن التمثيلات العقلية هي جمل في لغة عقلية، فعمل العالم آلان تورينج على تنفيذ الآلات الفيزيائية للعمليات السببية التي تتطلب إجراءات رسمية تم تصميمه على غرار هذه المعتقدات. حيث طور العالم اللغوي البارز ستيفن بينكر، فكرة اللغة العقلية هذه في كتابه غريزة اللغة في عام (1994). في مسرد كتابه يعرّف العالم اللغوي ستيفن بينكر اللغة العقلية على أنها لغة افتراضية مستخدمة خصيصًا للفكر. كما تضم هذه اللغة الافتراضية تمثيلات عقلية لمفاهيم مثل معنى الكلمات والجمل.
الفرضيات العلمية في اللغة والفكر:
تنص فرضية سابير وورف في علم اللسانيات على أن البنية النحوية للغة الأم تؤثر على طريقة إدراكنا للعالم. فتم التخلي عن الفرضية إلى حد كبير من قبل اللغويين لأنها وجدت دعمًا تجريبيًا محدودًا للغاية، على الأقل في شكلها القوي، وهذا ما نصت عليه نظرية الحتمية اللغوية. فعلى سبيل المثال، أظهرت دراسة أن المتحدثين باللغات التي تفتقر إلى الحالة المزاجية الشَرطية، مثل تجربة اللغة الصينية، يواجهون صعوبة في التعامل مع المشكلات الافتراضية، كما أنهم فقدوا المصداقية اللغوية بهذه اللغة.
نظرية العالم اللغوي نعوم تشومسكي:
وأظهرت دراسة أخرى أن الأشخاص في اختبارات الذاكرة هم أكثر عرضة لتذكر لون معين إذا كانت لغتهم الأم تتضمن كلمة لهذا اللون، فإن هذه النتائج لا تدعم بالضرورة هذه الفرضية على وجه التحديد. كما يمكن الاطلاع على دراسات أخرى تتعلق بفرضية سابير وورف في قسم الدراسات اللغوية المختلفة. حيث تعتبر نظرية العالم نعوم تشومسكي المستقلة، بأن اللغة تعد واحدة من جوانب الإدراك، فتنص هذه النظرية على وجود عدد من الأنظمة المعرفية، والتي يبدو أنها تمتلك خصائص محددة ومميزة.
نظرية العالم ليف سيمينوفيتش فيغوتسكي:
تدعم نظرية العالم ليف سيمينوفيتش فيجوتسكي حول التطور المعرفي والمعروفة باسم نظرية فيجوتسكي للأدوار المتبادلة، فكرة أن التنمية الاجتماعية والفردية تنبع من عمليات التفاعل الديالكتيكي وتوحيد الوظائف. كما يعتقد ليف فيجوتسكي أنه قبل بلوغ الطفل سن الثانية، يتطور الكلام والفكر بطرق مختلفة جنبًا إلى جنب مع الوظائف المختلفة. حيث تدعم فكرة أن العلاقة بين الفكر والكلام تتغير باستمرار ادعاءات ليف فيجوتسكي.
وتدعي نظرية ليف فيجوتسكي أن الفكر والكلام لهما جذور مختلفة. وفي سن الثانية، يتصادم فكر الطفل مع حديثه وتتحول العلاقة بين الفكر والكلام في هذا السن. ثم يصبح الفكر لفظيًا ويصبح الكلام عقلانيًا.
نظرية العالم آرون تي بيك:
وفقًا للنظرية الكامنة وراء العلاج المعرفي، التي أسسها آرون تي بيك، فإن مشاعرنا وسلوكنا ناتجة عن حوارنا الداخلي. كما يمكننا تغيير أنفسنا من خلال تعلم تحدي ودحض أفكارنا، وخاصة عدد من أنماط التفكير الخاطئة المحددة والتي تسمى التشوهات المعرفية. فوجد أن العلاج المعرفي فعال من خلال الدراسات التجريبية.
وفي علم الاقتصاد السلوكي، وفقًا للتجارب التي قيل إنها تدعم دليل التوافر النظري، يعتقد الناس بأن الأحداث الموصوفة بشكل أكثر وضوحًا هي أكثر احتمالية من تلك التي لا تتمتع بوصف دقيق.
