تتضمن المقدمات الإشكالية في تصريحات الفيلسوف جان بودريار بأنّ الإرهاب هو استراتيجية فعالة والوسيلة الوحيدة المتاحة للجماعة المهمشة التي تسعى إلى معارضة العولمة الغربية، فنحن نجادل بأنّ الإرهاب المعاصر لا يمكن أن يكون خارج حدود الأخلاق، ونقترح أنّ السبب الرئيسي لتصاعد الحوادث الإرهابية اليوم يكمن في منطق العولمة الغربية أو نظام الاستهلاك الذي أدى إلى ظهور المحاكاة.
فلسفة بودريار في صدام العولمة:
بالنسبة لبودريار فإنّ الخطب والتعليقات التي ألقيت منذ 11 أيلول تكشف عن رد فعل هائل بعد الصدمة على كل من الحدث نفسه والفتن الذي يمارسه، وإنّ الإدانة الأخلاقية والاتحاد المقدس ضد الإرهاب يتناسبان بشكل مباشر مع الابتهاج الهائل الذي شعر به بعد رؤية هذه القوة العظمى العالمية محطمة، وأدرك بودريار أنّ الإرهابيين يأملون في أن يبالغ النظام في رد فعله على التحديات المتعددة للإرهاب حيث: “إنه النموذج الإرهابي لإحداث فائض من الواقع، وجعل النظام ينهار تحت هذا الفائض”.
من وجهة نظر بودريار مثلت هجمات الحادي عشر من أيلول صدام العولمة المنتصرة في حرب مع نفسها، وكشفت عن حرب عالمية رابعة بأنّ:
1- الأولى وضعت حداً للتفوق الأوروبي وعصر الاستعمار.
2- الثاني وضع حد للنازية.
3- الثالث للشيوعية.
فكل واحد جعلنا أقرب تدريجياً إلى النظام العالمي الموحد اليوم، والذي يقترب الآن من نهايته وفي كل مكان معارضة وفي كل مكان يتصارع مع قوى معادية، وهذه حرب تعقيد فركتلي شُنت في جميع أنحاء العالم ضد التفردات المتمردة التي على غرار الأجسام المضادة وتصعد مقاومة في كل خلية، وقد انتقد سوكال وبريسمونت في عام 1998 بودريارد لمثل هذا الاستخدام المجازي للمصطلحات العلمية.
عند النشر الأولي لرده في الصحف الفرنسية وترجمته الفورية إلى الإنجليزية ولغات أخرى، اتُهم بودريار نفسه بتبرير الإرهاب عندما صرح في مقال في صحيفة لوموند بأنّ: “لأنها كانت هذه القوة العظمى التي لا تطاق أي الولايات المتحدة”، والتي أدت إلى انتشار العنف الآن في جميع أنحاء العالم وإلى الخيال الإرهابي الذي (دون علمنا) يسكن في داخلنا جميعًا.
وأنّ العالم بأسره دون استثناء كان يحلم بهذا الحدث، وأنّ لا أحد يستطيع إلّا أن يحلم بتدمير مثل هذه القوة المهيمنة، وهذه الحقيقة غير مقبولة للضمير الأخلاقي للغرب، ومع ذلك فهي حقيقة مع ذلك حقيقة تقاوم العنف العاطفي لجميع الخطابات التي تتآمر للتستر عليها، وفي النهاية هم من فعلوا ذلك لكننا نحن الذين تمنينا ذلك.
دافع بودريار عن نفسه ضد الاتهامات بأنّ مثل هذه الأفكار تشكل معاداة خبيثة لأمريكا أو شرعية للإرهاب مدعيًا بأنّه لا يشيد بالهجمات القاتلة فإنها ستكون حمقاء، والإرهاب ليس شكلاً معاصرًا للثورة ضد القمع والرأسمالية، فلا يمكن لأي أيديولوجية أو صراع من أجل هدف ولا حتى الأصولية الإسلامية، وتفسير ذلك لم يمجد شيئًا ولم يتهم أحداً ولم يبرر شيئًا، فلا ينبغي الخلط بين الرسول ورسالته، ولقد سعى بودريار لتحليل العملية التي من خلالها يؤدي التوسع غير المحدود للعولمة إلى تهيئة الظروف لتدميرها.
فلسفة بودريار في مفهوم العولمة:
في الواقع أنتج بودريار أيضًا بعض الأفكار الاستفزازية حول العولمة، وفي عنف العالم يميّز بين العالمي والعولمة، ويربط العولمة بالتكنولوجيا والسوق والسياحة، والمعلومات المتناقضة مع تعريف العالمي بحقوق الإنسان والحرية والثقافة والديمقراطية، بينما يبدو أنّ العولمة لا رجعة فيها، فمن المرجح أن تكون العولمة في طريقها إلى الزوال.
في مكان آخر يكتب بودريار: “فكرة الحرية تبدو أنّها فكرة جديدة وحديثة، وتتلاشى بالفعل من العقول والأعراف، والعولمة الليبرالية تأتي في الشكل المعاكس تمامًا، فالعولمة الدولة البوليسية والسيطرة الكاملة والإرهاب على أساس تدابير القانون والنظام، فينتهي الأمر بإلغاء التنظيم في أقصى حد من القيود، مثل تلك الموجودة في المجتمع الأصولي”.
يرى الكثيرون العولمة على أنّها مصفوفة اقتصاد السوق والديمقراطية والتكنولوجيا والهجرة والسياحة والتداول العالمي للأفكار والثقافة، ومن المثير للفضول أنّ بودريار يتخذ موقف أولئك الذين ينتمون للحركة المناهضة للعولمة والذين يدينون العولمة باعتبارها نقيض الديمقراطية وحقوق الإنسان، وبالنسبة له العولمة هي في الأساس عملية تجانس وتوحيد تسحق (المفرد) وعدم التجانس.
ومع ذلك فإنّ هذا الموقف لا يشير إلى التناقضات القائلة بأنّ العولمة تنتج في نفس الوقت التجانس والتهجين والاختلاف، وأنّ الحركة المناهضة لعولمة الشركات تقاتل من أجل العدالة الاجتماعية والديمقراطية وزيادة الحقوق، وهي عوامل يربطها بودريار بعالمية محتضرة، وفي الواقع يعتبر النضال من أجل الحقوق والعدالة جزءًا مهمًا من العولمة، كما أنّ تقديم بودريار لحقوق الإنسان والديمقراطية والعدالة كجزء من عولمة عفا عليها الزمن تم محوها من قبل العولمة هو إشكالية نظرية وسياسية.
ومع ذلك في هجمات الحادي عشر من أيلول وما تلاها من حرب الإرهاب، واندلع الخلاف والصراع على المسرح العالمي وظهرت قوى غير متجانسة، فيبدو أنّ الرأسمالية العالمية غير قادرة على استيعابها وقد أنتجت ما يبدو أنّه حقبة من الصراع الشديد، واضطر المدافعون الأيديولوجيون عن العولمة مثل توماس فريدمان إلى الاعتراف بأنّ للعولمة جوانبها المظلمة وتنتج صراعًا بالإضافة إلى التشبيك والعلاقات المتبادلة والتقدم.