الدراسات المتعلقة بفرضية سابير وورف في الفكر واللغة:
الأرقام:
في الثقافات العديدة حول العالم تستخدم الأرقام بطرق مختلفة، على سبيل المثال، ثقافة (Munduruku) يوجد بها عدد من الكلمات يصل إلى خمسة فقط. بالإضافة إلى ذلك، يشيرون إلى الرقم خمسة على أنه يد واحدة والرقم عشرة على أنه يدان اثنتان. وعادة ما يشار إلى الأرقام فوق العشرة على أنها كثيرة ولا يوجد أرقام محددة للدلالة عليها. وربما يكون نظام العد الأكثر اختلافًا عن نظام الحضارة الغربية الحديثة هو نظام “واحد، اثنان، كثير” الذي يستخدمه شعب البيراها، ففي هذا النظام، يشار إلى الكميات الأكبر من اثنين ببساطة على أنها كثيرة، والكميات الصغيرة على أنها واحد أو قليلة.
كما تم إجراء البحث في ثقافة البيراها باستخدام مهام مطابقة، وهذه مهام غير لغوية تم تحليلها لمعرفة ما إذا كان نظام العد أو الأهم من ذلك أن لغتهم أثرت على قدراتهم المعرفية. حيث أظهرت النتائج أن أداؤهم مختلف تمامًا عن شخص يتحدث الإنجليزية ولديه لغة تحتوي على كلمات للأرقام أكثر من اثنين. فعلى سبيل المثال، كانوا قادرين على تمثيل الرقمين واحد واثنين بدقة باستخدام أصابعهم، ولكن مع زيادة الكميات حتى وصولهم للرقم عشرة، تضاءلت دقة هذه الأرقام، فمن الممكن أن يكون الرقم مئة والرقم عشرون هو واحد بالنسبة لهم وهو “كثير”.
وتسمى هذه الظاهرة أيضًا التقدير التناظري، حيث تكبر الأرقام ويزداد التقدير. كما يعد أداءهم المتدهور مثالاً على كيفية تأثير اللغة على الفكر ودليل عظيم لدعم فرضية سابير وورف. فأفكارهم القليلة أثرت وبشكل كبير على مدى إنتاجية لغتهم، فأصبحت لغة فقيرة لغويًا لقلة أفكارها.
الاتجاه:
يبدو أن اللغة تدرس أيضًا كيفية إرشاد الناس الذين ينتمون إلى ثقافات مختلفة، إلى الاتجاهات المختلفة. على سبيل المثال، يحدد الأشخاص من مجتمع السكان الأصليين الأسترالي (Pormpuraaw) المساحة والاتجاهات بالنسبة للمشاهد، بدلاً من الإشارة إلى الموقع بعبارات مثل اليسار واليمين والخلف والأمام.
حيث تستخدم معظم الشعوب الأصلية، مثل (Kuuk Thaayorre)، مصطلحات الاتجاه الأساسية الشمال والجنوب والشرق والغرب. على سبيل المثال، قد يقول المتحدثون من هذه الثقافات، هناك عنكبوت على رجلك الشمالية الشرقية أو مرر الكرة إلى الجنوب الغربي. وبالإضافة إلى ذلك بدلاً من قول مرحبًا، فإن التحية في مثل هذه الثقافات هي إلى أين أنت ذاهب؟ وأحيانًا من أين أتيت؟ سيتبع هذه التحية إجابة توجيهية، مثل قول أنا قادم من الشمال الشرقي في المسافة الوسطى.
ونتيجة استخدام مثل هذه اللغة هي أن المتحدثين بحاجة إلى أن يكونوا موجهين باستمرار أو لن يكونوا قادرين على التعبير عن أنفسهم بشكل صحيح أو حتى تجاوز التحية بالشكل المطلوب، فقد أصبح استخدام هذه الكلمات الدلالة على الاتجاهات أو لإلقاء التحية أمرًا أساسيًا في استخدامهم لغتهم، على سبيل المثال، من الممكن أن يشعروا بالغرابة إذا ألقيت التحية بقول مرحبا.
كما يتمتع المتحدثون بهذه اللغات التي تعتمد على الإطار المرجعي المطلق بقدرة تنقل ومعرفة مكانية أكبر بكثير مقارنة بمتحدثي اللغات الذين يستخدمون أطر مرجعية نسبية مثل اللغة الإنجليزية. فبالمقارنة مع مستخدمي اللغة الإنجليزية، فإن المتحدث بلغات مثل (Kuuk Thaayorre)، أفضل في البقاء متوجهًا حتى في الأماكن غير المألوفة، وفي الحقيقة لغتهم هي التي تمكنهم من القيام بذلك. وهذا دليل آخر على مدى تأثير الأفكار على اللغة، فمن الممكن لأشخاص يتحدثون اللغة الإنجليزية ولكن في ثقافات مختلفة، أن يستخدموا أفكارهم بأساليب مختلفة للإشارة إلى الاتجاهات، ولكن بطرق مختلفة عن بعضهم البعض.